الأربعاء، 29 يناير 2025

البديع في فنِّ "التكويع"

 

البديع في فنِّ "التكويع"

أحمد عمر


سالك الطريق المستقيم بطل. أمّا المنافق، المكوّع، الغاشّ، إمّعة السلطان؛ فمهرّج، وقد اختلط الأمر، وتشابه البقر والغنم والدجاج علينا، وفي التكويع محاسن وأضداد.

سالك الطريق القويم، شهيد حتف أنفه، المكوّع أطول عمراً وأقل أثراً، لكن للمكوّع المنافق فضيلة، فهو مضحك، وقد غدا الضحك في أيامنا بطولةً، فعادل إمام هو إمام العصر العربي، والكوع السوري تعريفاً هو الانعطاف والتحيّز من فئة المنهزمين إلى فئة المنتصرين.

التكويع السياسي هو تغيير الولاء، وتبديل خطّ السير أحياناً، هو الدوران والاتجاه بالخطّ عكس اتجاه السير، ويحظى بغير قليل من الهجاء والسخرية والشماتة في صفحات الناشطين الساخرين من أكابر القوم وطبقته الأولى، أمثال بشّار الجعفري، ورئيس الحكومة محمّد الجلالي، الذي استظلّ بظلّ أقاربه المعارضين، فهو تكنوقراط أيها السادة. 

الصمت يسع الجميع، قيل إنَّ روسيا حصّنته بنضوة فرس وعين زرقاء، فآثر المنزلة بين المنزلتَين.

المكوّعون طبقات ودرجات ودركات، فمنهم من تعلّل بالخوف، ومنهم من اعتذر بانجلاء الغشاوة عن عينيه اللتين رأتا فظائع النظام السوري في صيدنايا، وهي ملء السمع والبصر والفؤاد والمعثكلة، كأنّه لم يرَ مئات الشهادات عن المعتقلين، ولم يرَ البراميل وهي تسقط على المدن والقرى وتحيلها قاعاً صفصفاً، كأنّ في أذنه وقرا، ولم يسمع الرئيس الفصيح "إلى الأبد"، وهو يأتسي بأرسطو وأفلاطون، كأنّ المكوّع كان نائماً وصحا.

التكويع في أصله صنفان: حميد، يرى صاحبه الحقّ، فله يتبع، وذميم يتبع القوي، فله يخضع، والحَسَن من اهتدى إلى الحقّ، مواجهاً قوة السيف والسلطان غير هائب، أمّا المكوّع الذميم، فهو من مؤثري السلامة، الذين يتبعون السلطان والسيف، شعاره "عاش الملك مات الملك"، هو المؤمن بمقولة من تزوّج أمي (ما تزال على ذمّة أبيه المحبوس) أقول له يا عمّي. 

قل له يا عمّي، لكن لماذا تقول له يا أبي، وقد تزوج أمّك من غير مأذون أو شاهدين أو صداق، كوّع أفقياً، لكن ليس عمودياً، التكويع العمودي ركوع، اقعد فأنت الطاعم الكاسي.

قال عثمان بن عفّان قولةً تدرّس في علوم السياسة: "إنَّ الله يزعّ بالسلطان ما لا يزع بالإيمان"، وقد تكسّرت حججنا وقروننا كلّها، فلم يقتنع المكوّعون حتى سقط الصنم، لكنَّ المكوّعين السابقين (الحاصلين على الجائزة الذهبية في رالي التكويع) الذين كانوا ملء العين، ثمّ دالت دولتهم، بحثوا في مذكّراتهم ويومياتهم عن فضيلة أو عظمة، وبيت المكوّع لا يخلو من عظام، فذكروا كلمة الحوار مرّةً، أو ذكروا حبّهم للوطن، فأظهروها من أقوالهم وتباهوا بها وعلى جسرها كوّعوا.

الحياة أكواع ومنعطفات، ورجوع من سُدّة الباطل إلى جادة الحقّ، والمكوّع الحميد هو الذي يكوّع بهدى عقله أو بعقل من هو أعقل منه لا بهدي معدته وحرصه ومصلحته، وقد اختار السوريون تعبير التكويع من منعطفات الطرقات، وفرق كبير بين الكوع الأفقي والكوع العمودي، وأفضل أنواع التكويع هو الانعطاف غير المفاجئ. 

السائق الخبير (والحياة طريق وعر) من يشير إلى من وراءه "بالغمّاز"، ويكوّع مهدئاً السرعة، وقد أخسرنا أصحابنا مشهد تكويع مفتي الأسد السابق أحمد حسّون، وكان دخل مسجداً بعد فتح الشام الثاني، فطُرِد، فحرمونا من مشهد عبوره المنعطف التاريخي.

لم نرَ (حتى الآن) صاحب المربّعات الشهير في التلفزيون السوري، ورئيس اتحاد علماء المسلمين في الشام، الشيخ توفيق البوطي، الذي ساوى بين الشام المباركة وبين حاكمها، لكنّ كبار القوم ومشاهيرهم، مرنون (ستريش)، وممثلي السينما شديدو المرونة، وقد أظهر أحدهم (ونحن في عصر أبطال السينما ونينجا الإضحاك) صبراً وجلداً وثباتاً على الباطل، فقد خسر بطل "ضيعة ضايعة" ضيعته، بخسارة صديقه ماهر الأسد ملكه الضائع، فثبت على ولائه القديم، لكنّ ثباته تكويع من الكوميديا إلى التراجيديا.

من الأضداد أو المحاسن، أن خسر بشّار الأسد مُلك أبيه، لأنه لم يكن يجيد القيادة في المنعطفات، ولم يكن قد بقي من مركبة الأسد القديمة، المتهالكة التي داس بها الشعب إلا "الزمّور"... كان يكوّع في المستقيم، ويستقيم في الأكواع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق