الجمعة، 24 يناير 2025

بيني وبينك.. حتّى تضعَ الحربُ أوزارَها

بيني وبينك.. حتّى تضعَ الحربُ أوزارَها


د. أيمن العتوم


نشهدُ أنّكم ثَبَتُّم حتّى آخر لحظةٍ، وقاتلتُم حتّى النّهاية، وناضلتُم حتّى وضعت الحربُ أوزارَها. 
قاتلَ فيكم يا أهلَ غزّة الجنديُّ والرّجلُ والمرأة والطّفلُ والشّجرُ والحجرُ، والأبوابُ والنّوافذ، وأعمدةُ الطُّرقات، وكلّ ذرّة رملٍ.. 
قاتَلْتُم أشرفَ قِتالٍ، وصمدتُم أروعَ صمودٍ، وسطّرتم الآيات الباهرة في معركةٍ غيرِ متكافِئةٍ، دخلوها بالدّبّابات والرّاجِمات لكنْ دون عقيدة، ودخلتُموها مع العتاد بالإيمان والعقيدة النّقيّة، وشَتّان مَنْ يُقاتِلُ من الصّهاينة بالوكالة، ومَنْ يقاتِلُ منكم بالأصالة، هم قاتلوا عن أرضٍ ليستْ لهم، أرضٍ اغتصبوها اغتِصابًا بتواطؤ عالَمي، وقاتلتُم أنت عن أرضكم عن كلّ شبرٍ فيها، عن حقّكم لكي تنتزعوه من بين أنياب الأفاعي، وشتَّانَ شَتّانَ بينَ القِتالَين!

نعم، ألقت الحربُ أوزارَها، وآثامَها، وآلامَها، ورحلتْ بكلّ ما فيها من فواجعَ ومصائبَ، وألْبَسَت المُعتدين سِربالَ الفقدِ والثُّكل، وبسطَتْ أمامكم على انبِساطِ الأسى صفحةَ المجدِ المُؤثّل، ومدّتْ لكمْ كِتابَ التّاريخ من أجل أنْ تُسطِّروا فيه بطولاتِكم الّتي لو لم نكنْ شاهِدِين عليها لَظَنَنَّا أنّها من الخيال، أو من أفكار صُنّاع السّينما، ولكنّها كانتْ بطولاتٍ حقيقيّةً في عالمٍ من الزّيف، بطولات يتيمة في عالَمٍ من تكالُبِ القريب عليكم قبلَ البعيد، بطولاتٍ صنعتموها بسواعدكم وحدَكم، وملأتُم دواةَ حِبرها المرقوم بدمائكم وحدكم، فهنيئًا، هنيئًا لكم. وماذا بعدُ؟ 

كلّ ليلٍ إلى فجر. وكلّ بعيدٍ مُنتَظرٍ آتٍ، وإنْ طال ارتِقابُه. 

لم تهونوا ولم تَهِنوا، ولم تتباكَوا على أبواب الأمم المُتّحدة، ولا ناشَدتُم المُنظّمات الدّوليّة، ولا رفعتُم شكاواكم إلى مجلس الأمن الدّولي، ولا آمنتم بعدِ الله إلا بأنفُسكم، وقد عرفتُم وعرّفتمونا معكم بأنّ طريق التّحرير تمرّ عبرَ الأشلاء والتّضحيات، وأنّ الوصول إلى نهاية طريق العِزّة لا بُدّ للماضِي فيه أنْ يخوضَ في بِرَكٍ من الدّماء، وأنهارٍ من الأحزان. عرّفتمونا أنّ الحُقُوقَ لا تُستَجدَى ولكنّها تُنتَزعُ انتِزاعًا، وأنّ نفقَ البندقيّة المُظلِمَ في آخره رصاصة التّحرير الّتي تُضيءُ ما أظلم، وتُمهِّد الدّربَ للسّالِكين.
نعم قاتلتُم حتّى وضعت الحربُ أوزارَها، وقد عضَّ العدّو على أصابعكم، وعَضَضْتُم على أصابِعه، وتألَّمْتُم وتأَلَّم، ولكنّه هو الّذي صَرَخ في النّهاية، واستسلَم لكم، ورضَخَ لشروطكم، وجَثَا على رُكبتَيه مُطامِنًا أمامَ عِزّتكم.
النّصر لكم أيّها الغَزّيون، والفرحةُ لكم بعد أنْ ألقى كلّ ذي دَيْنٍ دَيْنَه ولاقَى غريمَه، وأعطاه الغريم ما كان به مُطالَبًا. نعم؛ النّصر لكم، والمُستقبَل للفكرة الّتي تؤصّلونها في وِجدان المُجتمعات وقلوب الأجيال القادمة: إنّ الطّريق الّذي لا يمرُّ بالبندقيّةِ لا يُوصِل إلى الحَقّ والحقيقة.
هنيئًا لكم هذا النّصر، وهذه النّهاية المُشرّفة، كلُّ مُحتلٍّ إلى ارتِحال، وكلّ ظالِمٍ إلى اجتِثاث، وكلّ كِيانٍ غاصبٍ إلى زَوال. والحمدُ لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالِحات، والرّحمة للشّهداء الأبرار، وللرّجال الأطهار، وللأوفياء الأخيار، مَنْ قضى مِنهم نحبه ومَن ينتظر، والعاقبةُ للمُتّقين

AymanOtoom@

otoom72_poet@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق