رجال بلا عمود فقري
الخميس 13 جمادى الآخرة 1436 الموافق 02 إبريل 2015
د. ديمة طارق طهبوب
"من أيام قليلة جدّاً تزوّج شاب ممتاز أعرفه، و قد أعلمتني إحداهن بعد خطبته أنّه أراد أن يتقدّم لي ولكنّه خاف من الرّفض.
بصراحة دكتورة أحيانا تخيفني أنا أيضاً فكرة الرهبة التي يشعر الشباب بها اتجاه الفتاة الطموحة أو "الشّغيلة" أو الناجحة...تصيبني هواجس أحياناً أن أصل لنجاح عظيم دون أن يرافق نجاحي زوج.. فهل لك رأي أو نصيحة بهذا الشأن؟"
هذه رسالة وصلتني من فتاة تملك كل مقومات الزواج من دين و جمال و علم و عائلة و كل ما قد يرغّب الفضلاء من الشباب بالارتباط بها؛ بل و يزيد الطلب عليها، و لكن كان في الشكوى عامل آخر؛ يدل على عمق المرض النفسي و اختلال التربية الذي يعاني منه كثير من الأفراد الذين يظنون أنفسهم ملتزمين و مثقفين؛ فالرجل الذي يهدد كيانه و ثقته بنفسه تفوق امرأة أحبها و اختارها؛ لتكون رفيقة العمر، و أم أولاده، و كاتمة أسراره، و عونه على الدنيا و الدين، و راعية بيته يعاني من مرض ضعف الرجولة، و هو للأسف مرض لا تكشف عنه فحوصات القوة الطبية؛ و لكن أثره في الحياة أنكى و أسوأ؛
فالرجولة عقلية و أخلاق و نظام حياة، لا تحصر في غرفة خاصة و لا ممارسات و غرائز؛ يشترك فيها الإنسان حتى مع البهائم!
لقد كان الوصف القرآني دقيقا فقال سبحانه " ثم سوّاك رجلا" فبعض الرجال يخلقون و لا يستوون؛ لأن اكتساب الرجولة مرحلة لاحقة لا يصلها كل الذكور، و قد يصلها ثم تنزع منه بقليل إيمان و قليل أخلاق، بل مع الاستواء و هو يحمل معاني النفس السوية و الاستقرار عليها تكون هناك مرحلة أخرى و هي بلوغ الأشد؛ فقد قال الله في وصف موسى "و لما بلغ أشده و استوى آتيناه حكما و علما" و المعنى يخبر عن صناعة مستمرة و تسوية مطردة لهذه الرجولة؛ فبلوغ الأشد كما جاء في آية أخرى يكون في الأربعين، بينما المجتمع يظن أن بمجرد خطت شوارب الذكر، و أخشوشن صوته، و صار يصيح و يأمر و ينهى فقد أدرك الرجولة!
و الله عندما كلف الرجال بالقوامة بين العلة في التفضيل، و لم يجعل القوامة مطلقة لكل الرجال على كل النساء أو لكل الذكور على كل الإناث، إنما هي منزلة قد يصلها بعض الرجال إذا قدموا في ميزان الله إثباتات الاستحقاق، و لقد فصلت السنة فيها أيما تفصيل، و أجملت كذلك بوصف الكرامة و الكرم في حديث "ما أكرمهن إلا كريم"كريم النفس و الخلق و اليد، و لكم كان الرجال في زمن الرجولة يتنافسون من أجل إدراك لقب الكريم حتى أشيع عن حاتم الطائي أنه لو لم يجد لضيوفه طعاما لضحى بنفسه و أولاده!
كانت خديجة بمعطيات البشر متفوقة في المال و العمر و الخبرة؛ و لكن هذه كانت عوامل جذب للشاب محمد الذي لا ينقصه شيء ليتزوج بكرا صغيرة، لا تعرف من الدنيا سوى ظله و جناحه، كانت سيدة أعمال، و امرأة ثرية، و كان أجيرها الفقير، و لم يك بعد نبيا، و لكنه رأى فيها اكتماله و كل ما كان ينقصه ليدرك قرة العين في الدنيا قبل الآخرة؛ فاعترف لها بكامل الثقة ثناء دام على مدى الزمن، تغبطها عليه كل النساء و ليس فقط أمنا عائشة فقال" آمنت بي حين كذبني الناس، و صدقتني حين كذبني الناس، و آوتني حين طردني الناس، و أعطتني حين حرمني الناس..." لم يخجل أن يعترف لها بكل هذه المهام في حياته، كانت خديجة بجانبه و حواليه، و لم تكن خلفه و لا وراءه؛ فالعظيم محمد صلى الله عليه و سلم لا يترك النساء وراءه في الخلف استصغارا لهن؛ فدينه جاء ليضع النساء في المقدمة، بل لقد سبقته عائشة عندما تسابقا، و ليس الأمر فقط موقف تودد زوجي؛ بل الرسالة أعظم فقد رضي أن تسبقه و لم يغضب، و لم يرعد، و لم يهدد بالطلاق كما يفعل رجال اليوم على أقل من ذلك، بل أقر ذلك لها بنفس طيبة و لكل امرأة من بعدها تؤهلها قدراتها أن تسابق و تسبق الرجال في أي ميدان.
ثم أن هناك خللا في فهم النساء؛ إنهن لا يكتملن إلا بالزواج مع الاعتراف بأن الزواج الناجح له نصيب كبير في تتويج كل جميل في الحياة، و لكنه رزق كأي رزق إذا تأخر فلا تذهب النفس عليه حسرات، و تنسى كل الخير و المهام التي وجدت لتحقيقها. و لكن ربما كان ليعيننا في مجال القدوة لو قرأنا عن سير صحابيات لم يتزوجن، و لكن المجتمع كان مختلفا آنذاك فلم يكن فيه الكثير من العزباوات أو المطلقات أو الأرامل؛ و لكننا رأينا مريم البتول كيف أوقفت حياتها للأقصى قبل أن تصبح الأم المعجزة؛ فأكرمها الله بالخلود في سجل الكاملات من النساء و هن قلة.
كان جوابي على الرسالة" لا يخاف من البنت الطموحة إلا الشخص غير الواثق بنفسه، أما المثقف فيبحث عن امرأة تشاركه طموحه"
و اليوم أزيد أن مصطلح الرجولة بحاجة إلى تصحيح، و الرجال بحاجة إلى غربلة؛ فإن كان كلهم بلغوا الذكورة فبالتأكيد أن ليس جميعهم استوت و تمكنت فيه الرجولة، و هي العمود الفقري لاستقامتهم و دورهم في الحياة، و كم من ذكر نرى فيه اكتمال الملامح الظاهرية للرجولة، و لا نرى فيه أخلاقها و لا أفعالها، و ما أكثر الذكور لو أمعنا النظر، برجال مستوين و لو استقام عظم الجسم و انفتل!
لقد كان الوصف القرآني دقيقا فقال سبحانه " ثم سوّاك رجلا" فبعض الرجال يخلقون و لا يستوون؛ لأن اكتساب الرجولة مرحلة لاحقة لا يصلها كل الذكور، و قد يصلها ثم تنزع منه بقليل إيمان و قليل أخلاق، بل مع الاستواء و هو يحمل معاني النفس السوية و الاستقرار عليها تكون هناك مرحلة أخرى و هي بلوغ الأشد؛ فقد قال الله في وصف موسى "و لما بلغ أشده و استوى آتيناه حكما و علما" و المعنى يخبر عن صناعة مستمرة و تسوية مطردة لهذه الرجولة؛ فبلوغ الأشد كما جاء في آية أخرى يكون في الأربعين، بينما المجتمع يظن أن بمجرد خطت شوارب الذكر، و أخشوشن صوته، و صار يصيح و يأمر و ينهى فقد أدرك الرجولة!
و الله عندما كلف الرجال بالقوامة بين العلة في التفضيل، و لم يجعل القوامة مطلقة لكل الرجال على كل النساء أو لكل الذكور على كل الإناث، إنما هي منزلة قد يصلها بعض الرجال إذا قدموا في ميزان الله إثباتات الاستحقاق، و لقد فصلت السنة فيها أيما تفصيل، و أجملت كذلك بوصف الكرامة و الكرم في حديث "ما أكرمهن إلا كريم"كريم النفس و الخلق و اليد، و لكم كان الرجال في زمن الرجولة يتنافسون من أجل إدراك لقب الكريم حتى أشيع عن حاتم الطائي أنه لو لم يجد لضيوفه طعاما لضحى بنفسه و أولاده!
كانت خديجة بمعطيات البشر متفوقة في المال و العمر و الخبرة؛ و لكن هذه كانت عوامل جذب للشاب محمد الذي لا ينقصه شيء ليتزوج بكرا صغيرة، لا تعرف من الدنيا سوى ظله و جناحه، كانت سيدة أعمال، و امرأة ثرية، و كان أجيرها الفقير، و لم يك بعد نبيا، و لكنه رأى فيها اكتماله و كل ما كان ينقصه ليدرك قرة العين في الدنيا قبل الآخرة؛ فاعترف لها بكامل الثقة ثناء دام على مدى الزمن، تغبطها عليه كل النساء و ليس فقط أمنا عائشة فقال" آمنت بي حين كذبني الناس، و صدقتني حين كذبني الناس، و آوتني حين طردني الناس، و أعطتني حين حرمني الناس..." لم يخجل أن يعترف لها بكل هذه المهام في حياته، كانت خديجة بجانبه و حواليه، و لم تكن خلفه و لا وراءه؛ فالعظيم محمد صلى الله عليه و سلم لا يترك النساء وراءه في الخلف استصغارا لهن؛ فدينه جاء ليضع النساء في المقدمة، بل لقد سبقته عائشة عندما تسابقا، و ليس الأمر فقط موقف تودد زوجي؛ بل الرسالة أعظم فقد رضي أن تسبقه و لم يغضب، و لم يرعد، و لم يهدد بالطلاق كما يفعل رجال اليوم على أقل من ذلك، بل أقر ذلك لها بنفس طيبة و لكل امرأة من بعدها تؤهلها قدراتها أن تسابق و تسبق الرجال في أي ميدان.
ثم أن هناك خللا في فهم النساء؛ إنهن لا يكتملن إلا بالزواج مع الاعتراف بأن الزواج الناجح له نصيب كبير في تتويج كل جميل في الحياة، و لكنه رزق كأي رزق إذا تأخر فلا تذهب النفس عليه حسرات، و تنسى كل الخير و المهام التي وجدت لتحقيقها. و لكن ربما كان ليعيننا في مجال القدوة لو قرأنا عن سير صحابيات لم يتزوجن، و لكن المجتمع كان مختلفا آنذاك فلم يكن فيه الكثير من العزباوات أو المطلقات أو الأرامل؛ و لكننا رأينا مريم البتول كيف أوقفت حياتها للأقصى قبل أن تصبح الأم المعجزة؛ فأكرمها الله بالخلود في سجل الكاملات من النساء و هن قلة.
كان جوابي على الرسالة" لا يخاف من البنت الطموحة إلا الشخص غير الواثق بنفسه، أما المثقف فيبحث عن امرأة تشاركه طموحه"
و اليوم أزيد أن مصطلح الرجولة بحاجة إلى تصحيح، و الرجال بحاجة إلى غربلة؛ فإن كان كلهم بلغوا الذكورة فبالتأكيد أن ليس جميعهم استوت و تمكنت فيه الرجولة، و هي العمود الفقري لاستقامتهم و دورهم في الحياة، و كم من ذكر نرى فيه اكتمال الملامح الظاهرية للرجولة، و لا نرى فيه أخلاقها و لا أفعالها، و ما أكثر الذكور لو أمعنا النظر، برجال مستوين و لو استقام عظم الجسم و انفتل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق