«عرب».. بلا «قوميين عرب»
غير مهم من بدأ أولا هل كانت مصر الناصرية أم العراق البعثي أو سوريا الطائفية؟ لقد اشتركوا جميعا في إهدار حياة أمة وحياتي كفرد عربي!
أرثي لحالي على أبواب العقد السابع، فرد عربي لم يبلغ مبلغ المواطنة ليقول أنا مواطن عربي. فالهوى والشباب والأمل المنشود ضاعت جميعها من يدي. هل أنا من ضيع في الأوهام عمره؟
لم أكن واهما لكني اتبعت من كفر بالإنسان العربي. الكافرون بي أنا الفرد الذي لم يبلغ مبلغ المواطنة. أضع داخل سلة الكافرين بالإنسان الأيديولوجيين العرب (من اليسار والقوميين والإسلاميين) وكل كفر بي بمقدار. لكن الذين حكموا دولا فدمروها كانوا أشد كفرا بالإنسان لذلك سأحتفظ بحقي في المحاسبة وأبدأ بالقوميين ولن أدخر البقية. لقد أهدروا عمري وعمر الملايين مثلي على طول الخريطة العربية. يستقيم لي هذا الرثاء وأنا أحتفل مع غزة بنصرها العظيم ولا نصر لي إلا بمحاسبة من أجَّل هذا النصر سبعين عاما
لقد كان نصرا ممكنا قبل وصول الأنظمة القومية إلى الحكم على طول الخريطة.
لنسمّهم بأسمائهم أولا
كانت المعركة تدور ضد الكيان في الأرض المحتلة نفسها عندما بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية العربية رافعة شعار تحرير فلسطين، فمنعت في ذات اللحظة الشعوب العربية من المقاومة باسم إعادة تنظيم الصفوف وضبط الجهد ضمن أفق قومي يبدأ بالوحدة والحرية أو بالحرية والوحدة. كان العرب عروبيين قبل أن يتكلم القوميون بتوحيد الأمة في المعركة.
أهدرت العروبة باسم القومية. وفي سياق إهدار العروبة أهدرت التنمية والاستقلال السياسي وحمت الأنظمة القومية حدودها القطرية وحولتها إلى مقدسات مثلها مثل الأنظمة الانفصالية أو القطرية أو الرجعية التي لم تدّع الفكر القومي ولم تخطط (في الخطابات الرنانة) لتوحيد الأمة.
غير مهم من بدأ أولا هل كانت مصر الناصرية أم العراق البعثي أم سوريا الطائفية؟ لقد اشتركوا جميعا في إهدار حياة الأمة وحياتي أنا الفرد العربي. لسوء حظ الشعوب أن القوميين حكموا بلدانا عربية غنية بالنفط والثروات الطبيعية. لم تنمِّ الأنظمة القومية أقطارها بل فقرتها أكثر من الأنظمة الرجعية.
أنا الفرد العربي سمعت خطاب القوميين منذ دخلت المدرسة واتبعت فكرها معلقا عليها أمل المواطن. لقد كان قلبي قبل عقلي يوالي هذه الأنظمة وينكر الرجعية الخائنة بما فيها نظام بلدي (القُطري الرجعي العميل بالتوصيف القومي). لقد كانت العروبة روحي والقومية مطلبي وتحرير فلسطين هواي، والأنظمة العربية القومية بالذات غدرت بي في كل المسارات. (لم تتبن الرجعيات العربية نفس الشعارات) هكذا صُنعت وها أنا أقف على أني فرد بعد ولم أبلغ مبلغ المواطنة وأتهم القوميين العرب.
لماذا وصلوا بي إلى هنا؟ لا أستسهل حديث التخوين لأنه سيقتضي تنسيبا جداليا لكن النتيجة التي أعيشها هي التي أدت إلى الكفر بالإنسان العربي. لم يكن القوميون أكثر من فرق عسكرية مسلحة مسكونة بالقمع والقهر، وقد انتهى فعلها في الناس لصالح العدو الذي أعلنوه في البيان رقم واحد.
أين تنمية الإنسان أيها القوميون؟
ما هي النتائج الاقتصادية والاجتماعية للقوميين في الأقطار التي حكموها بالحديد والنار وباسم تحرير فلسطين؟ أين صرفت أموال النفط العراقي والليبي وأين أنفقت ثروات سوريا والجزائر واليمن؟ لقد كنت ذريعة تحقيق التوازن الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني وفي انتظار معركة التحرير الشاملة تسكت الشعوب عن هدر ثرواتها وأرواحها من أجل القضية ولكن ما هي النتيجة الآن؟
يتهم القوميون العرب بكل فصائلهم الأنظمة الرجعية بخدمة الاستعمار والبقاء تحت سقف العمالة والتبعية ولكن هل حقق القوميون القائلون بالاستقلال نتائج أفضل؟ إن تونس الرجعية العميلة والفقيرة إلى النفط توفر خدمات طبية لليبيا النفطية ولم يسع زعيم قومي ثرثار أن يؤسس حتى مدرسة للتمريض بل استعان بممرضين مستوردين حقنوا أطفال ليبيا بجرثومة الإيدز. (هل يتذكر القوميون ذلك؟).
لقد بدأ شعب مصر يسكن المقابر في زمن الناصرية وظل العسكر يدفع الناس إلى المقابر والقوميون يدافعون عن كل عسكري منقلب في مصر.
أما خراب سوريا وقتلاها ففضيحة لن يتنصل منها القوميون البعثيون فمناحاتهم التي نسمعها الآن لا تنبئ بأي نفس مراجع بله اعتذارا للشعب السوري والفلسطيني.
كم أعدد من فضائح القوميين؟ لن يتسع مقال لذلك مهما طال ولكني فرد عربي أقول وأنا أطرق أبواب العقد السابع لقد أهدر القوميون عمري وآمالي في التنمية والتحرير.
ربح القوميون معركة واحدة
نعم لقد أفلح القوميون في معركة واحدة هي معركة تدمير تيار الإخوان المسلمين ومن سار في فلكهم. لقد خاضوا هذه المعركة بحماس في غير مجال الفكر والثقافة طبعا بل باستعمال وسائل الدول التي حكموها فاتخذوا المحاكم العسكرية وفتحوا السجون ولم يكن للأنظمة القومية من إبداع إلا في ابتكار أشكال التعذيب والقهر والقتل العشوائي خارج كل قانون. لقد كانوا يقتلونهم بمتعة و(كيف).
لقد بنوا سياسة مشتركة من العراق إلى الجزائر قوامها اتهام الإسلاميين في وطنيتهم وقوميتهم. ولم يقدموا للناس مثلي أيّ دليل محسوس عن هذه التهم منذ أول محاكمة حتى سقوط بشار. لقد وصفوهم بالرجعية والتخلف ولكنهم لم يتقدموا بالفكر والثقافة والتعليم العالي فينقلون مجتمعاتهم إلى صف الحداثة بل إنهم تأخروا بها، لقد أفرغوا كل مقولات الحداثة من مضمونها بل أنتجوا مجتمعات متخلفة تنتشر فيها الآن الأساطير والخرافات مثلها مثل البلدان التي لم يحكموها بل أسوأ.
القوميون العرب سعداء جدا بما فعلوا بالتيارات الإسلامية (الإخوانية وغيرها) وهم يحسبون عدد القتلى في مكاسبهم، ولكن ما هو مكسب الشعوب من هذه الانتصارات؟ هل تقدمت الشعوب والأقطار التي استراحت من وجود الإسلاميين؟ هل نمت واستقلت وحاربت من أجل فلسطين؟
لن يجيب القوميون عن هذه الأسئلة فهم أجبن من ذلك. لكن يوجد عزاء جميل في هذه المرثية الذاتية. وقد انطلقت الفرحة من غزة التي حاربت دون القوميين العرب بل استقلت عنهم قبل أن تستقل عن الكيان.
ما زال لدى الفرد العربي -أنا- وقت كاف ليشهد في قادم الأيام القوميين العرب ينحازون إلى دولة الكيان ويبررون ذلك في إطار حربهم ضد الرجعية العربية الإخوانية، نواحهم على بشار يقول ذلك. هذا هو الانكشاف الكبير القادم.
تلك اللحظة التاريخية التي يقول فيها قومي عربي “آسف لقد أخطأت في حق الأمة والمواطن العربي” لن تأتي أبدا وهذه مكرمة عظيمة في المستقبل. سيكتب مستقبل العرب بغير أقلام القوميين وحينها قد أدرك زمن المواطنة العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق