الخميس، 30 يناير 2025

ومضات من جميل مقولات غازي القصيبي

 

ومضات

من جميل مقولات غازي القصيبي


د. محمد العدواني
د. محمد العدواني

لم تكن حياته عادية ومتواضعة كسائر الناس ممن عاشوا وطواهم الزمن بسجل النسيان، بل كانت حياته حافلة بالأحداث وثرية بالقصص، فقد نقش اسمه على صدر التاريخ وترك لنا أثراً، يقول أحمد شوقي في هذا السياق:

‏وكُن في الطريق عفيف الخطى

‏شريف السماع كريم النظر

‏وكن رجلاً إن أتوا بعدهُ

‏يقولون مرّ وهذا الأثر‏

إنني من أشد المعجبين به وبتراثه الزاخر والوافر، فهو من القلائل في زمننا هذا ممن جمع أكثر من موهبة وصنعة في آن واحد، فهو غزير المعرفة موسوعي الثقافة.

مُزدحم الأفكار متعدد التجارب شاهق الفهم، مرهف الحس رقيق القريحة مشبوب العاطفة، جمع العلم والأدب والشعر والدبلوماسية والوزارة في وقت واحد، هو مجموعة إنسان في إنسان ومجموعة رجال في رجل وتجربته في الحياة تجربة غنية جداً نقل لنا شيئاً منها من خلال مقولاته ولقاءاته.

إنه شاعر متمكن له دواوين مميزة وروائي مُبدع له روايات مُتميزة، صاحب الأسلوب الأنيق والقلم الرشيق، له في ميدان التعليم باع، وله في مضار السياسة ذراع، وفي الحقل الدبلوماسي كان سفيراً ناجحاً لبلاده في أمصار عدة كالبحرين ولندن، إنه الوزير الأديب الشاعر الروائي السفير الأستاذ الجامعي د. غازي القصيبي، رحمه الله رحمة واسعة، ومن منا لا يعرف غازي! الذي سطع اسمه ولمع رسمه.

فقد أحببت أسلوبه وأُعجبت بشموليته وسعة أفقه واتساع معلوماته، في مكتبتي المنزلية جمعت معظم كتبه ودواوينه الشعرية ورواياته، وشاهدت كل لقاءاته المُتلفزة في اليوتيوب، من أهم كُتبه كتابه ذائع الصيت «حياة في الإدارة» الذي استعرض فيه تجربته الإدارية وكيف نجح في المناصب القيادية التي كُلف بها وكذلك روايته الشهيرة «شقة الحرية» و«العصفورية» وغيرها من الكتب.

انطبعت في ذاكرتي مجموعة من مقولاته وكلماته المختلفة عن الحياة أحببت أن أُشارككم بها في هذا المقال منها ما يلي:

- ستدرك في وقتٍ متأخرٍ من الحياة أنّ مُعظمَ المعارك التي خضتها لم تكن سِوى أحداثٍ هامشيةٍ أشغلتك عن حياتكَ الحقيقية.

‏وبعد ذلك كتب:

‏وعُدتُ من المعاركِ لستُ أدري

‏علامَ أضعتُ عُمري في النزالِ!

‏- كل يوم تعيشه هو هدية من الله فلا تضيعه بالقلق من المستقبل أو الحسرة على الماضي فقط توكل على الله واستمر بحياتك.

- تنظيم الوقت سبب لنجاحي، عندما تنظم وقتك بشكل جيد، ستستغرب من بقية الوقت المتاح لك بقية اليوم.

- يقول، هناك أصدقاء حقيقيون وأصدقاء عاديون، الأصدقاء الحقيقيون الذين أعرفهم لا يتجاوزن أصابع اليد الواحدة، والأصدقاء العاديون الذين تربطك بهم ظروف العمل أو الدراسة أو.... إلخ.

المؤلم أنه قد يحيى الإنسان ويموت ولا يكاد يجد صديقاً حقيقياً!

‏- أنا أكره الذين يتصيّدون الألفاظ من فمي، ثم يلبسونها معاني من عندهم.

‏- تذكر دائماً أنك لست محدوداً بفرصة واحدة، أو مستقبل معين، الحياة أوسع من أن تتمسك بشيء ظناً منك بأنه لن يتكرر!

‏- رغبتي في اتقان عملي لا تعني رغبتي في التفوق على أيّ إنسان آخر، كنت ولا أزال أرى أن هذا العالم يتّسع لكل الناجحين بالغٌ ما بلغ عددهم.

- التخصص الوحيد الذي لا يدرس في الجامعات هو الأخلاق، فقد يحمله عامل نظافة ويفتقده دكتور!

‏- العمل لا يقتل مهما كان شاقاً وقاسياً، ولكن الفراغ يقتل حتى أنبل ما في الإنسان.

- إن أخطر سجن وجد أو سيوجد، هو سجن الذات!

‏- مشكلتي الحقيقية ليست النسيان، مشكلتي كثرة الذكريات.

-‏ أفرد، د/ غازي القصيبي في كتابه «العصفورية»، أسمى معادلة نسبية ما بين الحزن والفرح:

كلما غاص الحزن فيك... كلما زاد الفرح الذي يُمكن أن تحتويه.

‏- لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً.

ومن جميل أبياته التي يحفظها الناس: ‏

‏وتشاءُ أنت من البشائر قطرةً

‏ويشاء ربك أن يغيثك بالمطر

وتشاء أنت من الأماني نجمةً

‏ويشاء ربك أن يناولك القمر

وتشاء أنت من الحياة غنيمةً

‏ويشاء ربك أن يسوق لك الدرر

وتظل تسعى جاهدا في همةٍ

‏والله يعطي من يشاء إذا شكر

والله يمنع إن أراد بحكمةٍ

‏لابد أن ترضى بما حكم القدر

اختتم غازي القصيبي، حياته بهذه الأبيات التي ملؤها اليقين بالله بعدما أصيب بداء السرطان الذي أنهك جسده وهي جزء من قصيدته المعروفة «حديقة الغروب»:

‏«يا عالم الغيب! ذنبي أنتَ تعرِفُهُ

‏وأنت تعلمُ إعلاني وإسراري

‏أحببتُ لقياك، حُسنُ الظن يشفع لي

‏أيُرتجَى العفوُ إلا عندَ غفّارِ؟»

هذا غيض من فيض وقطرة من بحر هذا الإنسان الأسطورة وهي دعوة لقراءة واقتناء كتبه.

رحم الله الدكتور غازي القصيبي ورزقه الله جنة عرضها السماوات والأرض.

ومضة:

ولد الدكتور غازي القصيبي عام 1940م، درس البكالوريا في الحقوق بالقاهرة والماجستير في ولاية جنوب كاليفورنيا بأميركا، وحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من لندن. أصبح عميد كلية وسفيراً ووزيراً لحقائب وزارية عدة. توفي عام 2010م بمرض السرطان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق