المطالبة بفصل الدين عن الدولة وهي مفصولة!
شاهو القرة داغي
بعد سقوط الخلافة العثمانية وقيام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء نظام الخلافة وإعلان تأسيس الجمهورية التركية وفتح صفحة جديدة في حياة الأتراك، قام أتاتورك بصورة منهجية ومنظمة بإعلان حرب كبيرة على كل شيء متعلق بالدين الإسلامي ومحاولة إبعاد الدين ليس عن الدولة فقط بل عن المجتمع وحياة الأفراد بشكل كامل في تجسيد لأسوأ وأشد أنواع العلمانية في العالم.
وأتاتورك استعمل جميع الوسائل في سبيل الوصول إلى هدفه وغايته من القوة والعنف والإرهاب والإجراءات القمعية ومن خلال الدساتير والقوانين واستغلال المثقفين والكُتاب وحتى رجال الدين لنشر التغريب وعلمنة المجتمع بالقوة وإنهاء دور وتأثير الدين الإسلامي الذي كان متجذرًا في حياة الفرد التركي.
ولكن، رغم هذا الجهد الكبير وصرف الطاقات وانشغال الدولة بهذه المسألة، نرى اليوم أن تركيا يحكمها اليوم حزب العدالة والتنمية الذي يعتبر ذات خلفية إسلامية، وهذا دليل على أن أغلبية الشعب التركي اختارت حزبًا إسلاميًا ليحكمه، والشعب عاد للإسلام وقرر طلاق مبادئ أتاتورك وتحقير أفكاره وأسلوبه الذي حاول عن طريق القوة تطبيق أفكار غريبة وغربية على مجتمع مسلم دون مراعاة الفوارق الجوهرية بين المجتمعات والاعتراف بخصوصية المجتمع المسلم.
اليوم، واقع تركيا يعطينا درسًا مهمًا جدًا وهو فشل مشروع أتاتورك في محاربة الشريعة وأحكام الدين وأنه من الصعوبة القيام بعزل الدين عن المجتمع وحياة المسلمين، حتى لو افترضنا أنها نجحت باستخدام القوة في إبعاد الناس عن الدين ولكنه سيزول بمجرد زوال القوة كما رأينا نفس المشهد في تونس، عندما قام “بورقيبة” وبعده “بن علي” بمحاربة الدين بكل صورة وبكل الوسائل.
ولكن، في النهاية، بمجرد سقوط النظام التونسي العلماني رأينا أن الناس عادوا إلى الدين واحتضنوا الإسلام من جديد ورفضوا تلك الأفكار والمبادئ التي فُرضت عليهم بالقوة والقانون.
التاريخ القديم مليء بالنماذج كالشيوعيين الذين أعلنوا حربًا علنية على الإسلام ولكن اليوم الإسلام موجود في عقر دارهم.
ولكن، برغم هذه النماذج والكثير من العبر في التاريخ إلا أن بعض القيادات والأحزاب والسياسيين لازالت تعتقد أن بإمكانها محاربة دين يعتنقه الملايين من الناس، ويصرون على مواجهة عقيدة أغلب الشعوب الإسلامية دون أن يدركوا أن هذا الخطاب سيزول وسينتهي وينقرض والناس قد تتأثر قليلًا بخطابهم ولكنها سوف تعود إلى دينها وتحتقر كل من يحمل هذه الأفكار المعادية لدينها.
والعجيب أن بعض السياسيين الذين يتبنون هذه الطريقة في مهاجمة الإسلام يعتبرون أنفسهم من الإصلاحيين الذين يريدون نسف عقيدة وأفكار المتطرفين والإرهابيين ومنع نشوء مثل هذه الأفكار، دون أن يعلموا أن أفعالهم تؤدي بشكل طبيعي إلى نشوء التطرف والإرهاب لدى الشباب ويخدمون هذا الفكر الإرهابي سواء شعروا بذلك أم لا.
من لا يتعلم من التاريخ ولا يأخذ العبرة سيكون عبرة لغيره وسيلقى نفس المصير ويرتكب نفس الأخطاء، ومن المعروف أن الإسلام إذا حورب اشتد وإذا ترك امتد؛ فلماذا الدخول في حرب نتيجتها وفشلها أمر محتوم؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق