الثلاثاء، 2 فبراير 2016

بغداد الرشيد.. ورياض «أخو نورة»!

بغداد الرشيد.. ورياض «أخو نورة»! 

أحمد بن راشد بن سعيّد


احتجاجات مسؤولين في النظام العراقي على تصريحات أدلى بها السفير السعودي في بغداد، ثامر السبهان، لقناة السومرية
(23 يناير 2016) ليس مردّها رفض مضمون تلك التصريحات فحسب، بل التخوّف من دلالتها التي تشير إلى تغيير في المقاربة السعودية للملف العراقي، واتجاه الرياض إلى الانهماك النشط في هذا الملف بعد قطيعة ربع قرن.
قال السفير إن ميليشيات "الحشد الشعبي" (شيعية تابعة للحكومة) تؤجج الطائفية في العراق، ولا تحظى بقبول العراقيين مشيراً إلى رفض أهل الأنبار والأكراد دخولها إلى مناطقهم خوفاً من أن يلقوا المصير الدموي الذي لقيه أهالي مدينة المقدادية بمحافظة ديالى (سنّة) قبل أسابيع. 
وحمّل السبهان في المقابلة إيران مسؤولية «ظهور الميليشيات الطائفية التي ترتكب جرائم إرهابية بحق الشعب العراقي لا تقل بشاعة عن جرائم تنظيم داعش الإرهابي».

جاءت تصريحات السبهان صادمة، بالنظر إلى الخطاب التقليدي الحذر للدبلوماسية السعودية، وهو ما أثار انزعاج النظام العراقي الذي «يقدّس» الحشد الشعبي بصفته «ثمرة» لفتوى أصدرها السيستاني؛ أعلى «مرجعية» شيعية.
طالبت الأحزاب الشيعية بطرد السفير الذي استدعته وزارة الخارجية، وأبلغته احتجاجها على تصريحاته، ودافعت في بيان أصدرته عن “الحشد” زاعمة أنه «يقاتل الإرهاب». 
حاول وزير خارجية النظام، إبراهيم الجعفري، أن يحرج السعوديين، فأصدر بياناً (بعد لقاء جمعه بوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير في البحرين) زعم فيه أنه اتفق مع الجبير على رفض تصريحات السبهان بوصفها تدخلاً في الشأن العراقي.
غير أن الخارجية السعودية نفت ما ورد في البيان، ووصفته بأنه «غير دقيق»، وهو ما شكّل صدمة أخرى للحكومة الميليشاوية في بغداد والتي توقعت أن يضفي وجود سفير للرياض في المنطقة الخضراء شرعية على حكمها، وأن يكون مجرد «ديكور» تجميلي لممارساتها. لكن السعودية لم تقرر إعادة سفيرها إلى العراق من دون دراسة المصالح والمفاسد، ومن دون إدراك لسياق المعركة التي يشهدها المشرق كله بين المشروع الإمبريالي الإيراني وبين جماهير الأمة.

عودة سفير السعودية إلى العراق جاءت بعد نجاح دبلوماسيتها في بلورة مواقف دبلوماسية أممية ضد إيران بعد الاعتداء على سفارتها وقنصيلتها مطلع يناير. لم يتوقع ساسة إيران رد الرياض، ولما راجت مطالب باعتذار إيراني، أدلى عبد الله المعلمي، مندوب السعودية في مجلس الأمن، بتصريح «صادم» آخر: لا نريد اعتذاراً، بل «أفعالاً لوقف الانتهاكات»- لغة لا بد أنها أحرجت حتى واشنطن التي «تصالحت» مع إيران، وانخرطت في علاقة «دافئة» معها.
توقيت عودة السفير تزامن أيضاً مع الإرهاب الذي مارسه الحشد الشعبي ضد المواطنين السنّة في محافظة ديالى من قتل واختطاف وتهجير وتدمير مساجد ومنازل .

المقاربة السعودية للشأن العراقي ليست تقليدية ولا هامشية، بل «نشطة» و «تدخلية»، وهي جزء من رؤية واسعة، ولا يمكن فصلها عن المعركة التي تخوضها المملكة وحلفاؤها في اليمن لإيقاف الاندفاعة الإيرانية. يتضح ذلك في قيام السفير السبهان بزيارة المجمع الفقهي لكبار العلماء (سني) في حي الأعظمية ببغداد، ومخاطبته سنّة العراق بقوله «لن نتخلى عنكم»، وهو ما احتفل به ناشطون سنّة واصفين السبهان بالبطل، ومنشئين في موقع تويتر وسم:



عودة السفير التي لم يستبشر بها بعض المتعاطفين مع المكوّن السني في العراق بدت خطوة حكيمة. يبقى على صانع القرار السعودي أن يمارس مزيداً من الضغط لحماية أهل السنة، والحفاظ على مؤسساتهم، وترميم مساجدهم، وتوفير الإمكانات لعودة المهجّرين منهم. هذا الاحتواء سيؤدي إلى إحداث توازن في الساحة العراقية، وسيقلّل جنوح مقهورين سنّة إلى التشدد. بغداد الرشيد تستحق من يمد إليها يد المساعدة. ورياض «أخو نورة» وحدها من تستطيع أن تفعل ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق