الثلاثاء، 19 مايو 2015

الشـهــداء عـلـى منصـــة الإعـــدام

الشـهــداء عـلـى منصـــة الإعـــدام

ياسر الزعاترة


لفرط الجنون، لم يجشّم قادة النظام في مصر أنفسهم عناء التدقيق في الأسماء التي حكموا عليها بالإعدام يوم السبت.
حدث ذلك رغم أن وجود الأسماء في القضية قديم، وسبق أن كُشفت حقيقة أن بعضهم ليسوا على قيد الحياة، أو في سجون الاحتلال الصهيوني، لكن القوم لم يعودوا يأبهون، ويبدو أنهم لا يستمعون إلا لمهرجي فضائياتهم الذين يرحّبون بأي سلوك يقومون به، ولو كان ضربا من الجنون. 
خمسة شهداء فلسطينيين كانوا من بين الذين حكم عليهم القضاء المصري بالإعدام يوم السبت إلى جانب أسير (حسن سلامة) يقبع في الأسر منذ العام 96، ومحكوم عليه بـ48 مؤبدا! والحال أن هذه المفارقة في أحكام الإعدام ليست سوى دليل على أن ما يجري قد تجاوز الجنون إلى الهستيريا، وإلا فهل عرفت أروقة القضاء في العالم مثل هذه الوجبات الضخمة من أحكام الإعدام التي تطال المئات بشكل جماعي؟! ليس الشهداء وحسب هم المتهمين والمدانين، والمحكوم عليهم بالإعدام، فهناك إلى جانبهم شابة مصرية كانت تعمل في الإعلام، ولا صلة لها؛ لا بالتخابر مع جهات أجنبية، ولا بالفرار من السجون. دعك هنا من شيخ ثمانيني يعيش خارج مصر، ولم يتخابر ولم يهرب من السجن، ولم يساعد أحدا على الهرب، أعني العلامة الشيخ يوسف القرضاوي.
 أما أول رئيس منتخب بشكل حقيقي في تاريخ مصر، فقصة أخرى، ومعه العشرات من القادة الذين يمثلون تيارا سياسيا كان ولا يزال الأقوى في مصر، وهو التيار الذي حاز ثقة 40 في المئة من الشعب، وفاز في خمس جولات انتخابية، قبل أن يُطاح به .
والنتيجة أن تلك الأبواق حين تجرّمه، إنما تسيء لذات النسبة من الشعب، مع أن من تبقى منه ليسوا جميعا ضده بالضرورة.
ليس مهما هنا الحديث عما إذا كانوا سيُعدمون فعلا أم لا، فذلك شأن سياسي باميتاز، وهو في كل الأحوال نوع من الضغط طلبا للاستسلام والقبول بالواقع الراهن، حتى من دون أي حديث عن مراجعة للمسار السياسي.
 منذ اللحظة الأولى للانقلاب، قلنا: إن ما يبشر به القوم مصر المحروسة يتمثل في دولة امنية بامتياز، فما من نظام سياسي يمكنه أن يأخذ قرارا بسحق أكبر قوة سياسية من دون أن يعسكر البلد بأكمله، وهذا ما يحدث على الأرض، إذ لا يُسمح لأي صوت خارج السياق الرسمي بالظهور.
أما الجانب الآخر الذي يبشر به النظام كما قلنا أيضا، فيتمثل في حاجته لتقديم استحقاقات للخارج من جيب قضايا الوطن والأمة، وبالطبع لكي يسكت عن تلك الممارسات البوليسية، وهو ما يحدث عمليا، ولا تغير في حقيقته تلك الانتقادات الغربية الخجولة لأحكام الإعدام، لأن أمريكا ودول الغرب عموما لم تعد معنية بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان ما دام النظام يدفع ما عليه من استحقاقات، فكيف وهو يحصل على رضا الدولة المدللة في الشرق الأوسط، أعني الكيان الصهيوني؟!
مأساة ستستهلك البلد لزمن طويل، وقد تدفع بعض الشبان إلى تبني نهج العنف، وهو متاح في زمن العنف الرخيص، فيما يبدو أن النظام لا يرى بأسا في ذلك معتمدا على قوة نظامه الأمني، وهو ما يجعلنا نحذر دائما من هذا المسار الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من القمع بلا جدوى.
 تبقى الإشارة إلى القادة الذين حُكموا بالإعدام، والذين أثاروا أعصاب النظام حين استقبلوا تلك الأحكام بابتسامات السخرية. حدث ذلك لأنهم في الأصل مجاهدون وليسوا تجارا، وهو أكبر من أن تهزهم هكذا أحكام، سواء نُفذت أم لم تنفذ. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق