الثلاثاء، 12 يناير 2016

خط إنتاج الكراكيب

خط إنتاج الكراكيب

آيات عرابي



مد الأوساز أبو المقاطف يده داخل الفرن و ارتفع في سماء المطبخ “هبو” شهي تصاعد من صينية البطاطس

جهز الأوساز أبو المقاطف طبقاً مفعماً من البطاطس وقطع اللحم و أسرع إلى حيث التليفزيون المفتوح على احدى القنوات يتابع بنصف عقل ما يُقال على الشاشة.

شمر أكمامه والتقط الملعقة في شوق وأفعمها بالأرز ثم أتبعها بملعقة تأرجحت عليها قطع من البطاطس يعلوها نصف قطعة لحم كبيرة وعلى جانبي وجهه انبعثت كرتان وغاب عن الوجود في وصلة عشق وحلق في سحب تملؤها قطع اللحم نصف المشوية وحلقات البطاطس الشهية بتسبيكتها التي غيبته عن الدنيا.

انتبه من غفوته الغذائية على إسم سوزان مبارك, فاسرع إلى الريموت كنترول ليرفع الصوت, كان المذيع يتلو خبرا عن اتهام المدعي العام السويسري لزوجة المخلوع بغسيل الأمول.

ظل الأوساز أبو المقاطف ممسكا بالريموت وهو يتابع تفاصيل الخبر على الشاشة.

علت وجهه إبتسامة ممزوجة بصوص التسبيكة والتقط هاتفه الذكي ليكتب كلمات على تويتر وضع فيها خلاصة حكمته “رحم الله عبد الناصر كان طاهر اليد .. مات مخلفاً خزانة خاوية ورصيداً لا ينضب من الوطنية ” !

شرد قليلا وظلت الملعقة محلقة فوق طبق البطاطس, كان الأوساز أبو المقاطف قد أصيب بنوبة إغماء (وطنو-ناصرية) وفي ذاكرته تتابعت مشاهد من خطابات المقبور المتلفزة التي يحفظها بكلماتها عن ظهر قلب و في خياله أضاءت شاشة حملت صوراً حية أبيض وأسود لميدان المنشية

“قرار رئيس الجَمهورية”

ما إن رنت كلمة “الجمهورية” (بفتح الجيم) في ذاكرته حتى أغرورقت عيناه وأسرعت يده إلى علبة المناديل يكفكف بها دموعه بينما يده الأخرى تنطلق لتبارز طبق البطاطس من جديد.

وفي مكان آخر وبديكورات مختلفة جلس الأوساز رغاوي يتابع الخبر نفسه في اهتمام ثم أسرع إلى هاتفه الذكي ليكتب “قيم الديموقراطية التي كنا نريدها لمصر والتي دفنها استبداد الثورة المضادة .. لكن الفاشية لا تدوم وسنستعيد مصر ومؤسساتها”

يؤمن الأوسازان “أبو المقاطف” وزميله “رغاوي” أن الثورة قامت على نظام المخلوع ويؤمنان أن المخلوع هو من أفسد خلال العقود الثلاثة التي جثم فيها على مصر.

لا يستطيع كل من رغاوي وأبو المقاطف أن يربطا فترات حكم الأراجوزين السابقين على المخلوع, فالاثنان فقدا القدرة على الربط المنطقي للأمور نتيجة عمليات نزع مراكز التفكير التي اجريت على كل منهما بفعل إعلام العسكر, الاثنان لا يدركان أن عبد الناصر هو من عين السادات وأن السادات هو من عين المخلوع وأن الثلاثة بالإضافة إلى كلب اسرائيل الاستراتيجي هم حلقات في سلسلة واحدة.

الأوسازان رغاوي وأبو المقاطف تعودا أن يلقما ما يلقيه لهما إعلام العسكر ولغيرهم من بسطاء العقول من “فول سوداني” فيتعاملان مع التاريخ المعاصر لمصر على أنه “قطع من الكنافة” لا يربط بينها رابط.

الأوسازان منتج صار شحيحاً بعد أن اصاب الصدأ خط الانتاج.

منتج “المواطن الكراكيب”

في البداية يُعالج العقل بسحق خلايا المخ ثم بعد أن يتحول عقل المواطن إلى “بودرة تلك”, يتم حشو تجويف الجمجمة بمجموعة من الكراكيب الفكرية (قليلاً من خدعة تأميم قناة السويس – ملعقتين من خطاب التنحي – صورة لخروشوف مع المقبور عبد الناصر – مشهد العبور ” المنتج أصلاً في السنة التالية لمسخرة أكتوبر” – اغنية وطنية – جمل حوارية من مسلسل لأسامة أنور عكاشة – ثم مسلسل ما على سبيل الثقافة وبعض التصريحات ومشهد لجنازة المقبور ).


وهكذا يتحول إلى “المواطن الخرابة”

يتراقص الاثنان بالتنورة على دقات الدفوف ويغيبان في وصلة عشق مؤسساتي ويميلان يمينا ويساراً مُرتلين التسابيح عن الزعيم الوطني وعن ناسر “لا مؤاخذة” أكتوبر بينما كانت أجهزة مخابرات العالم كله تضاجع الأراجوزين في الغرف المغلقة.

الأوساز “كلاوي” هو الآخر وطني عتيد يؤمن بأن عبد الناصر كان زعيماً لا تستحقه مصر, فهو من انشأ اذاعة القرآن الكريم ولم يكن السادات ينزل من فوق سجادة الصلاة, تشرح له أن عبد الناصر أيد انقلاباً قاده “قس” وقُتل فيه حوالي 20 الفاً من المسلمين في زنجبار وشارك في تدبيره كل الموساد والمخابرات الأمريكية وأن هذه المعلومات اصبحت تاريخاً, تروي له كيف أن السادات دبر خدعة أكتوبر مع موشيه ديان تحت إشراف كيسنجر, وتروي له كيف خطط كيسنجر لرفع أسعار البترول بذريعة الحرب قبل أن تبدأ الحرب بخمسة أشهر أصلاً وأن الهدف كان تسويق بترول خليج برودو وخليج المكسيك عالي السعر بحجة خارجية دون أن يتمرد المواطن الأمريكي أو يثور على حكومته, وأن وزير البترول السعودي أحمد زكي اليماني اعترف بتدبير كيسنجر لخدعة البترول بل وابدى اعجابه بفكره الاستراتيجي, فيتمايل يميناً ويساراً على ضربات الدفوف ويتمخط في وجهك بتواشيح جديدة عن حبيب المجاري وعن الزعيم المدمن.

كلاوي ورغاوي وأبو المقاطف يقصرون الثورة على عهد المخلوع, ولم يخوضوا دورات “كلمتي للمغفلين” العلاجية, وهم “ماكينات مخاط وطني تحدثك عن صواريخ الظافر والقاهر والظاهر والطالع والنازل ولا تقل “دولجية” عن الغيطي وأحمد موسى, فقط قم بتحديث برنامج تشغيلهم وسيحدثونك عن أسر قائد الأسطول السادس والرياح الشمالية الغربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق