نظام أم أشرف
عبد الحكيم حيدر
كاتب وروائي مصري
أسرة مصرية عادية، الأب أستاذ في كلية طب الأزهر، لا يملك طائرات خاصة، ولا دبابات (في الضالع)، ولا قبيلة تعدادها نصف مليون.
لكنها تغيظ نظاماً حفر قناة سويس جديدة في أشهر، وبنى عاصمة جديدة، ودخل حربين في بلدين، ليبيا واليمن، وأسر قائد الأسطول السادس الأميركي، وغير مصادر تسليحه من أميركا التي لا يستطيع أي عاشق، مهما كان جبروته، أن يدير لها ظهره، إلا أن النظام استطاع، وغيّر مصادر تمويل سلاحه إلى روسيا، قبل أن يرتد إليه طرفه، وكانت (السلطانية) هي (الجاكت الأحمر) الذي به سُر الملك والملكوت.
نظام قادر على الاستعانة بأي صديق من الخارج، كالممثل الهندي باتشان، ويجعل بناته يرمين بأنفسهن أمام إطلالة جماله، وممكن أن يلقين بأنفسهن من الدور الأربعين، تحت عجلات سيارات موكبه، نظام يستعين بصافينار كي (ترطب) جو الأزمات.
كيف احتار دليله أمام أسرة بسيطة كأسرة محمد البلتاجي؟
إلى الآن، وصلت الأحكام التي حصل عليها الدكتور محمد البلتاجي إلى 165 سنة، غير الفكّة، أما السيدة زوجته التي قاومت السلطات داخل السجن، وأمام عيون وزارة الداخلية، وداخل جدران أعتى سجونها منعة، وهم كانوا يقدمون لها كل أنواع الزهور لتهدأ وتستعيذ بالله، إلا أنها واصلت الاعتداءات، حتى أنها كانت أقوى من كل القوات داخل السجن. ولولا أن الله سلم لاستطاعت أن تدمر كل شيء أمامها، فحكموا عليها بستة شهور، احتراماً لمشاعر زوجها، ضيفهم حتى القرن الثالث والعشرين، واحتراماً للعِشرة التي سوف تدوم مع زوجها (ربنا يمد في عمره).
ولو كانت زوجة البلتاجي في حقيبتها كارت من الممثلة انتصار، أو الممثل طارق النهري الذي أشهر مسدسه في ميدان التحرير، لخرجت من باب السجن فوق دبابة، ومعها باقة ياسمين. فلماذا نسيت أن يكون معها ذلك الكارت، كباقي خلق الله، أم أن الأمر كان بمثابة عقاب لها، لأنها تزوجت رجلا صالحاً أكمل تعليمه، حتى حصل على الدكتوراه، وكان يصلّي بالثوّار في ميدان التحرير، أيام كان أرباب الفن والمسرح يطالبون الثوّار بالتعطف عليهم، وترك الميدان.
أشياء كثيرة تحوم حول هذه الأسرة، إلى درجة تجعل كل قادة الفكر ضدها، ابتداء من السيد ياسين حتى أحمد موسى، مروراً بأم أشرف، وهي من جنود عكاشة، وقالت في البرنامج إن "البلتاجي كان شغّال تمرجي في عيادة أبو مراته".
الغريب أن أم أشرف نالت حجة وثلاث عمرات من السيسي، وفي النهاية (طلعت بتسرق مراوح من المساجد، وضيفة من أحباب مبارك، وقد سرّحها عكاشة من سنوات في كل مؤتمراته وندواته)، حتى هذه تم تجنيدها ضد أسرة البلتاجي، لكي تربط بين الإرهاب في سيناء ومقولته في ميدان رابعة، حتى ظننت أن تلك العبارة صارت نشيداً قوميا بعد الانقلاب، ونسوا (اضرب في المليان) و(السيف الأحمر المكتوب عليه لا إله إلا الله).
ما سر جبروت تلك الأسرة وقوتها؟ أحياناً، أتذكر مقولة وزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم، بأنه سيضم (نخنوخ) إلى سجن البلتاجي، فأجد أن السفالة وصلت، ساعتها، إلى أقصى حدودها. كيف وصل نظام، يدعي حمل سبعة آلاف سنة من الحضارة في جيناته، إلى هذا الحد، نظام يخرج علينا أنه وريث حضارة استعانت بسجين مظلوم (سيدنا يوسف) ليفسر لملكها أحلامه، ولم تطلق عليه نخنوخاً أو كلبا بوليسياً، ثم جعلته وزيراً وجيها، وصار نبياً.
حضارة أكرمت الضيف، وأحبته، وجعلته وجيهاً تضيق بأسرة صغيرة من طينها؟ هل ذنب البلتاجي أنه كان إنساناً، ولم يملك مستشفى استثماريا لسرقة الأعضاء من الفقراء ويعطيها للأغنياء، ثم يمد أمام عيادته "مائدة رحمن"، كما يفعل رجال أعمال ولصوص في رمضان. هل ذنبه أنه صلى بالثوار في ميدان التحرير، وكان الثمن ذلك العقاب.
أم نحن أمام نظام يشبه (أم أشرف) إلى حد كبير؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق