الخميس، 16 أبريل 2015

أوّل الرقص: يسقط كلّ من خان

أوّل الرقص: يسقط كلّ من خان

وائل قنديل

يقولون في المثل القديم "أوّل الرقص حنجلة". وفي الواقع الحالي، تنمو حالة من "الحنجلة"
باتجاه التعايش مع الانقلاب العسكري في مصر، تقوم على شعاراتٍ مهترئةٍ، من أطراف قلقة ومترددة بين معارضة الانقلاب ومعايشته، على ما فيه من تشوّهات أخلاقية وسياسية واجتماعية.
كانت البداية مع شعار
"يسقط كل من خان"، يتخذه مطلقوه قارباً للإبحار الآمن في معترك صاخب، فيعلنون حرب الكلام على العسكر والفلول والإخوان، معاً، وفي ضربة واحدة، على اعتبار أن أتباع "يسقط الجميع" هم الفرقة الناجية، أو الفئة الوحيدة الكاملة، المحافظة على نقائها الثوري، وإخلاصها لحلم التغيير، أو هكذا يرون أنفسهم.
كان ذلك الملاذ الآمن لأولئك الذين أرادوا الفوز بكل شيء، واكتساب مساحة في كل أرض، فهم مع العسكر والفلول، ضد الإخوان، ثم تنتابهم لحظة تذكّر للثورة، فيفتحون أعينهم ليجدوا الثورة وقد أضحت سبية في بلاط الدولة العميقة، فيبدأون عزف اللحن إيّاه "الإخوان أوردونا التهلكة".
بعضهم كان في القلب من خدعة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، متحمساً لها ومطبّلاً ومهللاً وإقصائيّاً واستئصاليّاً إلى أبعد مدى، وفاشياً ودموياً أكثر من العسكر والفلول أنفسهم. وحين بدأت قافلة الانقلاب تتخلص من حمولتها الزائدة، ووجدوا أنفسهم في العراء، تذكّروا أنه كانت هناك ثورة، قادوها، بأيديهم، إلى مخدع الدولة العميقة، تحت وهم أنهم سيستخدمون العسكر والفلول للتخلص من الإخوان، ثم يتخلصون من الفلول باستخدام العسكر، وأخيراً، سيقدم لهم العسكر السلطة على طبق من ذهب.
منهم من كان يستعرض عضلاته الفاشية ليلة الانقلاب، معلناً، بلا خجل، أنه ينتظر نجاح "الثورة"، لكي يفوز بعدد من الشخصيات المدافعة عن حق الرئيس المنتخب ديمقراطياً في إكمال فترته الرئاسية، ويستمتع بتعذيبهم بالكهرباء، من باب التسلية والقضاء على الملل.
والآن، بعد أن طالتهم ألسنة لهب الفاشية العسكرية، يصرخون ضد العسكر والإخوان معاً، في واحد من أسوأ مشاهد الانتهازية السياسية التي تليق بتجار شعارات، وسماسرة "تمرد"، ولا تنتمي، بحال من الأحوال، إلى قيم ثورة نظيفة بيضاء، أبهرت العالم بتحضّرها واستيعابها كل الأطياف.
كان من الممكن التغاضي عن هذه الحالة من ادعاء الكمال والملائكية الثورية، لو أن هؤلاء لم يفعلوا بالثورة أكثر ممّا فعل الإخوان بمراحل. 
كان من الممكن النظر بجديةٍ إلى شعارهم الفارغ، "يسقط كل من خان"، لو أنهم لم يخونوا ثورتهم على نحو أفدح من الجميع، وهل هناك خيانة أكبر من تأجير ميدان الثورة مفروشاً لمن يريد الانقضاض على الثورة وقتلها؟
تروي الناشطة السياسية المحترمة، غادة نجيب، طرفاً من خبر الخيانات الثورية، في شهادة حديثة لها، تتضمّن أسماء الشخصيات الثورية التي أدارت عمليات تمويل شراء السلاح لمحاربة الإخوان، بالتنسيق مع أباطرة فلول دولة مبارك، وتتحدث، بالتواريخ والوقائع والأسماء، عن أولئك الذين نشطوا في حشو أدمغة الشباب الصغير، ودفعهم دفعاً لحرق وتقتيل من كانوا شركاءهم في ميادين ثورة يناير.
غير أن ما يثير الأسى هو ما يفعله بعض ممّن قفزوا من قطار الثلاثين من يونيو، واتجهوا للالتحاق بمعسكر مقاومة الانقلاب، إذ يبدو أن حديث المصالحات والتفاهمات التي تتردد أصداؤها كحل مفروض من قوى إقليمية، أثار هواجس حجز مقاعد في قطار العودة، وأسال لعاب الرغبة في خطف دور لممارسة المعارضة في كنف سلطة الانقلاب، فعادت مجدداً نغمة "الإخوان ضيّعونا" و"يسقط كل من خان: عسكر فلول إخوان".
وليس من معنى لإعادة مضغ هذه الشعارات سوى التعبير عن حالة "حنجلة"، تستبق الرقص وملاطفة السلطة في مصر، والإعلان عن طلب وظيفة في سلك المعارضة الأليفة المستأنسة.
لا أحد يفرض على أحد اتخاذ ما يراه من وسائل للعودة، فقط كونوا واضحين، ولا تساووا بين القاتل والضحية، طلباً للسلامة.
وللحديث بقية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق