الشرفاء هم وطني
إحسان الفقيه
المساكين لا يستطيعون إلا أن يكونوا هم- كما هم- مهما حاولوا ألا يكونوا..
تشي بهم مشيتهم...تُشير إليهم هيئتُهم.. من إلحاح حكّة في الرأس أو في الخاصرة أو في الظهر أو في مناطق أخرى..!!
تُعلن عنهم لكنتُهم.. مخارج حروفهم، وقفتهم على قدم واحدة للتيسير على الثانية..
تعرفهم من تآكل أطراف أحذيتهم.. تلعثم ياقات قمصانهم.. وبرٌ على سترات الصوف وثقوب على معاطف البلاستيك التي خدعهم تاجر الملابس المستعملة حين أكّد لهم أنها جلد أصلي وما بتلاقيها بالسوق بخمسين ليرة...!!
قد تكتشف أنهم هم بمجرد رأيت قصرا بالبنطال أو الأكمام أو حين يسقط من أحدهم شيء فيُحاول التقاطه دون أن يُجيد إخفاء لون تلك الأشياء التي لا يرتديها بذلك اللون إلا البسطاء...!!
تعرفهم بالمتاجر التي يدخلونها.. ببلع ريقهم المُتكرّر.. ببريق عيونهم.. بطريقتهم في تفقُّد أسعار الأشياء قبل تفقّدهم المقاس المطلوب أو اللون المرغوب..!!
تعرفُهم بنقاء مُستتر مُعلّق بين تنهيدتين وحسرتين.. تعرفهم ولو ارتدوا أفضل ما على حبل الغسيل أو في ركن ملابس المناسبات في دواليبهم المخلوعة الأبواب..
ستعرفهم ولو حاولوا رفع أكتافهم.. ولو حاولوا سحل سراويلهم تماشيا مع مظهر بعض أبناء الطبقة الثرية..
تعرفهم ولو حاولوا إطلاق بعض العبارات الإنجليزية بلهجة تُشبه كل لهجات العالم إلا الإنجلوسكسونية..
ولو تظاهروا باللا استغراب... باللادهشة.. باللا تعجّب.. باللا حُزن.. فقد استغربتُ أنا حين جئت إلى هنا ودُهشت وتعجّبت وحزنتُ وبكيتُ وأنا أُقارن بين ثمن نظارة شمسية من ماركة «باربري» وراتب ابن عمي الجامعي الذي يعمل مدرسا في مدرسة عسكرية.!
ستعرفهم وستُحبّهم وأثناء ذلك ستراني وأنا أدخل العاصمة قبل عقد من الزمان.. وستُحبني أنا أيضا..!!
فليعذرني كل من يطالبني بنوع من البرستيج أثناء الكتابة أو الكلام فهو ثقيل الدم على قلبي.. فذائقتي شعبية وأنتمي للعامّة ولا أحترم دلالات عبارات من نوع: «ابن ذوات وابن ناس شبعانة أو ابن ناس على قد حالهم»..
كلنا أبناء خير الناس وكلنا أبناء ذوات وحسب ونسب.. أولئك الذين تحدّثت عنهم في الأعلى هم الذين قد أشرب قهوتي معهم دون أن أُخبرهم عن مغامراتي أو صفحتي أو عنكم..
أولئك هم الذين أُشبههم وأحبهم مهما قالوا عني ومهما فعلوا بي..
ولن أكون سواي.. ولن أقلب القاف إلى همزة وسيظلّ القمر هو القمر..!! ولن أتواطأ يوما على الطاء من أجل تعميم حرف التاء والبطيخ هو البطيخ.. ولن أُذلّ الذال في حوار.. ولن أُهدي الزاي كلمات لا تنتمي له في المخرج
والتكوّر اللفظيّ والــ «إذا» ستظلّ «إذا» والذوق هو الذوق والذهب ذهب
لا «دهب»..
أنا من هنا.. ولن أحترم الضادّ المشوّهة ولن أعترف بأيّ أبجديّة
كونيّة ما لم تستوعب حروف ودلالات ومعاني كلمة الأردنّ..
ولن أُخضع قلبي لتقسيمات الجغرافيا لأُرضي شهوتك التقسيمية
الشرفاء هم وطني..
كاتبة أردنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق