الثلاثاء، 9 فبراير 2016

دول ابتلعتها إيران - 2- بلوشستان

دول ابتلعتها إيران


هيثم الكسواني – كاتب أردني

سلسلة تتناول البلدان والأقاليم التي احتلتها إيران حديثا وجعلتها ضمن دولتها، والمعاناة التي تكبدتها الشعوب جراء ذلك، وطرق مقاومتها للاحتلال الإيراني.

خاص بالراصد



2- بلوشستان




احتلت إيرانُ إقليمَ بلوشستان في الثلث الأول من القرن الماضي، لكن ينبغي التنويه هنا (وكما سبق أن نبّهنا في الحلقة السابقة الخاصة بالأحواز) إلى أن هذا الاحتلال، وإن كان قد سبق قيام الثورة الخمينية ودولة الملالي سنة 1979م، إلاّ أن دولة الملالي لم تبادر إلى تصحيح الأخطاء أو الخطايا التي اقترفتها الدولة التي سبقتها، والتي ثارت عليها بحجة أنها دولة ظالمة لا تلتزم شرع الله عز وجل، ولم تبادر إلى نصرة المظلومين والمستضعفين كما زعمت ثورتُها والشعارات التي أطلقتها، بل على العكس من ذلك تماما، إذ رسّخت احتلالها لبلوشستان، ولغيرها من الأقاليم والبلدان، ونهبت خيراتها، وأمعنت في مسخ هويتها، واضطهاد أهلها وإذلالهم.


وسيجد القارئ الكريم الكثير من النقاط المشتركة بين احتلال إيران للأحواز ولبلوشستان، ولا غرابة في ذلك، فالمحتل هو ذاته، وعقلية المحتل هي ذاتها، والظروف الدولية –آنذاك- هي ذاتها.


نبذة تاريخية وجغرافية


يقع إقليم بلوشستان إلى الجنوب والجنوب الشرقي من إيران، على الحدود مع باكستان وأفغانستان شرقا، وعلى حدود الإمارات وعُمان غربا، وهو الآن مقسّم بين إيران وباكستان وأفغانستان. وبلوشستان إقليم شاسع، تصل مساحته إلى 780 ألف كيلومتر مربع، ويمتد شريطه الساحلي مِن مضيق باب السلام (هُرمز) حتى مدينة كراتشي في باكستان بطول 1600 كيلومتر، وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد سكان الإقليم يبلغ 20 مليون نسمة، إضافة إلى نحو 700 ألف بلوشي يعيشون خارجه.


وتذهب بعض الآراء التاريخية إلى أن البلوش ينحدرون من عرب اليمن، وقد هاجر أحد أجدادهم إلى بلوشستان سنة 300 قبل الميلاد، وهم في طبائعهم وأخلاقهم أقرب إلى القبائل العربية منهم إلى الفرس أو الهنود.


أما الفتح الإسلامي لبلوشستان فقد بدأ في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، واستمر في العهد الأموي، والبلوش مسلمون سُنة، وهذا ما يفسر ازدياد تسلط النظام الإيراني عليهم، كما سيأتي بيانه، وهم يتحدثون اللغة البلوشية مع لهجات أخرى.


واحتلت بريطانيا بلوشستان (واسمها القديم: مكران) سنة ١٨٣٩م، واحتلت إيرانُ الجزء الغربي من الإقليم سنة 1928م، فيما بات يعرف بعد ذلك بـ "بلوشستان إيران"، وهذا الجزء تبلغ مساحته 247 ألف كيلومتر مربع، وبعد احتلالها لبلوشستان، بعثرت إيران البلوش في 3 محافظات هي: سيستان وبلوشستان، وهرمزكان، وكرمان، لكي تفرق بينهم وتقضي على قوتهم ووحدتهم، كما فعلت مع الأكراد أيضا عندما بعثرتهم في 4 محافظات، وكذلك العرب في 3 محافظات.


وتعتبر محافظة سيستان وبلوشستان ثالث أكبر محافظة في إيران، وعدد سكانها 3 ملايين نسمة، وعاصمتها زاهدان، فيما تعتبر مدينة "زابُل" ثاني أهم مدن المحافظة.


والبلوش هم أحد مكونات ما يعرف بالشعوب غير الفارسية في إيران، أو الشعوب المقهورة في إيران، إضافة إلى عرب الأحواز والأكراد والتركمان، وغيرهم من المكونات التي تعاني الاضطهاد والتهميش.


أسباب احتلالها


1- يعتبر الموقع الاستراتيجي، والثروة المعدنية والبحرية والزراعية والحيوانية الضخمة التي تحتويها بلوشستان، ومصادر الطاقة والمناجم والسواحل، وثراؤها التاريخي من أهم الأسباب التي دفعت إيران لاحتلالها.


2- الطموحات المتزايدة لرضا خان، ملك إيران ورئيس وزرائها قبل ذلك، وحصوله على الضوء الأخضر من بريطانيا، التي كانت تمثل القوة الاستعمارية الأولى آنذاك، ومن أسباب ذلك انتصار الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا سنة 1917م، ما دفع بالقوى الغربية وخاصة بريطانيا إلى تغيير استراتيجيتها تجاه المنطقة، حيث أخذت تؤيد وجود كيان إيراني قوي وموحد يشكل حاجزا استراتيجيا أمام الشيوعيين الروس ومحاولاتهم الوصول للمياه الدافئة.


كيفية احتلالها


احتلت إيران الجزء الغربي من مملكة بلوشستان في 5/1/1928م في عهد الطاغية رضا شاه بهلوي بحملة عسكرية همجية على بلوشستان بمؤامرة مع بريطانيا، بعد مجازر بحق الشعب الأعزل في مواجهة قوة السلاح والعتاد الفارسي، وإعدامها حكام وشيوخ مناطق ومدن بلوشستان وعلى رأسهم حاكم بلوشستان الغربية الأمير دوست محمد باركزئي، بعد رفضه توقيع تسليم بلوشستان والاستسلام، وبذلك أحكمت سلطات الاحتلال على بلوشستان إلى وقتنا الحاضر.


مقاومة الاحتلال


لم
يقف الشعب البلوشي مكتوف اليدين إزاء الاحتلال الإيراني لبلاده، بل لعلّ جبهة بلوشستان هي أكثر جبهة مشتعلة، وتكبّد القوات الإيرانية الخسائر المادية والبشرية، وفي حين نهج بعض أبناء بلوشستان إيران النهج السلمي في المعارضة، رأى آخرون أن نظام الملالي لا يرتجى منه خير، ومسيرته في القمع والإقصاء والعنف خير شاهد على ذلك.


وأسس الصنف الثاني عدة أحزاب وتنظيمات مسلحة لمقاومة الاحتلال الإيراني وحماية أهل السنة في بلوشستان، وتتنوع توجهات هذه التنظيمات ونظرتها إلى الجمهورية الإيرانية، بين من يطالب بالاستقلال عن الكيان الإيراني، وتحقيق استقلال بلوشستان، وبين من يريد إقامة نظام فيدرالي وحكم ذاتي في إطار الدولة الإيرانية، كي يتمكن البلوش من الاستفادة من خيرات بلادهم التي نهبها النظام الإيراني، وبالتالي تحسين أوضاعهم المعيشية، إضافة إلى حماية كيان أهل السنة وعقيدتهم التي يحاربها هذا النظام.


وتعتبر جماعة "جند الله" أبرز تنظيم سنّي مسلّح في بلوشستان إيران، وقد دأب على تنفيذ عمليات نوعية ضد قادة وأفراد الحرس الثوري الإيراني، ومنتسبي قوات الأمن الإيرانية، إضافة إلى خطف بعضهم لمبادلتهم بالمعتقلين السنة من أهل بلوشستان في سجون النظام، وإزاء ذلك شنّت قوات النظام حملة ضد الجماعة وأفرادها، وتمكّنت من اعتقال زعيمها عبد المالك ريغي، ثم إعدامه في يونيو / حزيران 2010م، لكنّ تلك الخطوة لم تقضِ على الجماعة، إذ ما زالت ناشطة في محاربة الحرس الثوري الإيراني.


ومن التنظيمات المسلحة أيضا: جيش العدل، وجيش النصر، وجبهة تحرير بلوشستان، وجيش تحرير بلوشستان، وفدائيو الإسلام، وجماعة أنصار الفرقان.


ومن أجل تشويه المقاومة، تعمل إيران دائما على ربطها بتنظيم القاعدة أو داعش أو حركة طالبان، أو بتجار المخدرات الذين ينشطون في بلوشستان.


ممارسات إيران العنصرية والقمعية في بلوشستان


1- دفع البلوش إلى التشيع، حتى أن بعض المحكومين بالإعدام يتم تخفيف العقوبة عليهم أو العفو عنهم إذا أعلنوا تشيعهم.


2- مسخ هوية الإقليم، وتغيير أسماء بعض مناطقه، وإبدالها باسماء فارسية.


3- هدم مساجد أهل السنة في بلوشستان ومدارسهم، ومِن ذلك قيام سلطات الاحتلال الإيراني في 28/8/2008م، بهدم مدرسة الإمام أبي حنيفة في مدينة زابل، وهذه المدرسة هي فرع من جامعة دار العلوم الإسلامية في زاهدان، وفيها أكثر من 600 طالب، ففي ذلك اليوم أحاطت بمبنی المدرسة أكثر من 80 سيارة تابعة للشرطة وعناصر قوات "الباسيج" الإيرانية المسلحة، وقامت باعتقال الأساتذة والكثير من الطلبة الموجودين فيها، واستولت على كل ما في غرف النوم وصفوف الدرس من أمتعة وأثاث ونقلتها إلی أماكن مجهولة ثم شرعت بتدمير الغرف والصفوف وتسويتها بالأرض تمامًا باستخدام الجرافات. وما ذكرناه آنفا هو مثال واحد فقط على المدارس والمساجد التي هدمتها إيران في بلوشستان.


4- إعدام واغتيال علماء أهل السنة ودعاتهم بعد تلفيق التهم لهم، من قبيل دعم الإرهاب، ولقد قتلت إيران عددا كبيرا من هؤلاء الدعاة، ونكتفي هنا بذكر الدكتور أحمد ميرين سياد، رحمه الله، فهو أول إيراني حصل على الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وأحد العلماء المتخصصين في الحديث، وقد استشهد سنة 1996م، وكذلك الشيخ علي دِهواري (أحد خريجي الجامعة الإسلامية) الذي اغتالته عناصر الأمن الإيرانية في شهر تشرين الثاني / نوفمبر سنة 2008، أمام بيته، بعد خروجه من صلاة المغرب، ولم يتم إلقاء القبض على الجناة. ومن العلماء الذين أعدمتهم إيران: الشيخان عبد القدوس ملازهي ومحمد يوسف سهرابي، وكان ذلك في شهر نيسان/ أبريل 2008، بعد أشهر على اعتقالهما.


5- تهجير أبناء بلوشستان من مناطقهم، وجلب مستوطنين فرس وشيعة لخلخلة التركيبة الطائفية.


6- تهميشهم في الوظائف والمناصب، إذ على الرغم من وجود بعض النواب والمسؤولين المحليين إلاّ أنه لا يوجد بينهم وزير ولا سفير ولا مسؤول ولا محافظ ولا قائد عسكري، كما أن المناصب الرئيسة في الوزارات والمؤسسات الكبرى، بل والموظفين، هي من نصيب الشيعة الفرس.


7- تصوير الإعلام الإيراني البلوش بصورة الهمج المتوحشين! بل أكثر من ذلك، إذ تمّ تصميم حذاء في غاية القبح في إيران باسم "البلوش".


8- لم يكتف النظام الإيراني بالتضييق على البلوش في الداخل واستهداف رموزه، بل اتجه أيضاً إلى استهداف قيادات المعارضة البلوشية في الخارج، والتضييق عليها وتهديدها.


9- ضعف الخدمات الصحية والتعليمية وإهمال الإقليم إهمالا تاما برغم غناه بالثروات الطبيعية، فبحسب الأرقام الرسمية فإن 120 ألف طالب وطالبة في المحافظة لم يصل إليهم التعليم، وتعد محافظة بلوشستان الأكثر فقراً من بين محافظات البلاد حيث تتجاوز نسب الفقر 50%، والبطالة كذلك، وحصة المحافظة من الميزانية العامة للدولة تعد الأقل من بين جميع المحافظات الإيرانية على الرغم من أن المحافظة تعد ثالث أكبر محافظة في البلاد.


10- فرض قيود كبيرة على الصحف المحلية في المحافظة فهي معطلة أو شبه معطلة في جميع مدن بلوشستان ويخضع ما ينشر منها لرقابة صارمة ومباشرة من قبل الحرس الثوري الإيراني، كما أنه لم ينشر أي كتاب في دور النشر الموجودة في المحافظة.


11- منع تواصل أهل السنة مع إخوانهم في العالم الإسلامي، كما في منع السلطات الأمنية الإيرانية الشيخ عبد الحميد إسماعيل زهي، رئيس جامعة دار العلوم في زاهدان، من السفر إلى مكة المكرمة للمشاركة في مؤتمر لرابطة العالم الإسلامي، بحضور شخصيات إسلامية عالمية. في بداية عام 2016م، كما تكرر المنع قبل ذلك.


12- حرمان البلوش والشعوب غير الفارسية من التعلم بلغتها، وتعلم ما يتعلق بمذهبها.

الدور الإسلامي في قضية بلوشستان



لا
يتسم الدور الإسلامي في قضية بلوشستان بالضعف فقط، وإنما بالتواطؤ أحيانا، فإذا كانت دولتان إسلاميتان، هما باكستان وأفغانستان، تقتسمان جزءا من أراضي بلوشستان، شأنهما شأن إيران، فإننا لا نتوقع أن تهبّ هاتان الدولتان الجارتان -مثلاً- لنصرة البلوش وقضيتهم ومساعدتهم في التخلص من الاحتلال الإيراني لبلادهم.


وإذا كان احتلال بلوشستان قد جاء في وقت كانت فيه معظم البلدان الإسلامية واقعة تحت الاستعمار، وتعاني من الضعف الشديد، فإنه ليس من المبالغة القول بأن معظم المسلمين، ورغم مرور قرابة 90 عاما على احتلالها من قبل إيران، لم يسمعوا ببلوشستان وقضيتها ومعاناة أهلها.


إن المطلوب أن تتبنى الدول الإسلامية رسميا قضية بلوشستان، وإنْ سبّب ذلك لها الإحراج مع باكستان وأفغانستان، لاسيّما وأن الاحتلال الإيراني فاق في مساوئه كلّ احتلال، ويمكن للمسلمين الاستفادة من المقاومة المتصاعدة للاحتلال الإيراني في بلوشستان، ودعمها بالمال والسلاح، وقبل ذلك دعمها من خلال الإعلام، وتعريف المسلمين والعالم بها، وأنها مقاومة مشروعة، وإن خالطها بعض الأخطاء، وأنها تهدف إلى التخلص من احتلال أجنبي، ومساعدة البلوش في الحصول على استقلالهم وتقرير مصيرهم.


وفيما يتعلق بالإعلام، يذكر الناشط السياسي المعروف الشيخ أبو منتصر البلوشي أنه يأتي في مقدمة ما يجب على الخليجيين أن يقوموا به لدعم أهل السنة في إيران إذ يقول: "الدعم الأهمّ والأول يتمثل في إنشاء محطات إعلامية فضائية باللغة الفارسية، توجّه إلى إيران، فوالله إنها لتفعل فعل السحر في تلك البلاد، التي ستحفظ من جهة إخوتنا من القوميات العربية السنية من الذوبان في القالب الصفوي الفارسي، ومن جهة أخرى سيتسنّن كثيرون من عقلاء الشيعة عندما تتبيّن لهم الحقائق، وتدحض الشبهات والمقولات الباطلة التي يغذيها الإعلام الإيراني ويشوّه بها أهل السنة ومذهبهم، وكذلك الساسة العرب".


ويمكن للدول الإسلامية إثارة قضية بلوشستان من خلال المنظمات الدولية المختصة كمنظمة المؤتمر الإسلامي، ويمكن – وبسهولة شديدة- إثارة انتهاكات إيران الواضحة من قتل الأبرياء وهدم المساجد والمدارس ومصادرة الأراضي وتهجير أهلها أمام الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان، وإن ذلك من شأنه أن يخدم الدول الإسلامية والبلوش على حد سواء، ويعرّي إيران وسياساتها وأطماعها في المنطقة.


وممّا يمكن للدول الإسلامية عمله زيادة التواصل مع أبناء بلوشستان المقيمين في إيران، وربطهم بالعالم الإسلامي وأهل السنة، وتقديم المنح الدراسية لهم، وتسهيل قدومهم لأداء الحج والعمرة، وينبغي للدول الإسلامية أن تقوم بكل ما سبق، وغيره كثير، دون خوف من إيران، وأن يكون المسلمون في موقف الهجوم بدلا من الدفاع وتلقي الضربات، لا سيّما وأن إيران تستبيح الكثير من بلادهم بتدخلاتها وميليشياتها العميلة وخلاياها النائمة والمتيقظة.


أهم المراجع


مواقع وصحف ومجلات ومنتديات: الراصد، الإسلام اليوم، سُنّي أون لاين، شؤون إيرانية، أهل الحديث، مفكرة الإسلام، الوطن السعودية، مدونة أخبار البلوش وبلوشستان، الشرق الأوسط، العربية نت، ويكيبيديا، المجلة، أخبار الخليج البحرينية، مركز بلوشستان للدراسات البلوشية، البرهان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق