الثلاثاء، 28 يناير 2025

عاد الجميع... فهل نعود نحن أيضاً؟

 عاد الجميع... فهل نعود نحن أيضاً؟

يوسف الدموكي
صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام بجامعة مرمرة

بدأ العام منذ وقت قريب، ومع ذلك فقد سهرتُ فيه تقريباً أكثر من أيّ عام مضى، مراقباً ومترقّباً مشاهد الذين يعودون إلى بلادهم بعد سنوات طويلة من القهر، أو مجازر أُريقت فيها سيول من الدماء، تلك الشعوب المقهورة التي قاومت حتى قُمعت وظنّ القتلة أنهم تمكنوا منها للأبد، وشعر أصحاب الأرض وأهل البلاد باليأس من العودة، وآمنوا أنهم فعلوا ما عليهم والله يفعل ما يشاء، فكان مما شاء الله أن يأتي الثمر بعد سنوات من الثمن، وبعد جولات طوال من الصبر، فعاد السوريون إلى دمشق وحلب وحمص ولو بعد خمسين سنة من المهجر في عهد حافظ، أو عشر سنوات بعد الثورة في عهد بشار، عادوا حتى شعرنا بأرواحنا تعود معهم، تطير حول ساعة حمص وتتأرجّح مع نواعير حماة وتخرّ ساجدة في ساحة الأموي بدمشق.

لم نصدّق ما نرى، أتحدث المعجزات للصادقين في هذا الزمان أيضاً، وإن ولى زمن الأنبياء؟ صحيح أن من القوم ثلة لم يتركوا السلاح ولم يسلّموا ولم يستسلموا، لكنهم على كلّ ذلك لم يكونوا ليقدروا بحسابات الواقع والقوى وحدها أن يعودوا أو يحرّروا بلاداً كاملة، لكنهم عادوا، وبينما نحن على ذلك وجدنا السودانيين يعودون إلى أكبر مدنهم في الجزيرة والخرطوم، ويحرّرون ما اغتصبته مليشيات الدعم السريع، فلا أفادهم دعم ولا أسعفتهم سرعة، أمام قدر الله النافذ، بأن يُقهروا، وأن ينتصر السودانيون الذين شُرّدوا بالملايين، وجوّعوا بمئات الألوف، وذُبحوا بالآلاف، واغتُصبت نساؤهم بالمئات، فكانت تلك هي العودة الأخرى التي بعثت في نفوسنا أملًا بأن يعود المبعَدون.

عوملنا كما لو نُعامل من محتل، يقتلنا في كلّ وادٍ، ويسجننا في كلّ ركن، ويحبسنا في كلّ زاوية

ثم ها هي غزّة، التي ذُبح خمسون ألفاً من أهلها في عام واحد، وجُرح مئة وخمسون ألفاً، وهُجّر أكثر أهلها، حتى صار القطاع الصغير المحاصَر محاصَراً داخل مربّع أضيق، في معشار مساحة غزّة، تعود غزّة وأهلها ينتشرون في كلّ شبرٍ منه، يدهسون نتساريم ومن آمنوا بخلوده تحت أقدامهم الشريفة، يعود مليون فلسطيني إلى ديارهم في شمال غزّة، صانعين معجزةً جديدة، أو هم بذاتهم معجزة أخرى من صنع الله، في أول "تعويذة فلسطينية" في تاريخ "التغريبة الفلسطينية"، وكم كان ذلك بعيداً، وكم كان ذلك عند الله قريباً، بكثير من البذل والتضحية والفداء والدماء، وشرف المقاومة.

ونحن، أهل مصر المبعدين، فلا نحمل سلاحاً ولا نملك جيشاً خاصاً، لا نقاوم جيشاً محتلاً، ولا نحارب مليشيات مدعومة من إيران وروسيا، ولا نصارع مليشيات قبَلية مدعومة من قوى قبلية أيضاً، وإنما نحن أهل البلد، وأهل الجيش، وأهل الأرض، الذين عوملنا كما لو نُعامل من محتل، يقتلنا في كلّ وادٍ، ويسجننا في كلّ ركن، ويحبسنا في كلّ زاوية، ويطاردنا بكلّ مكان ويذيقنا الويلات في كلّ فرصة، ويمنعنا عن أهالينا وديارنا، وأنا مثلاً لم أبِت في بيتي ليلةً واحدة منذ اثنتي عشرة سنة، زدهم على سنوات طفولتي، لن يتبقى لي من عمري في وطني شيء. 

ألن نعود؟ أنا أومن بأنها باتت قريبة، جداً، ولو من دون سلاح ولا كفاح مدجّج بالذخائر، فإننا دفعنا الثمن طويلاً وثقيلاً مكثَّفاً في سنواتنا الأولى حتى قهرنا، ولم نُهزم... ولم ننتصر أيضاً بعد، فهل نصاب بعدوى العودة عما قريب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق