حسام الغمري يكتب : ”للسيساوية فقط ”
هذا ما شاهدته في قطر وتركيا
لذا فأنا أكاد أجزم أن مشاعر الخوف لم أشعر بها يوما ، ولطالما تعجب من ذلك أصدقائي المقربين الذي يحلو لبعضهم وصفي ” بالمتهور ” ..ولكنهم لا يعرفوا حجم القلق الذي يشعر به هذا المتهور إذا ما شرع في كتابة شيء ما يعتقد أنه في صالح المسلمين في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرضون اليها ، على الرغم من أن حياتي نفسها لا تساوي عندي الا المزيد من ذكر الله والستر على الأرض .
والدليل انني بقيت في مصر أهاجم السيسي عبر مقالاتي التي نشرتها في موقع ” الجورنال ” ، كما هاجمته منه مرارا عبر شاشة الجزيرة مباشر مصر التي ظهرت من خلالها مرارا عبر ” سكايب ” .
ولكني قررت الخروج من مصر حتى أقترب بما يكفي من الطرف الآخر من الصراع، ولعل من أطرف القصص في حياتي وأكثرها غرابة أني لم ألتق في حياتي كلها قبل سفري الى الدوحة الا بشخص واحد ينتمي الى جماعة الاخوان هو الدكتور محمد مرسي حيث كانت تربطه علاقة صداقة بوالدي رحمة الله عليه حيث كان د.مرسي برلمانيا نشيطا في مدينتنا الزقازيق قريبا شديد الالتصاق بالناس ، وأذكر أن والدي قال حين سمع اتصال مرسي بقناة الجزيرة بعد خروجه من سجن وادي النطرون يوم 29-11-2011 : لو الثورة دي نجحت محمد مرسي هيبقى رئيس مصر
وبالفعل ظننا جميعا أن الثورة نجحت ، ولم يمهل الأجل والدي حتى يرى محمد مرسي في قصر الاتحادية ، واكاد أجزم أنه كان سيتألم كثيرا ان أمهله قدرة حتى يرى الانقلاب عليه .
أما أنا فكنت لا أشارك والدي نفس القدر من الاعجاب بالرجل وإن كنت أشهد له بالحلم الفريد وصبره العجيب على كل من يسيء إليه ، وهو متفرد في هذا تماما ، لذا لم أكن مندهشا حين رأيت صبره على الهجوم الإعلامي الممنهج عليه ، وإن كنت بداخلي أتمنى لو غيره كرسي الحكم كما غيّر أبا بكر الحليم فمال الى الشدة ، وغير عمر القوي فمال الى الرقة ، ولكن الرجل وبكل أسف ظل كما عرفته في لقاءات محدودة جمعتني به .
في الدوحة رأيت باديء ذي بدء كيف يمكن أن تظل مدينة يسكنها المصري والأجنبي والهندي والعربي فضلا عن القطري بالطبع في نظافة ثياب عروس تتهيأ للزفاف .
” عشت فيها خمس شهور مشفتش ورقة واحدة مرميه في شارع يا مؤمن “
فسألت نفسي : لماذا لا يلقي عشرات الآلاف من المصريين الذين يقيمون في الدوحة مهملاتهم كما يفعلون في القاهرة ؟
فكانت الإجابة البديهية ، لأنهم بالطبع أدركوا أنهم يعيشون في ظل نظام عقد العزم على جعل عاصمته نظيفة ، وبالطبع لم تمر أيام أخرى حتى رأيت عمال البلدية لا يهتمون بتنظيف الشوارع ، بل رأيتهم لا يتركون ذرة تراب تبات ليلتها فوق أي عمود إنارة في الدوحة ، وهكذا تتحرك الفطرة الإنسانية الطبيعية صوب العمل على إبقاء الدوحة جميلة ونظيفة حتى ولو كنت أحد الوافدين إليها .
ثم جاءت اللحظة الحاسمة بعد عشرة أيام من وصولي الى الدوحة حين جاءني اتصال من أحد المعدين العاملين بقناة الجزيرة للمشاركة في برنامج حوار خاص حيث حققت إحدى المقالات التي كتبتها بمجرد وصولي الى الدوحة نسبة قراءة مرتفعة .
أخيرا سأكون داخل مقر قناة الجزيرة التي تتآمر على السيسي ليل نهار – هكذا قلت لنفسي – أخيرا ساراهم بنفسي وهم يخططون في كهفهم البعيد الحصين ضد السيسي .
ولكن الحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون ، أنه لا يوجد أحدا داخل قناة الجزيرة يبذل الوقت ليل نهار للتآمر على أحد ، وجدتهم شباب على قدر كبير من الرقي والمهنية ، بسطاء ، متواضعون ، يعملون بجدية كبيرة ، فقط هم أناس يحبون دينهم وأمتهم ، يشعرون بمسئولية كبيرة صوب مشاهديهم ، يكرهون التضليل ، مصممون على الصمود في معركة الوعي .
لم يمل علي أحدا داخل قناة الجزيرة ما يجب علي أن أقوله ، وما لا يجب علي قوله ، فقط يتم ابلاغي بمحور الحلقة التي سأشارك فيها ، وعدد الدقائق المتاحة للحديث ، وأنه لا يجب أن أتحرك من مقعدي حتى يختم المذيع فقرته ثم يساعدني أحدهم في مغادرة الاستوديو ، وانتهت القصة ، وكان لي دائما مطلق الحرية في التحدث الى ملايين العرب كيفما شئت .
بل أني لاحظت أن المذيعة اللامعة خديجة بن قنة شديدة التأثر بوفاة فاتن حمامة في الوقت الذي كنت انتقد أنا بشدة دعمها للسيسي في آخر مشهد ظهرت فيه أمام جمهورها .
في الدوحة لم أشاهد قناة الجزيرة في تلفاز مقهى أو كافية ، وعلى العكس تماما تمتليء المقاهي بشاشات تبث القنوات الناقلة لمبارايات كرة القدم .
في الدوحة قابلت مسئول قطري كبير يعمل في وزارة الثقافة يتفق مع ما قام به السيسي ضد د. محمد مرسي ، قابلت أيضا شبابا قطريا قدم عرضا مسرحيا تمنيت لو تمكنوا من عرضه في القاهرة لنضج لغته المسرحية المتفهمة لوجهة نظر شباب مصر الذي نزل الى الشوارع في في 2011 .
في الدوحة قابلت الفنان المسرحي الرائع سالم الجحوشي الذي يعمل أيضا في قناة الجزيرة ويمتعنا بصوته وأدائه في تقاريرها الرصينة ، وأظن أني نجحت في الحصول على صداقته .
في الدوحة رأيت الكرم ودماثة الخلق ، وسلوك المسلم الحقيقي من ” كفيلي ” محمد كمال ، الذي أمن لي الإقامة في الدوحة قبل ان تضطرني القوانين العودة الى القاهرة لظنه اني أقول كلمة حق تنفع الأمة ، بل انه تعهد بالحفاظ على اقامتي في الدوحة مادامت عودتي في القاهرة ليست آمنه .
في الدوحة استمتعت ببضعة لقاءات مع صديق الدراسة الإعلامي الأروع محمود مراد
وعن محمود مراد فليتحدث المتحدثون ، عن الدين ، والصدق ، التزام بالوعد والموعد .
عن مساعداته للفقراء والمحتاجين ، عن سعه افقه وواسع علمه ، وحفظه للقرآن ” بنطق سليم للغة العربية دون شك ” عن محمود مراد تحدث عن البساطة والتواضع ولا تنتهي ، عن محمود مراد تحدث عن الشهامة ولا تمل ، عن محمود مراد تحدث عن الجدية بجدية ، وتحدث أيضا عن الدم الخفيف .
في الدوحة أيضا قابلت د. زكريا مطر
واذا اردت ان تتذكر نبل الفرسان القدماء فعليك بلقاء د. زكريا ، انه الرجل الذي يقترب منك بهدوء شديد ، ثم لا يلبث ان يبهرك بكل شيء ، رجاحة عقله ، علمه ، دعمه اللامحدود ، معلوماته الغزيرة ، مصادرة السرية ، إصراره على العمل من أجل الحق ومن أجل مصر ، حبه للخير ودعمه للشباب ، ذهنه المرتب ، المامه بكل التفاصيل ، أفكاره المتألقة ، اياديه البيضاء .
لو أحبك د. زكريا مطر فاعلم انك دون شك شخص شديد التميز في حربك العادلة .
في الدوحة النظام هو الديكتاتور الصارم الذي يقود البلد فكل شيء في الدوحة يسير وفق ترتيب منضبط لا يمكن ان يتجاوزه أحد .
أما أروع ما شاهدته وشاركت فيه في الدوحة
صلاة الجمعة
حيث يخطب شيخ حر فيما يقوله
ثم تصلي بجوار جنسيات نصف أهل الأرض
وبعد الصلاة تدرك ان كلل العيون من حولك
سعيدة
ليست مهمومة
ترضى بما قسمه الله لها
تدرك ان أحدا لا يكتب
التقارير كي يتم التنكيل بها .
في الدوحة تشعر بميل الى الدين والقران
يمكنني الحديث عنك يا دوحة العرب لسنوات
ولكن يغلبني الإرهاق
في مقالي القادم أحكي كيف بدات صداقتي لمحمد ناصر وقصة كتابتي لمقدمات برنامجه وصولا الى رئاسة تحرير برنامجه الشهير ، كما سأحكي عن جنة الأرض .. استنبول
حسام الغمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق