الثلاثاء، 7 أبريل 2015

الحزم والمشروع الثالث (1-2)



الحزم والمشروع الثالث (1-2)

د. محمد عياش الكبيسي


انطلقت عاصفة الحزم فأثارت حولها عاصفة من التساؤلات والنقاشات والتحليلات، مع وهج روحي وعاطفي وشعور بالأمل لدى عامة الشعوب العربية والإسلامية، والذي يعنينا هنا إنما هو البعد الاستراتيجي لهذه العاصفة، وهو المقياس الأدق لمدى نجاح العاصفة وقربها بالفعل من تطلعات الجماهير وآمالهم.
تعاني الأمة اليوم ومنذ عدة عقود من فراغ استراتيجي خطير بين استراتيجيتين أو مشروعين إقليميين ضاغطين ومتنافسين لابتلاع المنطقة وتحطيم هذه الأمة وإنهاء وجودها بدوافع أيديولوجية وعُقد تاريخية ثأرية.
بدأ المشروع الأول بوعد بلفور وتسليم فلسطين للحركة الصهيونية كمرتكز لبناء إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، وهذا الكيان لن يكون جارا حسنا لما يتبقى من دول المنطقة بل سيعتمد أسلوب الهيمنة والتحكم عن بُعد بكل قراراتها ومقدراتها.
أما المشروع الثاني فبدأ بمجيء الخميني من باريس على طائرة فرنسية ليتم استبدال التاج الشاهنشاهي بالعمامة السوداء، في مشهد دراماتيكي أثار دهشة العالم وحيرة المراقبين والمتابعين، ومع أول ظهور للخميني على وسائل الإعلام أعلن عن مشروعه التوسعي الخطير (تصدير الثورة)، وفي تلك السنة نفسها أعلن -كدليل عملي على جديّة الأمر- عن قيام (الثورة الإسلامية في العراق)!
بمقارنة أولية بين المشروعين يمكننا أن نسجل النتائج الآتية:
أولا: أن المشروع الصهيوني لم يستطع أن يحقق حلمه (من الفرات إلى النيل) بل تراجع عن سيناء ووادي عربة ثم عن غزة والضفة، وأصبح مجموع الأراضي التي تخضع لسلطته المباشرة لا تتجاوز 1/7 من مساحة مثل مساحة الأنبار المحافظة العراقية المعروفة.
في مقابل هذا نجد المشروع الثاني تمكن بوقت قصير من ابتلاع العراق وسوريا ولبنان واليمن إضافة إلى الأحواز والجزر الإماراتية.
وإذا كان الصهاينة قد أهانوا الأمة باحتلال القدس فإن هؤلاء يصرحون بحلمهم في احتلال الحرمين الشريفين!
والانتقام من أبي بكر وعمر وبقية الصحابة وأمهات المؤمنين -عليهم رضوان الله أجمعين-.
ثانيا: أن الموارد البشرية للمشروع الصهيوني لا تكفيه أبداً لتحقيق أحلامه التوسعية، والواقع يثبت أن الصهاينة قد عجزوا بالفعل عن بسط هيمنتهم على غزّة فكيف لو تمددوا إلى الشام ومصر والعراق؟
في المقابل يمتلك الإيرانيون ثروة بشرية ضخمة داخل إيران وخارجها، حيث الأقليات الشيعية المنتشرة في كثير من دول المنطقة والتي أثبتت الأحداث أن ولاءها المطلق لإيران وليس لأوطانها.
ثالثا: فشل المشروع الصهيوني في تغيير هوية المنطقة وثقافتها، وهذا يعود لأسباب كثيرة منها قوة المنعة والحصانة الدينية والثقافية لدى شعوبنا العربية والإسلامية تجاه التهويد أو التصهين، ومنها طبيعة الأيديولوجيا الحاكمة في هذا المشروع والقائمة على أساس التمييز العنصري (شعب الله المختار). 
في المقابل نرى تغيرات كبيرة وسريعة تجري في منطقتنا لصالح المشروع الإيراني، ومن ذلك مثلا؛ كانت مدينة البصرة مدينة سنّية عربية خالصة، اليوم هذه المدينة تتغير بأسرع مما نتصور حتى أصبحت كأنها مدينة إيرانية، وأصبح السنة لا يبلغون فيها %20، وفي اليمن كان الحوثيون منذ سنتين فقط لا يتجاوزون %2 واليوم يهيمنون على اليمن ويتجرؤون على صنعاء ثم عدن اللتين لم يكن فيهما حوثي واحد!
أما الحصانة الذاتية للأمة تجاه هذا المشروع فلا شك أنها أضعف بكثير من الحالة الأولى، ولولا افتضاح أمر حزب الله في الساحة السورية لبقي حسن نصر الله بطلا مقاوما عند القوميين ومؤمنا مجاهدا عند الإسلاميين! مع أنه يصرّح بمناسبة وغير مناسبة أنه مجرد جندي للولي الفقيه وثكنة متقدمة للمشروع الفارسي الإيراني.
رابعا: رغم كل هذه المعطيات الواقعية كانت الأمة تغض طرفها وتدس رأسها في الرمال تحت أمل واهم أن المشروع الصفوي الإيراني -على ما فيه- قد يحمينا أو يساعدنا في مواجهة المشروع الصهيوني الإسرائيلي، ولكننا في كل محطة نكتشف حجم الخديعة، فتدمير العراق وجيش العراق بذريعة (إسقاط صدام) كان هدفا مشتركا للمشروعين معا، وهكذا تدمير سوريا ثم اليمن، وكأنها سلسلة متوالية لتدمير كل الدول العربية، بتخادم أو توافق مصلحي واضح بين المشروعين أعلنا عنه أم لم يعلنا، يؤيد هذا الحضور الأميركي والتنسيق العالي والمعلن مع الإيرانيين، فهل كان كل هذا التنسيق بمعزل عن الإسرائيليين؟ ناهيك عن فضيحة إيران كونترا ومساعدة إسرائيل لإيران بالأسلحة التي تحتاجها إبان حربها مع العراق.
وأياً ما كان مستوى التنسيق أو التوافق بين المشروعين فهو لا يؤثر على مستوى استشعارنا للخطر فهناك على الأرض صهاينة أسقطوا لنا عاصمة اسمها القدس، وهناك صفويون أسقطوا لنا أربع عواصم ويهددون بإسقاط مكة والمدينة، ومن يرى أن إسقاط هذه العواصم طريق لتحرير القدس فعليه أن يتعظ بما جرى ويجري لأهله وإخوانه في كل تلك العواصم، وليتأكد أن القدس لو تحررت جدلا على يد هؤلاء فإنها لن تكون بأفضل مما هي عليه اليوم، وأما أهلها فأغلب الظن أنهم ستغص بهم المخيمات كما غصت بأشقائهم السوريين والعراقيين.
إننا -لا ريب- نعيش حالة فراغ وشتات عام على كل المستويات وغياب لبوصلة الوعي، حتى صرنا نرى بريق الأمل من نافذة الخطر ذاتها، وبلغ الشتات مبلغه أن ترى فينا من يدعم الحوثيين نكاية بالإصلاحيين، ومن يمجّد بحزب الله الذي ينتهك حرمات الله ويذبح عباد الله، ومن يتأمل في (إدارة التوحّش) لتعيد له حلم (الدولة الإسلامية) و (فسطاط الإيمان) الذي لا نفاق فيه!
وفي الوقت نفسه ترى أخاه أو ابن عمه يقف في الجهة المقابلة مع الميليشيات الطائفية التي هي أشد تخلفا من كل متخلف وأكثر توحشا من كل متوحش، خلطة غريبة من الحسابات والتقديرات المرتبكة والمتباينة، وحالة من التخبط الأعمى التي تنذر بتيهٍ أشد من تيه بني إسرائيل. 
في هذا الفراغ وفي هذا الشتات هبّت العاصفة الجديدة (عاصفة الحزم) بقيادة سعودية خليجية وبمؤازرة عربية إسلامية، وربما لا نبالغ إذا قلنا إن صورة هذا التحالف لم يسبق لها مثيل منذ نصف قرن أو يزيد، خاصة باللقاء الثلاثي (السعودي التركي الباكستاني) والذي يحمل أكثر من معنى ودلالة، والسؤال الأهم هنا؛ هل سيتمكن قادة الحزم من تأسيس (المشروع الثالث) لملء هذا الفراغ وتحقيق التوازن المطلوب؟

• drmaiash@facebook.com
@maiash10

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق