دول ابتلعتها إيران
سلسلة تتناول البلدان والأقاليم التي احتلتها إيران حديثا وجعلتها ضمن دولتها، والمعاناة التي تكبدتها الشعوب جراء ذلك، وطرق مقاومتها للاحتلال الإيراني.
1- الأحواز
احتلت إيران بلادَ الأحواز في الربع الأول من القرن الماضي، لكن ينبغي التنويه هنا إلى أن هذا الاحتلال وإن كان قد سبق قيام الثورة الخمينية ودولة الملالي سنة 1979م، إلاّ أن دولة الملالي لم تبادر إلى تصحيح الأخطاء أو الخطايا التي اقترفتها الدولة التي سبقتها والتي ثارت عليها بحجة أنها دولة ظالمة لا تلتزم شرع الله عز وجل، ولم تبادر إلى نصرة المظلومين والمستضعفين كما زعمت ثورتها والشعارات التي أطلقتها، بل على العكس من ذلك، رسّخت احتلالها للأحواز ولغيرها من الأقاليم والبلدان، ونهبت خيراتها، وأمعنت في مسخ هويتها، واضطهاد أهلها وإذلالهم.
نبذة تاريخية وجغرافية
تعتبر كلمة (الأحواز) هي التسمية العربية الأصيلة للمنطقة، وتذهب بعض الآراء إلى أن الأحواز هي جمع كلمة (حوز)، من مصدر الفعل حاز يحوز، أي: تملك يتملك، وقد جاء في لسان العرب: "أرض حوز، أرض أقيم حولها حاجز"، أما الحموي في معجم البلدان، فيبين أن العرب كانوا يستعملون هذا اللفظ دلالة على تملّك الأرض حصرا دون سواها من أنواع التملك الأخرى، ويشيرون به إلى الأرض التي يتخذها أي شخص ويرسم حدودها فيستحقها دون منازع.
ونظرا لعدم استطاعة الفرس لفظ حرف الحاء، فقد حوّلوا لفظها إلى (أهواز)، وقد تسرّب هذا اللفظ إلى الكُتّاب ووسائل الإعلام العربية دون التدقيق فيه، أما الصفويون الذين حكموا إيران بين عامي (1501- 1736م) فقد أطلقوا على الأحواز اسم (عربستان) أي: بلاد العرب أو أرض العرب، الأمر الذي يمثل اعترافاً تاريخياً بعروبتها.
وضمن سياسة "التفريس" أو "الفرسنة" الممنهجة التي اتّبعتها مع الأراضي المحتلة عموما، ومع الأحواز خصوصا، لمحو أي أثر عربي في المنطقة، عمدت إيران إلى تغيير اسم الأحواز بعد احتلالها إلى (خوزستان) وتعني: بلاد القلاع والحصون، أو أرض السكر أو قصب السكر التي اشتهرت بزراعتها.
وشعب الأحواز شعب عربي أصيل، قدِم إلى المنطقة من الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، أما الفتح الإسلامي فتمّ في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وبقيادة الصحابي أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، وبقيت سنية حتى القرن العاشر حيث تشيعت مع قيام دولة المشعشعين والدولة الصفوية تحت الجبر والإكراه.
وقد تعاقبت على الأحواز الدول والإمارات، إلى أن حكمها بنو كعب الذين ينحدر منهم الشيخ خزعل بن جابر الكعبي، آخر حكام الأحواز، قبل احتلالها من قبل شاه إيران، في 20/4/1925م.
وتقع الأحواز إلى الجنوب الشرقي من العراق، وتطل على رأس الخليج وشط العرب، ويحدّها من الغرب محافظتا البصرة وميسان العراقيتان، أما من الشمال والشمال الشرقي فيحدّها جبال البختيارية، التي هي جزء من جبال زاغروس، والتي تعتبر الحاجز الجغرافي الطبيعي الذي يفصل الأحواز عن إيران، ويجعل منهما منطقتين مختلفتين تمامًا.
أما مساحتها الحقيقية فتبلغ 375 ألف كيلومتر مربع، لكن السلطات الإيرانية المتعاقبة عمدت إلى قضم أراضيها لصالح محافظات إيرانية أخرى مجاورة مثل: فارس وأصفهان ولرستان وكرمنشاه، بحيث لم يتبقّ من أراضيها حاليا سوى 66 ألف كيلومتر مربع.
أسباب احتلالها
1- تعتبر الثروة النفطية الضخمة التي تحتويها الأحواز من أهم الأسباب التي دفعت إيران لاحتلالها، فحوالي 90 % من النفط والغاز الإيرانيين تنتجه الأحواز، ففي سنة 1908م، تم اكتشاف النفط في مدينة مسجد سليمان، وفي السنوات اللاحقة تم إنشاء مصفاة للنفط في مدينة عبدان، تعتبر ثاني أكبر مصافي النفط في العالم، وأكبر مصفاة في المنطقة.
2- وفرة المياه، حيث يمر في أراضي الأحواز ستة أنهار كبيرة، هي: الكارون والكرخة وشاوور والدز والجراحي والزهرة، إضافة إلى أنهار فرعية أو موسمية أخرى، وكذلك خصوبة أراضيها وصلاحيتها للزراعة.
3- إعطاء بريطانيا الضوء الأخضر لشاه إيران رضا بهلوي لاحتلال الأحواز، رغم عهودها للشيخ خزعل بحماية بلاده من الأخطار الخارجية، ويقال إن سبب نكوث بريطانيا بوعودها يعود إلى انتصار الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا ما دفع بالقوى الغربية وخاصة بريطانيا إلى تغيير استراتيجيتها تجاه المنطقة، حيث أخذت تتخلى شيئا فشيئا عن دعمها لاستقلال إمارة خزعل لصالح كيان إيراني قوي وموحد يشكل حاجزا استراتيجيا أمام الشيوعيين الروس ومحاولاتهم الوصول للمياه الدافئة.
4- موقع الأحواز الاستراتيجي، حيث تقع على رأس الخليج العربي، ومجاورتها لإيران والعراق والكويت، وقربها من حقول النفط وخطوط الملاحة.
5- خشية البريطانيين والإيرانيين من النفوذ المتزايد للشيخ خزعل لا سيما بعد ترشيح نفسه لعرش العراق بعد خروج العراق من حكم العثمانيين.
6- طموحات رضا خان المتزايدة وعنصريته، فقد أوصى ابنه وولي عهده بقوله: "لقد حررت الشاطئ الشرقي للخليج من العرب، وعليك أن تحرر الشاطئ الغربي".
كيفية احتلالها
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 1924م، توجّه رئيس وزراء إيران رضا خان (وملكها فيما بعد) على رأس حملة عسكرية لاحتلال الأحواز، وقد نُقل عنه أنه قال: "إنني ذاهب للقضاء على الشيخ خزعل، فإن وُفّقت وإلاّ فسأواري جسدي في مقابر المحمرة، ولا أرجع إلى طهران بالفشل".
وبعد معركة غير متكافئة تمكن من احتلالها، وتم تشكيل حكومة عسكرية برئاسة الجنرال فضل الله زاهدي، أما خزعل فغادر إلى البصرة لتنظيم صفوف عشائره وأتباعه لمحاربة الإيرانيين الذين لجأوا إلى الغدر والخديعة للقبض عليه، فقد أعلن الجنرال زاهدي أنه تلقى أوامر للانسحاب من المنطقة، وغادر مدينة الأحواز إلى المحمّرة، وطلب إقامة حفلة وداع لخزعل، وكان ذلك ليلة السابع والعشرين من رمضان (20/4/ 1925م).
وبعد تلقيه تطمينات من المعتمد السياسي البريطاني في الأحواز، اطمأن خزعل إلى النوايا الإيرانية، وحضر الحفلة التي أقيمت على يخته الخاص الراسي على شط العرب مقابل قصر الفيلية، ومع ساعات الليل اندفع عدد من الجنود الإيرانيين إلى اليخت وقبضوا على خزعل وأحد أبنائه، وتم نقله إلى طهران على البغال، وهناك ظل مسجونا حتى سنة 1936م، عندما تم قتله في ظروف غامضة، ويعتقد أنه مات بالسم، متجاوزا الرابعة والسبعين من العمر.
مقاومة الاحتلال
ولم تتأخر مقاومة الأحوازيين للاحتلال الإيراني، وقاموا بعدة ثورات أولها تلك التي عُرفت بثورة الغلمان، ومن أهمها: انتفاضة الحويزة (1928م)، وانتفاضة حيدر بن طلال (1930م)، وانتفاضة جاسب بن الشيخ خزعل (1943م)، وانتفاضة بني طرف (1945م)، وانتفاضة الشيخ عبد الله بن الشيخ خزعل (1946م) في منطقة الغيلية، وانتفاضة الشيخ يونس العاصي (1949م).
كما تأسست التنظيمات المقاومة مثل: جبهة تحرير عربستان، والمنظمة العربية لتحرير الأحواز، والمنظمة الوطنية لتحرير الأحواز (حزم)، وغير ذلك من التنظيمات التي تجاوزت العشرين من مشارب وتوجهات مختلفة، تكاد تجمع على استقلال الأحواز عن إيران كما كانت قبل نيسان/أبريل 1925م.
ممارسات إيران العنصرية في الأحواز
منذ اليوم الأول لاحتلالها، اعتمدت إيران – ولليوم- سياسة إقصائية قمعية، ولا عجب في ذلك، فنظام الملالي الحاكم حاليا يتسم بالقسوة والبطش بالمخالفين، وكذلك كان النظام البهلوي السابق، ومِن جملة ما مارسته السلطات الإيرانية تجاه الأحواز وأهله ما يلي:
1- تغيير الملامح العربية للإقليم مثل تغيير اسمه من عربستان إلى خوزستان، وتغيير أسماء المدن والأحياء إلى أسماء فارسية، مثل تغيير اسم المحمّرة إلى خرمشهر، والخفاجية إلى سوسنكرد، والفلاحية إلى شادكان، تماما كما تفعل إسرائيل اليوم بحقّ الفلسطينيين، إذ تستميت بتهويد القدس، وإزالة الآثار العربية منها ومصادرة الأراضي وطرد أهلها منها.
2- قضم أراضي الإقليم لصالح المحافظات الإيرانية الأخرى كما تم ذكره سابقًا.
3- تهجير أبناء الأحواز إلى المدن المجاورة، وإحلال سكان من محافظات أخرى محلهم بعد مصادرة أراضي العرب وأملاكهم.
4- منع الحكومة المحاكم "الأحوازية" من الترجمة للغة العربية وإليها، فوضعت بذلك أكبر عائق أمام المواطن الأحوازي لضمان حقوقه بمراجعة المحاكم.
5- مصادرة الكتب العربية الموجودة في الأحواز سواء كانت ملك المكتبات أو الأشخاص.
6- منع تدريس اللغة العربية في المرحلة الابتدائية على الرغم من وجود المادة 15 من الدستور الإيراني التي تنص على ضرورة تدريس لغة القوميات غير الفارسية في المدارس الابتدائية، ولكن السلطة الإيرانية لم تطبق هذه المادة.
7- إهمال شئون التعليم، وانعدام الرعاية الصحية.
8- التباطؤ في عملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988م)، والتجاهل المتعمد لمشكلة الألغام التي خلفتها تلك الحرب؛ الأمر الذي يتسبب في مقتل وجرح المئات من أبناء الأحواز، ذلك على الرغم من المساعدات المالية الدولية التي تتلقاها إيران في هذا المجال.
9- حرمان الشعب الأحوازي من مياه الشرب والزراعة من خلال تحريف مسار روافد نهر الكارون باتجاه المناطق الفارسية مثل أصفهان، أو من خلال السعي لتنفيذ مشاريع لتصدير هذه المياه إلى دول الخليج المجاورة.
10- انتزاع الحكومة الأراضي الزراعية من أصحابها العرب وإقامة مستوطنات فارسية تحت غطاء مشاريع صناعية زراعية مثل مشروع قصب السكر.
11- عقد الحكومة الإيرانية لاتفاقيات مع دول أو شركات أجنبية في مجال استثمار ثروات نفط الأحواز، رغم أحقية الشعب الأحوازي في التحكم في هذه الثروات.
12- ممارسة أقصى درجات القمع والاضطهاد بحق المعارضين الأحوازيين، لدرجة أن مشهد الإعدامات باستعمال الرافعات في الأحواز صار مشهدا يوميا مألوفا. وقد اشتد البطش الإيراني مؤخرا بحق الأحوازيين في أعقاب توجه الكثير منهم إلى التسنن واعتناق مذهب أهل السنة، فإذا كان الانتماء للتشيع لم يشفع للأحوازيين لكونهم عربا، فكيف بمن جمع العروبة والسنة؟!
الدور العربي والإسلامي في قضية الأحواز
لا جدال بأن الدور العربي والإسلامي في قضية الأحواز دور ضعيف، وقد جاء احتلال الأحواز في وقت كانت فيه معظم البلدان العربية واقعة تحت الاستعمار، وتعاني من الضعف الشديد، ويذكر المؤرخون أن حكام الدول العربية المجاورة للأحواز آنذاك كالعراق (الملك فيصل الأول) والكويت (الشيخ أحمد الجابر) تخاذلوا عن نصرة خزعل وإمداده بالسلاح الذي طلبه لصد عدوان رضا خان.
وليس من المبالغة القول بأن معظم العرب، ورغم مرور 90 عاما على احتلالها، لم يسمعوا بالأحواز وقضيتها ومعاناة أهلها، كما أن بعض الأنظمة تعاملت بشكل خاطئ مع قضية الأحواز، إذ يُذكر أن العراق (وهو المعني الأكثر بقضية الأحواز) رفض في سنة 1968م توصية من مؤتمر المحامين العرب بتخصيص مقعد للأحواز في الجامعة العربية كما هو شأن فلسطين، بزعم أن الأحواز والكويت قضية عراقية داخلية.
كما اتخذ العراق قضية الأحواز ورقة للمساومة مع إيران في مقابل القضية الكردية، حيث كانت إيران تدعم أكراد العراق، فدعم العراق الأحوازيين، حتى إذا انتهت الحرب العراقية الإيرانية انتهى دور القضية الأحوازية من وجهة نظر النظام العراقي.
إن المطلوب أن تتبنى الدول العربية رسميا قضية الأحواز، واعتبارها دولة عربية واقعة تحت احتلال أجنبي، ومساعدة أهلها في الحصول على استقلالهم وتقرير مصيرهم، دون خوف من إيران، وإن ذلك من شأنه أن يخدم الدول العربية والأحوازيين على حد سواء، ومن ذلك إنهاء ادّعاء إيران بفارسية الخليج العربي، وتحقيق شيء من الأمن العربي المفقود، وتعرية إيران وسياساتها وأطماعها، وأن يكون العرب في موقف الهجوم بدلا من الدفاع وتلقي الضربات، وغير ذلك.
أهم المراجع
1- صباح الموسوي، الأحواز الإقليم العربي المغتصب، منتدى المفكرين المسلمين، الطبعة الأولى، 1433هـ، 2012م.
2- جابر أحمد، عرب الأهواز، دار الكنوز الأدبية، بيروت، الطبعة الأولى، 2006م.
3- شبكة الراصد.
4- موسوعة المعرفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق