هنيئاً للشيخ القرضاوي: الإعدام
وائل قنديل
عقب صدور قرارات الإعدام الجائرة بحق أكثر من مائة شخصية مصرية وفلسطينية، كنت ضمن عدد من الشخصيات، ذهبنا نهنئ الدكتور يوسف القرضاوي، بورود اسمه في لائحة نظام السيسي للإعدامات.
كان الرجل مبتسماً وثابتاً وراسخاً كالطود الأشم، وقال، ضمن ما قال، تعليقاً على جنون السلطة في مصر "إن مثل هذا لا ينصره الله أبداً".
الأقسى من قرارات الإعدام التي صدرت ونفذت، بأرقام غير مسبوقة في مصر، هو رد فعل النخب السياسية التي طالما رددت، بفجاجة، شعارات صاخبة عن حق الإنسان في الحياة، وفي العدل والإنصاف.
صدرت قرارات السلطة بإعدام الرئيس محمد مرسي وأكثر من مائة آخرين، في مشاهد تنتمي إلى مسرح العبث، أكثر مما تنتمي للمحاكمات القضائية الرصينة، فخرج الدكتور محمد أبو الغار، الطبيب المشهور، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ليقول إنها أحكام قانونية وليست مسيسة، وهو يعلم، والعالم كله يعلم، أن أوراق القضية تصلح نصاً مسرحياً ساخراً، أكثر من كونها أدلة اتهام وتحقيق.
إذا كانت عين محمد أبو الغار لم تقع على أسماء شهداء المقاومة الفلسطينية ومسجونيها، منذ أعوام سبقت ثورة يناير، وشملتهم قرارات الإعدام، فما قوله في ورود اسم العلامة والشيخ الجليل، فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي، والذي لم يكن في مصر وقت أحداث القضية، ومع ذلك ضمته قائمة الإعدامات؟
أفهم أن يكره أبو الغار أحزاب الإسلام السياسي. لكن، ما لا أستطيع استيعابه هو كيف لطبيب اشتهر اسمه في علاج العقم، والإنجاب والإخصاب، أن يكون كارهاً للحياة على هذا النحو الذي يتحول معه إلى محامٍ للفاشية، ومدافع صلب عن القتلة والعنصريين؟ كيف لسياسي ديمقراطي، احترف المعارضة ضد الاستبداد سابقاً، أن يصبح، بين عشية وضحاها، خادماً في بلاط استبداد أكثر وضاعة؟
محمد أبو الغار يجسد موقف نخبة سياسية كانت تملأ الدنيا ضجيجاً بالاحتجاج على ممارسات الدولة البوليسية، وتسقط أنظمة وتقيم أخرى، وهي تدخن غليونها، وتنفث بيانات شديدة الجسارة، تقطر إنسانية ودفاعاً عن الحريات، ضبطت متلبسة بحالة من هلع الأرانب، مع صدور حزمة قرارات الإعدام، أول من أمس، فالتزم أشجعها الصمت، فيما بلل الآخرون الأفق بتصريحات تؤيد المقصلة.
لم نسمع تعليقاً من الدكتور محمد البرادعي، مثلاً، وهو الذي كان يغرد بغزارة عن الحالة الحقوقية، والشفافية، والعدالة، في مناسبات أصغر من ذلك بكثير.
فقط أصدرت حركة "6 إبريل" بياناً أو تعليقاً على صفحتها يدين هذه الإعدامات السياسية، ويراها استهدافاً لثورة يناير، وفعلت ذلك شخصيات من المعارضة الشبابية المستقلة، فيما تنفست بقية الأحزاب الصعداء، ورضيت بالهدية المعدة سلفاً من الأجهزة الأمنية، باغتيال ثلاثة قضاة في سيناء، فور النطق بالقرارات، لتبرر صمتها وعجزها، بل وتبريرها للإعدامات.
يعلم الجميع أن القرارات بهذه الوحشية لا تتعلق بمحاولة استئصال فصيل سياسي من التربة، بل تتجاوز ذلك لتؤسس لاستبداد لم ير العالم مثله قط، وتكرّس مبدأ أن هذا مصير كل من يفكر في التغيير عن طريق الثورات، وعقاب كل من يتطاول ويتجرأ ويتحدث عن ديمقراطية ومساواة.
إن كل من يمتلك قليلاً من العقل والوعي كان يدرك أن الامتداد الطبيعي للثورة المضادة في صيف 2013 هو مقصلة الإعدامات التي تشتغل بطاقتها القصوى، الآن، وبالتالي، فكل القيادات السياسية التي وضعت أيديها في أيدي العسكر، وشاركتها مجازر فض الاعتصامات، من خلال توفير الغطاء المدني المطالب بالفض، واستمرت على ظهر أسطول الإقصاء والمحو، من دون أن تفكر في الفرار من هذا العار، هذه القيادات شريكة، أيضاً، في مهرجان الإعدامات الجماعية.
المواقف الدولية والإقليمية أيضاً، لم تختلف كثيراً عن المواقف المحلية، فباستثناء الموقف القاطع الناصع من الرئيس التركي وحكومته، بدت المواقف أشبه بما كان لحظة انقلاب العسكر على الديمقراطية قبل عامين. إدانات خجولة هي للتسليم بالأمر الواقع أقرب، واستبسال في الدعم من الدول المخططة والراعية والممولة للانقلاب، وبين هذا وذاك، مواقف محسوبة بالقطعة، تتحدد حسب اتجاه الريح.
تخيّل أن هذا الرقم القياسي من قرارات الإعدام لم يكن في مصر، وأن الذين شملتهم ليسوا من الإخوان المسلمين، أو تيار الإسلام السياسي، هل كانت ردود الأفعال المحلية والدولية والإقليمية ستأتي على هذا النحو؟
تخيّل لو أن شيخاً تسعينياً ينتمي إلى اليسار، أو من الليبراليين، مكان الدكتور القرضاوي في هذه القضية، هل كان ضمير العالم سيقف متثائباً، مدعياً النوم، كما هو الحاصل الآن؟
أزعم أن المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي هو الأصعب في هذه اللحظة، فماذا هو فاعل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق