الثلاثاء، 28 يناير 2025

العودة المظفرة لشمال غزة أبلغ رد على ترامب

 

العودة المظفرة لشمال غزة أبلغ رد على ترامب

تأتي دعوة ترامب لإخلاء غزة بعد تصريحات سابقة أثناء الحملة الانتخابية عن تكبير مساحة إسرائيل،



عامر عبد المنعم


تعيش الأمة زمن الانتصارات، ونهاية حقبة الهزائم، فمشاهد عودة مليون فلسطيني إلى شمال غزة انتصار كبير على الاحتلال المدعوم من تحالف قوى الهيمنة الغربية، وهزيمة لمخططات ابتلاع الأرض الفلسطينية، وتؤكد صور الحشود العائدة أن صاحب الأرض أقوى من المحتل المدجج بالسلاح، وأن ترسانة الأسلحة الأمريكية المتفوقة لا تقدر على تغيير الخرائط وتهجير البشر لصالح كيان إرهابي يقوده مجرمو حرب وسفاكو دماء.

حاول نتنياهو عرقلة الصفقة لتأجيل رؤية مشاهد العودة، وحاول ترامب التشويش بالحديث عن تهجير الفلسطينيين لمصر والأردن؛ لكن انتصار غزة كان كالإعصار الذي لا يمكن التصدي له ووقف تداعياته، فقادة الاحتلال هم الذين يتحدثون عن هزيمتهم، ويصرخون من شدة الألم بسبب الخسائر التي لم يقدروا على تحملها أكثر من ذلك، وستكشف الأيام أن الرئيس الأمريكي تدخل لإنقاذ الإسرائيليين ولمنع هروب المستوطنين من فلسطين.

لقد صمد الشعب الفلسطيني، وواجه وحده أبشع عدوان في العصر الحديث، ولم يتخل عن أرضه، وأظهر التماسك والعزة والشموخ في التصدي للقصف الجبان بالصواريخ والقنابل الأمريكية التي كانت تزيل البنايات من أساساتها، وتحمل الفلسطينيون التجويع المتعمد لأكثر من عام دون أن يتنازلوا أو يقدموا أي إشارة تدل على الانكسار.

حاول الاحتلال وداعموه الفصل بين حماس والشعب الفلسطيني لكنهم فشلوا، وراهن مجرمو الحرب على أن يتبرأ الفلسطينيون تحت الضغط العسكري من المقاومة فلم يروا إشارة واحدة على الانقسام والاختلاف، ووضع الصهاينة الإسرائيليون والأمريكيون خطط ما يسمى بـ “اليوم التالي للحرب” لإدارة غزة لكنهم لم يجدوا خونة يقبلون التعاون معهم فخابوا وخسروا.

حماس هي قيادة الشعب الفلسطيني

رغم ما يردده الإعلام الإسرائيلي من شكوك حول الاستمرار في تنفيذ الصفقة فإن الطرق كلها مغلقة أمام نتنياهو وعصابته، فلم يعد لديهم القدرة على استئناف حرب جديدة، ولم يعد للأمريكيين القدرة على تحمل الاستمرار في حروب خاسرة، فليس أمام الإسرائيليين غير الإذعان وتنفيذ شروط حماس، ولا يقدرون على فعل شيء يقلل من حجم الإنجاز الذي حققته حركة المقاومة التي تم تتويجها كقائدة للشعب الفلسطيني، فالأسرى المحررون من سجون الاحتلال من كل الفصائل يؤكد أن حماس ليست فصيلا أو حركة وإنما هي قيادة الشعب الفلسطيني.

تخاريف ترامب عن تهجير الفلسطينيين من غزة

منذ فوزه في الانتخابات لا يتوقف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب عن التصريحات الغريبة والخيالية، حيث ينتفش ويعيش حالة من النشوة المبالغ فيها، ويحاول الظهور كقائد للعالم يقول للشيء كن فيكون، ويتحدث وكأنه يمتلك عصا سحرية ستعيد “أمريكا عظيمة” كما يقول، لكن تظل تصريحاته المتعلقة بالمنطقة العربية هي الأخطر؛ بسبب حالة الخذلان والتبعية، وعدم وجود أي اعتراض جماعي أو حتى فردي.

آخر تصريحات ترامب الاستفزازية هي تلك المتعلقة بغزة؛ ففي الوقت الذي مازالت المرحلة الأولى لصفقة وقف إطلاق النار في بدايتها دعا ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، وطلب من مصر والأردن استقبال مليون ونصف المليون فلسطيني، وزعم أنه يريد “تطهير غزة التي شهدت صراعات لا حصر لها على مر العصور بالكامل”!

هذا الموقف من غزة يفضح العقلية الاستعمارية لترامب، فقد تفوق على متطرفي الصهيونية الدينية الإسرائيليين بن غفير وسموتريتش، وتفوق على مجرم الحرب نتنياهو الذي دمر غزة وكان يريد اقتطاع الشمال خاليا من السكان بالإبادة والقصف بالقنابل، بل يتناقض موقف ترامب مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بتدخل منه هو شخصيا وإجبار نتنياهو وحكومته على قبوله!

 

ماذا يريد ترامب؟

تأتي دعوة ترامب لإخلاء غزة بعد تصريحات سابقة أثناء الحملة الانتخابية عن تكبير مساحة إسرائيل، حيث قال: ” مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرتُ كيف يمكن توسيعها”، وتحدثت تقارير صحفية أمريكية عن تبرعات لأثرياء يهود  يشجعونه لتنفيذ وعوده، ويبدو أن دوره الحاسم في صفقة وقف الحرب وتهديده بـ “الجحيم للشرق الأوسط” كان هدفه إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين فقط، وربما كان إصراره على إتمام الصفقة قبل دخول البيت الأبيض حتى لا يكون ملزما بتنفيذ كل مراحل الاتفاق بعد تسليم آخر رهينة.

كلام ترامب عن تهجير الفلسطينيين، وقوله أن نقل سكان غزة يمكن أن يكون “مؤقتًا أو طويل الأمد” يعني عدم الالتزام بالاتفاق الجاري تنفيذه الآن، ويضع النهاية لحل الدولتين، وينسف كل الوعود التي يعتاش عليها بعض الرؤساء والملوك العرب لتبرير التطبيع، ويعصف بكل القرارات الدولية المتعلقة بالحق الفلسطيني، ويعطي الإسرائيليين الحق في ضم الضفة التي تتعرض الآن للتدمير كما حدث في غزة.

رفض مصري وأردني لتصريحات ترامب

هذه المرة كان الرد على ترامب سريعا من مصر والأردن، حيث أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا أكدت فيه “دعم مصر لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة في أرضه ووطنه” و”رفضها لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً كان بشكل مؤقت او طويل الأجل”.

ونفس المعاني أكدها وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي الذي قال: “نرفض تهجير الفلسطينيين وهذا موقفنا الثابت، وحل القضية الفلسطينية هو حل فلسطيني، والأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين”.

وعي الشعوب يحاصر الحكام

ما يعلنه ترامب من أفكار عشوائية يطرحها مخططون متطرفون من اليمين الأمريكي، ومعهم باحثون بمراكز الدراسات الممولة من اللوبي الصهيوني، وهؤلاء مهووسون غير واقعيين، مثل متطرفي الصهيونية الدينية في “إسرائيل” يرون أن الفرصة مواتية لابتلاع كل فلسطين، بل والتوسع في دول الجوار لإقامة ما يسمى “إسرائيل الكبرى” التي تمتد من الفرات حتى نهر العريش (مكانه الآن وادي العريش وهو مخر سيل) خاصة أن معظم الدول العربية تعاني من الضعف والانقسام الداخلي وفي حالة عداء مع هويتها وأمتها.

الذي يشجع ترامب ومن قبله نتنياهو على إعلان مثل هذه المواقف الصريحة لتهويد كل فلسطين والاستخفاف بالعرب عدم وجود رأس للعالم العربي يقف ضد هذه المخططات التوسعية، بل كان الأمريكيون والإسرائيليون يتلقون رسائل متكررة من قاة دول رئيسية بأنهم تابعون أوفياء، ومستعدون لتنفيذ ما يطلب منهم طمعا في الرضا الأمريكي، لكن التطورات السياسية منذ طوفان الأقصى غيرت كل الحسابات وفرضت واقعا جديدا.

من أهم نتائج طوفان الأقصى أن الشعوب أصبحت واعية، فالحرب التي كان يتابعها الصغار قبل الكبار رفعت من درجة الوعي في كل أنحاء العالم، وبعد انتصار غزة لن يستطيع أي حاكم عربي المجاهرة بالتطبيع مع الإسرائيليين، أو الموافقة على التعاون مع ترامب أو غيره بأي صيغة ضد الفلسطينيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق