السبت، 25 يناير 2025

الدول والسوق وقيم الشعوب

الدول والسوق وقيم الشعوب

د. حاكم المطيري

الدول ليست أسواقا مالية أو شركات تجارية هدفها التجارة والمال والتطوير فقط! بل هي قبل ذلك هوية لمجتمعاتها وروح لشعوبها تعبر عن قيمها الإنسانية والدينية ورسالتها في الحياة، وبقدر إيمانها برسالتها وحضور إنسانها ومشاركة مجتمعها سياسيا؛ يكون إنجازها ونجاحها، فهو الدافع لتطورها ونهضتها.

‏وتفاوت الدول في التطور هو بحسب صلاحية القيم نفسها في تحقيق الإصلاح والنهضة، وبحسب شدة إيمان الشعوب بها وحضورها السياسي.

قيم البرتستانتية المسيحية


‏ فقد عبرت الولايات المتحدة عن قيم البرتستانتية المسيحية ونظرتها التحررية للوجود والدين والإنسان والحياة؛

وهو سر تفوقها على الدول الأوربية الكاثوليكية مع اشتراكهما في الثقافة الأوربية نفسها!

‏فلم يستطع الاتحاد الأوربي والشعوب الأوربية -وهي تعادل الشعب الأمريكي أربع مرات- أن تحقق من الحضور الدولي ما حققته الولايات المتحدة!

‏ حيث تعد البرتستانتية أكثر تحررا وعقلانية من الكاثوليكية ويعد الشعب الأمريكي أشد إيمانا بقيمه ورسالته ودوره في الحياة وانسجاما معها من الشعوب الأوربية!

‏وكل من يريد النهضة والتطوير لدول العالم الإسلامي قبل توفير الشروط الموضوعية لتحقيق الدولة ذاتها،

وأولها تحقق سيادتها، وحضور المجتمع وإرادته، والدين وتأثيره، والإنسان وحريته، والهوية وقيمها، ورسالة الدولة وغاياتها؛

فلن يعدو ما يريده أن يكون سوقا لا دولة! وشركة لا أمة! مرهونا وجودهما -السوق والشركة- بوجود بضائعهما ومصانع إنتاجهما -لا بوجود المجتمع- حتى إذا بارا انتهى دورهما!

النموذج الأندونيسي والماليزي


‏ولعل النموذج الأندونيسي والماليزي -والشرق أسيوي الإسلامي- من أوضح صور (دولة السوق)،
فهما مع تطورهما المادي خارج دائرة التأثير الإنساني في محيطهما فضلا عن العالم الإسلامي؛ دع عنك العالم كله!

‏فهي دول فاقدة للروح والرسالة جعلها ذلك أقرب للأسواق منها للدول التي تدفع بشعوبها وقيمها للحضور على المسرح الدولي تفاعلا وتأثيرا!

‏ولعل للحالة الدينية والمذهبية السائدة المسالمة الوادعة والروح التجارية -لا الجهادية- أكبر الأثر في واقع شعوبها السياسي

حتى لا يكاد يوجد منها أحد في ساحات النضال دفاعا عن الأمة وشعوبها؛ وهو ما انعكس على دولها السوقية!

‏بينما تحاول تركيا اليوم الخروج من نموذج الدولة السوقي لتحقق مفهوم الدولة الحقيقي باستعادة الهوية والقيم

والرسالة التي استطاع العثمانيون بها أن يكونوا قوة دولية لمدة ستة قرون!

‏ولعل للتراث الفكري والفقهي والتاريخي لكل من المجتمع الأندونيسي والمجتمع التركي أكبر الأثر السياسي على واقع كل منهما،

فالحضور التركي أقوى تأثيرا ونفوذا وشهودا على المسرح الدولي فهو أشبه بالأمريكي، وأندونيسا -وهي أربع أضعاف تركيا- أشبه بالاتحاد الأوربي!

ويراد للعالم العربي ودوله أن تكون فاقدة لكلا الوصفين، فلا هي دول سياسية حقيقية، ولا هي أسواق وشركات تجارية؛

بل يراد لها أن تكون منتجعات وفنادق سياحية، وشعوبها مجرد نوادل لخدمة زوارها وزبائنها،

وتوفير الراحة للسياسيين من الدول الحقيقية، والرأسماليين من الدول السوقية!

‏ثم يظن -وأكذب الحديث الظن- بأنها دول وشعوب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق