ترامب للعرب: الحلب والتهجير مقابل السلام
وائل قنديل
الردّ العربي المقبول على وقاحة دونالد ترامب الخاصّة بتهجير الشعب الفلسطيني خارج غزّة أن يذهب العرب إلى غزّة، والبدء فوراً بعمليات إعادة الإعمار، مع تكثيف الجهود الدبلوماسية للمطالبة بفرض عقوباتٍ على المعتدي الذي أحال غزّة إلى أنقاض، هذا إن كانوا عرباً حقّاً، وإن كانوا أصحاب كرامة، لا أغناماً أمام مقصلة هذا المغرور بقوته، المنتفخ بالأوهام التوراتية.
طلب ترامب من مصر والأردن استقبال "الناس" المهجرين من غزّة ليس إهانة للفلسطينيين فقط، بل قبل ذلك هو ازدراء لكلّ من القاهرة وعمّان، والتعاطي معهما بوصفهما مساحتَين خاضعتَين للنفوذ الأميركي.
وهو أيضاً استهتار بالقانون الدولي، لا يصحّ أن تحاول وسائل الإعلام العربية تلطيفها عبر التحايل على اللغة والعبث بترجمة ما قال، خصوصاً إن كان واضحاً حدّ الابتذال، وهو يعلن أن المطلوب "تطهير غزّة من الشعب الفلسطيني"، حتى يتسنّى له استثمارها.
وبنصّ عباراته، كما نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، قال:
"سأتحدّث مع الجنرال السيسي غداً (الأحد) في وقت ما. أودّ أن تأخذ مصر الناس. وأود أن تأخذ الأردن الناس."
أنت تتحدّث عن مليون ونصف المليون شخص، ونحن نقوم فقط بتنظيف هذا الشيء بالكامل. كما تعلمون، على مرّ القرون كان هناك العديد والعديد من الصراعات.
ولا أدري، يجب أن يحدُث شيء ما.
إنه موقع مهدّم حرفياً، هُدِم كلّ شيء تقريباً، والناس يموتون هناك، لذلك أفضّل أن أشارك مع بعض الدول العربية، وبناء مساكن في موقع مختلف حيث يمكنهم ربّما العيش في سلام للتغيير. قد يكون أيّاً منهما. قد يكون مؤقتًا أو قد يكون طويل الأمد".
من المهم عدم إغفال أن تصريحات ترامب التي رحّب بها اليمين الصهيوني، المسكون بحلم التوسّع من النيل إلى الفرات، تتزامن مع رفض الاحتلال الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، التزاماً بالمواعيد المقرّرة في اتفاق وقت القتال، إذ فتح النار على العائدين إلى الجنوب فقتل شهداء من الجيش والشعب اللبنانيين، وفي الوقت نفسه، يتربّص بمئات آلاف الفلسطينيين العائدين إلي شارع الرشيد، ويمنعهم من العودة إلى بيوتهم.
ولا يغيب، كذلك، أن ترامب إذ يُعلِن مشروع التهجير، يُكرّر ما قاله من كلام مهين عن استنزاف السعودية مالياً، وابتزازها سياسياً، فيقول: "إن آخر مرّة سافر فيها إلى السعودية (عقب رئاسته الأولى 2017) كانت لأن المملكة وافقت على شراء بضائع أميركية بمليارات الدولارات. وتابع: "إذا كان العرض مناسباً، فسأفعل ذلك مرّة أخرى".
كان التطبيع فيما مضى يبنى على قاعدة "الأرض مقابل السلام"، بمعنى أن يعيد الكيان الصهيوني بعض الأراضي التي احتلها في مقابل أن يحصل على علاقات تطبيعية مع دول عربية، والآن لم تعد هذه المعادلة مطروحةً أو مرغوبةً إسرائيلياً وأميركياً، وصار المعروض هو "الحلب في مقابل السلام"، بمعنى أن يقدّم العرب ضروعهم المالية لحلبها، بمعرفة محور واشنطن - تلّ أبيب، في مقابل أن تتفضل عليهم إسرائيل، وتسمح لهم بالبقاء في عروشهم، من دون استعداد للتزحزح عن الأرض المحتلة، بل على العكس، يقضم العدو أراضٍ جديدة في سورية ولبنان، ولا يُخفي أطماعه التوسّعية في عمق الأراضي السعودية والمصرية والعراقية والأردنية، لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"، كما أعلنه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بمنتهى الصراحة والوقاحة.
لا يختلف دونالد ترامب في تصوّراته للمنطقة عن بنيامين نتنياهو وبن إيتمار بن غفير وسموتريتش، إذ يصدر من معتقدات تلمودية راسخة تحدّثت عنها الكاتبة الأميركية، والباحثة في الشؤون الدينية ديانا باس، عام 2020 عقب إعلان ترامب خطّته للمرّة الأولى، فكتبت إنها كانت قد درست الكتاب المُقدَّس في العقد السابع من القرن الماضي بشكل مكثّف خلال شبابها، مضيفةً "بالنسبة لنا لم يكن الكتاب المُقدّس مُجرَّد نصّ ديني، بل كان الخطّة الإلهية الموضوعة للتاريخ برمّته، وعرفنا عبره كيف تصرّف الله في الماضي وكيف سيتصرّف في المستقبل".
وتنتهي الكاتبة إلى أن ترامب يريد من خلال الاعتراف بالقدس لإسرائيل تذكير ناخبيه من الإنجيليين أنه "رجل الله الذي يساهم في دفع التاريخ - كما يراه الكتاب المقدس – قدماً، ويساهم في حلول نهاية التاريخ".
وختمت بالقول: "ربّما لا يؤمن الرئيس ترامب بهذا، لكنّ الملايين يؤمنون به، وهذا أمر مهم، ليس للسياسة الأميركية فحسب، بل وللسلام في القدس، وكذلك لسلامنا جميعاً".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق