الاثنين، 13 أبريل 2015

30 يونيو.. والذي خبث لا يخرج إلا نكدا


30 يونيو.. والذي خبث لا يخرج إلا نكدا
سليم عزوز

لا أعرف مبرراً لـ "المناحة المنصوبة"، بمناسبة قيام "الأخوين مبارك"؛ "جمال وعلاء" نجلي الرئيس المخلوع، بالذهاب لمسجد عمر مكرم، القريب من "ميدان التحرير"، لتقديم واجب العزاء، لرئيس تحرير جريدة "الأسبوع" مصطفى بكري، في وفاة والدته؟!.

"المناحة المنصوبة"، جاءت لتنعى ثورة يناير، إذ أعتبر بعض السذج، أن الثورة قد ماتت في هذه اللحظة، التي دخل فيها "جمال وشقيقه" المسجد، بعد مرورهما من ميدان الثورة المصرية.
وكأنها لحظة منشئة لوفاة الثورة، في حين أنها لحظة كاشفة لهذه الوفاة؛ ذلك بأن الثورة قد انتهت رسمياً في 3 يوليو، وعبد الفتاح السيسي يلقي بيانه، الذي دشن فيه لعودة حكم العسكر، في حين أن هذه الثورة هتفت بسقوط هذا الحكم الذي جلب الخراب على المنطقة، ومثل تنفيذاً لأجندة الاستعمار القديم، الذي صنع نخبته في المستعمرات، وغادر وترك لها مهمة تنفيذ المهام، فكان الاستبداد والتخلف والتبعية. ومن مصر لليمن إلى ليبيا، لكل البلدان التي حكمها العسكر.. يا قلب لا تحزن!.

لكن للأسف فإن هناك من لم ينتبهوا لوفاة الثورة، إلا وهم يشاهدون صور "الأخوين مبارك"، وهما في مسجد "عمر مكرم" الذي كان لقربه من "ميدان التحرير"، أحد معالم هذه الثورة.
ومن لاطمي الخدود من شاركوا في استكمال المشهد بعودة "جمال مبارك" للحياة العامة، تمهيداً لعودته للحياة السياسية، وهو الذي لا يوجد عنده مانع قانوني يحول دون ممارسته الحق في الترشح والانتخاب ولو لأي منصب سياسي، بعد أن حصل وجميع المتهمين الذين دفعت بهم ثورة يناير للمحاكمة، على البراءة!.

الصورة كانت واضحة منذ البداية، ورجال الشرطة في السجن يعطون التحية العسكرية لنجل المخلوع، ويُعامل المتهمون بكل احترام وإجلال، ولم تكن هذه المعاملة تمثل مشكلة، "لثوار الغبراء"، الذين حُصرت ثوريتهم في إسقاط الرئيس المنتخب وتمثيل غطاء ثوري للثورة المضادة، ولم يكن مغرراً بهم، أو أنهم فاقدون للوعي، فقد دخلوا "ميدان التحرير" في يوم 30 يونيو، أيديهم في أيدي حزب "آل مبارك"، بعد أن أفتى لهم "الحبر الأعظم" حمدين صباحي، بأنه لا يجوز لثوري أن يسأل في هذا اليوم، إن كان من بجانبه ينتمي للحزب الوطني؟، مؤكداً أن خلافنا مع هذا الحزب ثانوي، فالخلاف الجذري مع جماعة الإخوان المسلمين.. أو هكذا قال!

ولأن الذي خبث لا يخرج إلا نكدا، فكان طبيعياً أن تعيد 30 يونيو حكم العسكر، وتعيد دولة الاستبداد والجور، ويحصل بسببها نظام مبارك على البراءة، ويصبح طبيعياً أن يمر جمال مبارك وشقيقه علاء من "ميدان التحرير" وليس في قلبهم ضغينة له، لأن هذا "الميدان" وإن كان هو من أسقط حكمهم بثورة 25 يناير، فقد كان سبباً في عودتهما للحياة العامة معززين مكرمين، بينما من شاركوا في إسقاطهم يحكم عليهم في اليوم التالي بالإعدام والمؤبد!

لست ميالاً لمسايرة فريقاً من لطمي الخدود، يوحون في "مناحتهم" كما لو كانت الأزمة بدأت، بظهور "الأخوين مبارك" للعلن، وقيامهم بتأدية "العزاء السياسي" في مسجد "عمر مكرم" بالذات في أول ظهور علني لهما، وقد نظر البعض إليهما على أنهما بما فعلا قد سعيا لإغاظة الثوار، فهذه نظرة مراهقة ؛ ذلك بأن فريق "اللطم" ليس حزيناً على الثورة، التي ساهم في القضاء عليها بالدعوة لـ "30 يونيو" الممولة من الرجعية العربية، ولكن لأن هذه العودة الميمونة لنجلي الرئيس المخلوع، شهدت خروجهم هم من المشهد، فلم يعد مسموحاً لهم أن يقوموا ولو بدور المعارضة المستأنسة للنظام، وكانوا يظنون أن بإسقاط إرادة الشعب المصري بقوة السلاح، أن حامل السلاح سينتزع الحكم من الإخوان، ويسلمه لهم، لكنهم فوجئوا بالاستغناء عن خدماتهم، وقد كان يرضيهم أن يكونوا مجرد "خدماً في البلاط"، وبعضهم تربوا وترعرعوا في "الحظيرة"، بحسب تصريحات سابقة لوزير الثقافة في عهد المخلوع بأنه نجح في إدخال المثقفين المصريين حظيرة وزارة الثقافة، وبعض كانوا خارج هذه الحظيرة وكان كل مطلبهم من "ثورة يونيو الباسلة" أن تسمح لهم بدخولها!

لا تقولوا لي إنهم كانوا يظنون أن "الحداية يمكن أن تلقي كتاكيت"، وإنهم كانوا يعتقدون أن ما قاموا به في 30 يونيو كان ثورة مكملة، فالدليل على أنهم كانوا يعلمون أنها ثورة مضادة، أنهم وإن كانوا قد بنوا معارضتهم للرئيس المنتخب بأنه لم ينحاز لمطالب ثورة يناير، فلم يقتص من قتلة الشهداء، فإن أحداً منهم لم يعد يتحدث عن هذه المطالب الآن لأنه يؤمن أن عبد الفتاح السيسي هو الامتداد الطبيعي لنظام مبارك!.

إن تشويه "ميدان التحرير"، لم يكن بما حدث له قبل أيام حيث مر منه "الأخوين مبارك"، فالتشويه بدأ مبكراً، وعندما وفد للقاهرة بعض القادة الدوليين وطلبوا زيارته، قامت السلطة الحاكمة يومها بتمكين البلطجية منه، ليتحرشوا بكل عابر سبيل، وليكون وجودهم مبرراً للاعتذار للزائرين عن السماح بزيارته.
وكنا نعلم من الذي سمح بعملية تشويه "الميدان"، ومع ذلك كان حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يذهبون للمجلس العسكري، وتلتقط لهم الصور بجانب "قائد الثورة" عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية، وفي هم في حالة "ابتهاج فطري"، وسط دعاية مكثفة عن الجيش الذي حمى الثورة، وحمل مبارك على مغادرة القصر، وكنا نعلم أننا أمام كذب بواح، بالدعاية لورثة مبارك ورجاله الذين صنعهم على عينه، عن طريق إدخال الغش والتدليس على الناس!.

واستمر التشويه في فترة حكم الرئيس محمد مرسي لميدان التحرير، عندما كان بعض الذين يتحدثون باسم الثورة، لا يجدون حرجاً عندما يقفون في الميدان يهتفون بسقوط ما كانوا يصفونه بحكم المرشد، بينما "كنيسة مبارك" تشاركهم الهتاف، فهل تنكرون أن هذه الكنيسة كانت جزءاً من حسابات المخلوع في كل الانتخابات، بما في ذلك الانتخابات النقابية، فلما قامت الثورة أمر البابا شنودة أتباعه بعدم المشاركة فيها، معلناً "أنهم مع مبارك"!

لقد غادرت "ميدان التحرير" إلى الاتحادية، في حصارها الأول، ولفت انتباهي هذا العدد هنا وهناك من الرهبان، على نحو ظننت معه أنه لم يعد هناك راهب في الأديرة يتعبد!

فهل يمكن لثوري، أن يقبل هذا الحضور بسلامة نية وحسن طوية؟!

المسألة كانت واضحة من البداية، ومن الطبيعي أن يترشح أحمد عز، الرجل القوى في حزب مبارك، في الانتخابات البرلمانية، وان يخرج مبارك ونجليه للحياة العامة، فالأحكام القضائية التي هي عنوان الحقيقة تقول أنهم أبرياء، وأنظف من الصيني بعد غسيله، والذي أصدر هذه الأحكام هو قضاؤنا الشامخ، في واحدة من "شمخاته التاريخية".. من شمخ، يشمخ، شمخة، فهو شامخ!


لا تتباكون الآن على ثورة يناير، فقد ماتت وشبعت موتاً، بعد أن أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها.. رحم الله موتاكم. فالآن مصر على موعد مع ثورة جديدة عظمتها تتجلى في أنها ليس فيها أنتم!

مشهد "الأخوين مبارك" ليس فيه ما يثير الدهشة، فهو إفراز طبيعي لما خبث وهو يوم 30 يونيو، فأخرج نكدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق