الأحد، 5 أبريل 2015

وقتلنا "أم جميل" في سيناء!

وقتلنا "أم جميل" في سيناء!
سليم عزوز

عندما طالعت في صحيفة "الأخبار" المصرية عنواناً بارزاً أعلى صحفتها الأولى، عن تصفية 27 من "الكفار" في سيناء، أيقنت على الفور أن من بين القتلى السيدة "أم جميل"، و"جميل" ابنها.

ولمن لا يعرف فالمذكورة هي "حمالة الحطب"، وحرم الأستاذ "عبد العزى بن عبد المطلب"، الشهير بـ "أبي لهب".
ومازلت في انتظار صدور "الأخبار" في صباح أي يوم، وهي تزف لنا البشرى عندما يتم فرز القتلى، ويتبين أنها لقت حتفها على يد الجيش المصري، ولفظ ابنها "جميل" أنفاسه الأخيرة متأثراً بجراحه، من جراء إصابته بطلق ناري في جمجمته، صوبه له واحد من خير أجناد الأرض!

لا أعرف حقيقة، إن كانت "أم جميل"، لها ابن اسمه "جميل"، وهل "جميل" هذا من صلب "أبي لهب"، أم إنه من زواج سابق؟ وإن كنت أعرف أن ذلك يمكن أن يكون على سبيل "الكنية"، فقد عاصرت مرحلة كانت تكنى فيه العانس، التي فاتها قطار الزواج، ويرى المحيطون بها أنه ليس من اللياقة أن تنادى باسمها مجرداً، على طريقة "الواد الحسيني" و"البت عزة مصطفى".

ولماذا نذهب بعيداً وإخواننا في فلسطين يكنون، دون أن يعني الاسم الذي يحملونه اسم ابن لهم، والأشهر في ذلك هو الرئيس الفلسطيني الراحل "أبو عمار"، وهي كنيته عندما كان متزوجاً القضية الفلسطينية، وقبل أن يتزوج "سها"، وينجب "زهوة".

"عرفات" عندما كان يزور القاهرة قديماً، كان يزور المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مكتب الإرشاد، ويزور الراحل إبراهيم شكري رئيس حزب "العمل" في منزله، الذي يعد له عشاء على شرفه، وفي البداية كان يرأس تحرير جريدة "الشعب" التي يصدرها الحزب "حامد زيدان"، الذي حرص ذات زيارة على حضور العشاء، مؤكداً أن عرفات يعرفه بشكل شخصي!


وفي اللقاء، ولكي يثبت "زيدان" عمق العلاقة بينه وبين "أبو عمار"، تنهد بصوت مسموع وكأنه يستدعي الذكريات، قبل أن يقول للزعيم الفلسطيني:أهلاً يا أبو عمار، الذي رد على ترحبيه بما هو شائع، لكن هذا لم يكن كاشفاً عن حميمية العلاقة فسأله: وما أخبار عمار؟!
وهنا ظن الحاضرون أنه نوع من المزاح الثقيل، الذي لا تسمح به مكانة الضيف، قبل أن ينفجروا بالضحك وصاحبنا يسأل "أبو عمار" عن أي مستوى تعليمي وصل "عمار".!
ما علينا، فسواء كان "جميل" من عداد القتلى أم إن السيدة "أم جميل" لم تنجب أصلاً، وسواء كانت هي نفسها من ضمن من أصابهم الجيش المصري في سيناء أم لا؟ فما يهمنا هنا أن الكفار فقدوا في موقعة سيناء الأخيرة 27 شخصاً، وجب بعدها أن نهتف: تكبير!
الجريدة التي نشرت هذا الكلام، ليست صحيفة صفراء غير مسؤولة، لكنها صحيفة مصرية عريقة، أسسها مصطفى وعلي أمين، في بداية مرحلة تمصير الصحافة، قبل حكم العسكر في سنة 1952، وعندما حكم العسكر أمموا الصحف ومن بينها مؤسسة "أخبار اليوم الصحفية"، وسجنوا مصطفى أمين، الذي خرج من السجن بعد تسع سنوات في عهد الرئيس السادات!

لكن الإعلام المصري في حالة انحطاط غير مسبوقة في تاريخه كله، منذ أن سمح "جمال مبارك" لرجاله بأن يتصدروا المشهد في المؤسسات الإعلامية الرسمية، وتكرس الانحطاط في عهد حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكنت حينئذ أطلق على "صحيفة الأخبار" التي يرأس تحريرها "ياسر رزق": "صحيفة المجلس العسكري"، وعندما حكم الإخوان أطاحوا به، فشغل منصب رئيس تحرير جريدة "المصري اليوم" الخاصة، لتعمل جزءاً من الثورة المضادة، التي مكنت لحكم العسكر في 3 يوليو، وعلى إثر هذا عاد "رزق"، إلى مؤسسة "أخبار اليوم" رئيساً لمجلس الإدارة، ورئيساً لتحرير "الأخبار" ليستخدم وصف "الكفار"، ويعيدنا لزمن ثكلتك أمك يا ابن العانس!
فالقتلى من الكفار، وفي الطبعة الثانية من الجريدة، ظننت أن أحداً سيلفت انتباهه إلى فكاهية الوصف في العنوان، فيحذفه لكنه غير في العنوان وفي أعداد القتلى واستمر الوصف أنهم من الكفار!

وقد كانت معلوماتي التاريخية المتواضعة، التي توقفت عند كتاب التاريخ المقرر على الصف الخامس الابتدائي، أن كلمة الكفار، تسحبنا مباشرة إلى قريش، قبل الفتح الإسلامي، فظننت للوهلة الأولى أن الـ 27 الذين قام الجيش المصري بتصفيتهم من هناك، قبل قراءة عنوان آخر يشير إلى أن الكفار من إيران، فمصدر أمني أكد هذا المعنى!

عندما يقال في الصحافة المصرية، صرح مصدر أمني، اعلم أن القادم بعد ذلك هو تأليف من الصحيفة أو من الجهة التي تدير الإعلام المصرية، وقد كشفت التسريبات أن هذه الجهة هي "عباس" سكرتير عبد الفتاح السيسي، وكم من الجرائم المهنية ارتكبت بواسطة "المصدر الأمني"؟

فالمصدر الأمني هو الذي أكد في حكم الرئيس محمد مرسي أن خيرت الشاطر باع أراضي مثلث ماسبيرو لقطر، و"المصدر الأمني" هو الذي كشف أن مرسي باع "حلايب وشلاتين" للسودان، وهو نفسه الذي قال إن الرئيس مرسي باع قناة السويس للقطريين، وهو ذاته الذي ذكر أن نجل الرئيس محمد مرسي اقتحم مطار القاهرة ليسلم راشد الغنوشي بعد زيارته لمصر جائزة تحمل اسم الدولة المصرية نيابة عن أبيه، ثم وصلة صراخ عن هيبة الدولة والرئيس الذي يدير الحكم بواسطة أنجاله مما يذكر بعهد مبارك!
و"المصدر الأمني" هو صاحب "المانشيت" المسخرة الذي صدرت به صحيفة "أخبار اليوم"، من أن الجيش المصري تمكن من تصفية أول خلية حوثية في سيناء، ومع أن الخلية حوثية، ومع أن الحوثيين قبيلة أو عائلة، وليسوا مجرد تنظيم كالقاعدة، وأنصار بيت المقدس، والدولة الإسلامية، فإن الجهبذ "المصدر الأمني" أكد أن الخلية التي تم تصفيتها ومع أنها حوثية، إلا أنها مع ذلك تضم عناصر ينتمون لتنظيم أنصار بيت المقدس، وفلسطينيين، وإيرانيين، وكل أولئك تبين أنهم حوثيون!

واضح أن أعلى ما في رأس "المصدر الأمني" قد توقف، لكن قديماً كانوا يقولون إذا كان المتكلم مجنوناً فليكن المستمع عاقلاً، وهناك أكثر من "فلتر" يمر عليه الخبر في الصحافة المصرية قبل نشره، دعك مما هو شائع في الدراما المصرية، عندما ينادي الصحفي على العامل: خذ المقال سلمه للمطبعة!

في الدراما، كل الصحفيون يكتبون مقالات، وكل المقالات من يد الصحفي للمطبعة مباشرة، وهذا "كلام أفلام"، لكن الحقيقة غير هذا، وإذا جرى تمرير خبر كهذا فالمعنى أن بوابات الاتصال في الصحافة المصرية صارت تتصرف وفق القاعدة الانتهازية "الأم":
" اربط الحمار مطرح ما صاحبه يريد"، قبل أن تتطور بعد ذلك إلى "اربط الحمار في المطرح الذي يريده الحمار نفسه".

معذرة لهذه "الوصلة النكد"، فقد كنت أتحاشاها منذ البداية، لكن ما باليد حيلة. 
وفي جو الجدية هذا وفي محاولة للفهم فإن المتابع للخبرين، في صحيفتي المجلس العسكري "الأخبار" و"أخبار اليوم" الصادرتين من مؤسسة صحفية واحدة، سيراعي هنا عملية إقحام للحوثيين غصباً؛ ففي الخبر الأول خلية "حوثية" في سيناء جرى تصفيتها. وفي "الخبر الثاني" أن مصدراً أمنياً يؤكد أن القتلى الذين ارتكبوا تفجيرات سيناء الأخيرة هم من الكفار، وأن هؤلاء الكفار ليسوا من قريش ولكنهم حوثيون، ومنهم حوثيون من فلسطين، وحوثيون من "إيران"، وهذا "مربط الفرس"، وبطبيعة الحال لم يكن قد انضم إليهم "حوثيو" شبرا، والمطرية، وحلوان، وكرداسة، وناهيا.. أنا من "حوثيي الصعيد".
فمن الواضح أن هذا لتمهيد الأجواء لقرار السيسي بالمشاركة في مواجهة الحوثيين في اليمن، وهم الذين جاؤوا لسيناء، فتم تصفية خلية منهم في مرة، وفي المرة الثانية تم تصفية 27 حوثياً، وقد عرفنا كلمة "سر الليل"، فعندما يقتل حوثي على يد جيش الفتح المصري لليمن، سيقال قتل كافر، ليبقى السؤال: هل ستصمد الدعاية عن المعركة مع الكفار، عند وصول أول تابوت لمطار القاهرة؟!

هل سيستقبل المصريون الشهداء بالزغاريد، لمجرد أنهم استشهدوا في المعركة ضد "الكفار"باليمن؟

أشك!.
وهذا لا يشغلني فشغلي الشاغل، هل كانت "أم جميل" من بين قتلى سيناء على يد الجيش المصري، وهل لقي ابنها "جميل" حتفه معها؟
من يعرف يطمئنني، على "رنات" يا قراء؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق