الأحد، 19 يناير 2025

تفرح غزّة ولا تنسى

 

تفرح غزّة ولا تنسى 





فرح أهل غزّة قبل الموعد الرسمي لإعلان الفرح بسويعات، فقرّر الاحتلال أن يقصف الفرحة بالطائرات، ليصعد شهداءٌ جددٌ يعانقون السابقين من شهداء معركة الطوفان، فهل قتل العدوّ الفرحة؟ هل قتل علامات الانتصار في وجوه الصغار والكبار؟... يجيبنا طفلٌ لم يتجاوز العاشرة يرقص ويغني للحياة وللمقاومة، كما يجيبنا الشاب والشيخ: معركتنا مستمرّة حتى الفرحة الكبرى، النصرة الكبرى، العودة الكبرى إلى فلسطين كما عادوا إلى غزّة.
يقول المحتفلون المنزرعون في الأرض مثل أشجار زيتون ما يقوله المقاومون، "الطوفان" إحدى معارك غزّة، ومعركة كلّها إحدى معارك فلسطين، والطريق طويل لا يتوقّف إلا باكتمال حلم التحرير، يهتف شيخ وسط الجموع:
 "سوف نستعدّ للمعركة القادمة وسنواصل الكفاح".
بدت غزّة كلّها أمس مقاومة، إذ تغنّي الشوارع والساحات فرحاً بظهور المقاومين، تهتف للشهداء وتجدد العهد والوفاء للقسام ولكلّ فصيل مقاوم، هذا شعب يعطينا كلّ يوم، بل كلّ دقيقة، درساً في الاستبسال ضدّ العدم، يعلّمنا لغة الشجر والطير، يعلمنا معنى الفرح بالحياة، ومعنى الحياة بكرامة. 
في الشهر الثاني من المعركة، كان العارفون بطبيعة الإنسان الفلسطيني على يقينٍ بأن هذه الحرب سوف تتوقّف، مهما طال الوقت أو قصر، وسينتهي العدوان الأكثر همجية ونازية في التاريخ، وسيعود الضحايا إلى أطلال بيوتهم المدمّرة بفعل القصف الصهيوني، لكنّ شيئاً واحداً لا يمكن أن يعود، وهو الوضع الفلسطيني قبل 7 أكتوبر(2023).

طوفان الأقصى منذ بدأ لم يكن حالةَ عراك مفاجئ بين طرفين، ولا مغامرةً فلسطينية بنت اللحظة فجّرت جنوناً صهيونياً، كما لم يكن ردّة فعل غير محسوبة على تصرّف بعينه، كأن يقال إنها جاءت ردّاً على الإهانات الإسرائيلية للمسجد الأقصى فقط، أو إنها انفعالاً زائداً ضدّ سفالة اليمين الصهيوني الحاكم، كما من المعيب والمشين بالطبع أن يتخرّص بعضهم بربطها بمعادلات إقليمية أكبر.
"طوفان الأقصى"، كما يتبدّى من خطاب المقاومة الفلسطينية، وكما في وجوه الشعب الصامد في غزّة هو معركة على طريق الحلم الأكبر والهدف الأسمى، معركة التحرير، والكفاح من أجل استعادة الأرض والتخلّص من احتلال هو الأكثر خسّةً وبشاعةً في التاريخ، وبالتالي من العبث تصوّر أن الطوفان هو آخر المعارك، كما يهذي الكيان الصهيوني وهو يتحدّث عن أحلام اليوم التالي لتوقّف الحرب، وأوهام ما بعد القضاء على المقاومة الفلسطينية، وما تسمّى بترتيبات تفصيل السلطة الفلسطينية المسيطرة على قطاع غزّة، وفقاً لمقاسات الاحتلال وعلى هواه.

في مواكب الفرح الغزّي بالأمس كان أطفالٌ بعمر الزهور، سوف يكبرون بأسرع ممّا يكبر أقرانهم في جغرافيا أخرى، ليكونوا القادة وليحملوا الشعلة، كما حملها الشهداء الذين تغنّوا وهتفوا بأسمائهم وهم يزرعون الفرحة في ركام المنازل المهدمّة فتطرح مبكراً، قبل الأوان، لكنّها في قمّة النضج، هؤلاء هم الترسانة الأقوى من كلّ أساطيل الأعداء، هؤلاء هم طرح هذه الأرض التي لا تنبت إلا الأبطال، يحتفلون بغزّة وعينهم على الضفة، وقلوبهم صوب القدس والأقصى، موقنين بأن معارك أخرى سوف تأتي، وسوف ينتصرون.
في كلّ مرّة يقول لنا الفلسطيني في غزّة، من الطفل إلى الشيخ، إن علاقته بالمقاومة كعلاقة اللحم بالعظم، لذا لم يكن مشهداً مفتعلاً أو مصنوعاً أن يهتف الصغار والكبار في صوت واحد لكتائب عز الدين القسّام، مردّدين أن كلهم محمّد الضيف ويحيى السنوار وإسماعيل هنيّة، وقائمة طويلة من الشهداء الأوفياء لفلسطين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق