أصول الحكم في الدولة العكاشية
وائل قنديل
هؤلاء جميعا عناصر نشطة وفاعلة في منظومة واحدة، أو قل مؤسسة واحدة، تمارس الابتذال غاية في ذاتها، وليس وسيلة لتمييع المفاهيم، أو تضييق الفوارق بين ما هو حقيقي، وما هو مزيف.
يثير الدهشة، أيضا، أن ينتظر أحد إجراءً، أو تدخلاً، أو حتى تعليقا على مسخرة تكريم والدة شاب اغتصب طفلة صغيرة، حتى الموت، كأم مثالية، ثم ظهورها على الرافضين لهذا الانهيار القيمي مخرجة لسانها، على سبيل الكيد والإغاظة.
الداعية الفتوة، والمذيع البلطجي، والأم المثالية في تربية قاتل ومغتصب، ليسوا إلا تجليات لدولة "عكاشية"، تحترف الإسفاف، وتتخذ الانحطاط الأخلاقي هدفا، والتمكين للرداءة والقبح صناعة وطنية، ومشروعاً قومياً، يعبر عن المبادئ المؤسسة لدولةٍ، هي نتاج لجريمة "سيا أخلاقية" ارتكبت قبل عامين، ووجدت منتفعين ومستفيدين كثيرين، ممن لم يستطيعوا العيش في بيئة نظيفة، أوجدتها ثورة يناير، فقرروا تدمير هذه البيئة، وإفساد المناخ، وتغيير المعادلات القيمية، ووضع وحدات قياس، ومعايير أخلاقية جديدة، قلبت كل الموازين، وهدمت كل المستقر من قيم ومفاهيم، بحيث يبدون هم في المحصلة، المحتكرين لسلطة التقييم، وإصدار الأحكام، وتحديد معاني الكلمات.
على هذا النحو، اخترعوا في ورش تصنيع القبح تعريفاً جديداً للوطنية، ومفهوماً مختلفاً للمثالية، على الطريقة ذاتها التي اتبعتها "اسبرطة" القديمة، دولة البلطجية والقراصنة والتجاروالسوفسطائيين، القاحلة من كل أخلاق ومثل، في حربها على "أثينا"، دولة القانون والعدل والحق والخير والجمال والفلاسفة.
قصة قديمة تتكرر منذ ما قبل الميلاد، في صراع الدولة الجاهلة المهترئة أخلاقيا وحضاريا، ضد دولة العلم والتحضر والتربية الأخلاقية.
كان طبيعيا في "اسبرطة" القديمة أن تجد "عكاشات سوفسطائية" تكره سقراط وترميه بأبشع وأحط الاتهامات، وتحرض عليه حتى القتل، تماما كما يحدث الآن مع مئات من العلماء وأساتذة الجامعات الذين يتم سجنهم وقتلهم ونفيهم وإهانتهم واتهامهم بأسخف الاتهامات، وتجريدهم من الوطنية، فيصير رجل مثل الدكتور سيف عبد الفتاح في مرمى نيران متسخة بعوادم البذاءة.
إسلام "البحيري" هو التعبير الأمثل عن جوهر العقيدة، كما يعتنقها عبد الفتاح السيسي، تماما كما أن توفيق عكاشة هو التجسيد الأمثل للفكر السياسي والمبادئ الحاكمة لمنهج السلطة الحالية، كما أن جابر نصار هو الأفضل لحكم الجامعة المصرية، كما يراها السيسي، وبالتالي، سيبقى هؤلاء، وسيذهب كل ما هو ضدهم، ما دامت هذه السلطة تحكم.
وفي أجواء كهذه، من الطبيعي أن يخرج الداعية الفتوة فائزاً في معركة ضد مؤسسة الأزهر، ليس لأنه الأقوى، بل لأنه الأكثر قرباً من رأس النظام، و الأكثر ملاءمة للتعبير عن مشروعه وقيمه وأفكاره..
لم يخطئ هذا البحيري، حين استنجد بعبد الفتاح السيسي ليدعمه، ولم يخطئ الأخير حين أوعز للمماليك أن اتركوه، فيأتي قرار الجهات المختصة بالاكتفاء بإنذاره، بعد كلام هادر عن إلغاء برنامجه وتقديمه للمحاكمة.
كما لم تخطئ والدة الصبي مغتصب الطفلة زينة وقاتلها، حين أخرجت لسانها للمعترضين على تنصيبها "مثالية" إذ لا تحتاج لكثير من المجهود، لكي تدرك أنها وابنها من الصنف الذي تفضله الدولة الجديدة.
سيسكت الأزهر، رافعا الراية البيضاء، في معركته غير المتكافئة مع نجم "الإسلام السيساوي الجديد"، ولن يجد سيف الدين عبد الفتاح من يحاول حمايته من مدافع السفالة، ولن تحصل والدة الطفلة الشهيدة "زينة" على أكثر من مداخلة تلفزيونية، تذرف فيها دموعها على ابنتها عبر الأثير، بينما والدة القاتل تحتفل باللقب، كما لن تحصل مصر إلا على كميات إضافية من الوعود الكاذبة، ومن يجأر بعدم التصديق سيكون مصيره السحل إعلاميا، حتى يتوب عن الاحتجاج والمعارضة ومحاولة مواجهة سلطة جائرة، مثل صاحبنا الذي صار مثل "الروبوت"، كلما سألوه عن الاستبداد والفساد في دولة السيسي، ردّ أوتوماتيكياً "مرسي كان ديكتاتور".
كما لم تخطئ والدة الصبي مغتصب الطفلة زينة وقاتلها، حين أخرجت لسانها للمعترضين على تنصيبها "مثالية" إذ لا تحتاج لكثير من المجهود، لكي تدرك أنها وابنها من الصنف الذي تفضله الدولة الجديدة.
سيسكت الأزهر، رافعا الراية البيضاء، في معركته غير المتكافئة مع نجم "الإسلام السيساوي الجديد"، ولن يجد سيف الدين عبد الفتاح من يحاول حمايته من مدافع السفالة، ولن تحصل والدة الطفلة الشهيدة "زينة" على أكثر من مداخلة تلفزيونية، تذرف فيها دموعها على ابنتها عبر الأثير، بينما والدة القاتل تحتفل باللقب، كما لن تحصل مصر إلا على كميات إضافية من الوعود الكاذبة، ومن يجأر بعدم التصديق سيكون مصيره السحل إعلاميا، حتى يتوب عن الاحتجاج والمعارضة ومحاولة مواجهة سلطة جائرة، مثل صاحبنا الذي صار مثل "الروبوت"، كلما سألوه عن الاستبداد والفساد في دولة السيسي، ردّ أوتوماتيكياً "مرسي كان ديكتاتور".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق