الأحد، 12 أبريل 2015

الربيع العربي إذ يفكك الخطاب الإيراني


الربيع العربي إذ يفكك الخطاب الإيراني
د. أحمد موفق زيدان


ثورة تفكيك الخطاب الإيراني حصيلة وثمرة من ثمرات ثورات الربيع العربي؛ إذ أتت هذه الثورات على قواعده المتكلسة، فلم يصمد أمام مطارق الربيع العربي التي فضحته وعرّته تماماً، فخطاب الثورة الذي اعتمد مصطلح وحدة الأمة الإسلامية هو نفسه الذي اعتمد في دستوره المذهب الاثني عشري الشيعي للدولة ولقائدها، وهو نفسه الذي احتمى بفكرة الأقليات ومصطلحاتهم ليحجز له تذكرة سفر إلى عالم الغرب المسكون بعقدة الأقليات وحمايتها منذ أن فرض أنظمة استبدادية شمولية في الشرق العربي تحديداً وربط مصالح هذه الأقليات بالاستبداد، فجاء معظمها للأسف رافضاً لثورات الربيع العربي واصطف معظمهم بالشام إلى جانب الاستبداد الشمولي، وانساق معهم للأسف البطريرك الماروني.
بداية لا بد من التأكيد على أن القاسم المشترك الوحيد بين خطاب ما وُصف زوراً وبهتاناً بحلف المقاومة والممانعة هو التأسيس لنظرية سياسية عنوانها شرعية الأساطير والكذب والتضليل، لكن للأسف نجح تاجر السجاد العجمي في الترويج لبضاعة مزجاة كاسدة لدى ضعاف النفوس فهو يعرف بازاره ويعرف زبائنه تماماً؛ ولذا يروج لبضاعته الخطابية بحسب الزبائن وطلباتهم، فإن كانت إيران تتعامل بأكثر من وجه فهي تتعامل أيضاً بأكثر من لسان وخطاب.
للأسف تلقف كثير من المغفلين هذه الحقيقة فما كان أمامك إلا أن تسب وتشتم الشيطان الأكبر والأوسط والأصغر وتصرخ بحنجرتك باسم فلسطين حتى تُكتب عند المغفلين بأنك مقاوم ومجاهد وممانع، ولا نستطيع وضع كل المعارك الوهمية أو التكتيكية التي شُنت هنا أو هناك باسم فلسطين إلا من باب تفضيلهم لتجارة المول على تجارة الدكان فقد تخسر في دكانين أو ثلاثة أو أربعة بالمول ولكن بالحسبة الأخيرة أنت الرابح، وإيران وأتباعها وحلفاؤها يمارسون هذه التجارة بذكاء، فيظن البعض أنه ربح في قُطر ما، ويتعامى أو يغفل عن أن مول الأمة يخسر.
فالشعار الخادع الكاذب الذي كرره الحوثي في اليمن صدى لهتاف إيراني «الموت لأميركا الموت لإسرائيل» وفّر لهم فرصة ذهبية لتضليل العامة على أنهم ليسوا طائفيين، ولكن جاءت الثورات العربية لتظهر كذب هذا الشعار، لاسيَّما مع الحصار الخانق لأهلنا الفلسطينيين في مخيم اليرموك وقتلهم الشعب السوري، ومن قبله ومعه الشعبان العراقي واليمني.
كشف الربيع العربي أن فيلق القدس الذي تشكل في إيران فتح جبهات على كل الشعوب العربية والإسلامية باستثناء فلسطين، ففلسطين للشعار وقميصاً لعثمان فقط، وسقط ضحية معارك الفيلق ربما عشرات الآلاف من العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين وغيرهم، وظل المهتوف به وهو إسرائيل وأميركا محصنين من عملياته، وربما ما سقط من العرب على يديه يتعدى ما سقط على يد الكيان الصهيوني منذ تأسيسه، ولا أدري من كان له حق شهادة الاختراع نظام الملالي أم نظام البطش الأسدي، فالأخير أقام صرحاً إجرامياً باسم فلسطين وأطلق عليه فرع فلسطين، ومن ثَمَّ فقد ارتبطت قضية فلسطين بقتل الشعوب وإذلالها لتكون إسرائيل في مأمن تماماً.
للأسف انساقت كثير من وسائل الإعلام العربية ومن باب أولى الغربية في ترديد مصطلحات اجترحتها طهران وحلفاؤها وروجوا لها من خلال وسائل إعلامهم ومن خلال اختراقاتها لوسائل إعلامنا، فخصومها إما تكفيري أو بعثي أو صدامي أو زرقاوي أو داعشي أو وهابي، ولذا من لم يشمله الأول سيشمله الثاني أو الثالث أو الرابع وهكذا، بينما عجز خصومها على اجتراح أي مصطلح يدينها ويدين قتلتها في العراق والشام واليمن.
أتت عاصفة الحزم لتصفي ما تبقى من أضاليل هذا الخطاب وإفكه، حيث فرضت على وسائل الإعلام أن تتعاطى مع التدخلات الإيرانية بجدية أكثر ومن باب الهجوم وليس الدفاع، ولكن لا بد من التأكيد على أنه في الوقت الذي تسمح وسائل الإعلام المحسوبة على التحالف العشري لكل الكتاب الإيرانيين بالظهور والكتابة، نجد عكس ذلك بوسائل الإعلام الإيرانية، حيث التغييب الكامل للحضور العربي، وهو ما يحرم الإيراني من معرفة وجهة النظر الأخرى.
المضحك أن يأتيك بعضهم ليطرح فكرة الوساطة والحوار مع إيران بخصوص الوضع باليمن، وهنا يعني ببساطة الوقوع بالفخ الإيراني الذي يسعى ليشرعن حضوره باليمن وهو ما يتحقق له بالحوار، بالإضافة إلى أن الحوار لم يسفر إلا عن مزيد من العنجهية والتكبر والغرور، والدليل ما عجز عنه مندوبا الأمم المتحدة في كل من سوريا واليمن نفسها.

وحين تلجأ دول كالتحالف العشري أو باكستان لدعم الشرعية يظهر الخطاب الإيراني التحذيري من مغبة فتح معركة جديدة يستفيد منها «الإرهابيون والتكفيريون» في العراق والشام ومناطق القبائل الباكستانية، فلا بد أن تتركز المعارك العسكرية والإعلامية والسياسية على أهل السنة والمحسوبين عليهم لتواصل طهران وحلفاؤها مخططاتها دون إزعاج أو منغصات.
أخيراً نجد وسائل إعلام إيرانية مسموعة ومقروءة ومشاهدة موجهة للعالم العربي وغير العربي، ولكن ما نفتقره هو وسيلة إعلام حقيقية موجهة للداخل الإيراني لشرح وجهة النظر العربية، فالإعلام سلاح المدفعية الحقيقي الذي يمهد لأي حرب من خلال قصف العقول والأفكار وتدميرها ليجعل الأرض سهلة على من بعده.
إن حصائد عملياتهم وتدخلاتهم هي من تؤجج الطائفية والتمزق والتشتت بين أبناء البلد الواحد، والعجيب أنه حين تظهر الطائفية المؤججة بسبب سياساتهم وأفعالهم كما يجري بالعراق والشام واليمن ولبنان وغيرها، يصرخون باتهام الآخرين بها، لينطبق القول رمتني بدائها وانسلت، ولكنها هنا لا تنسل، وإنما تقف وتدافع وتقتحم.

@ahmadmuaffaq




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق