الاثنين، 27 يناير 2025

“جنين “.. من هنا انطلق عزالدين القسام !

 “جنين “.. من هنا انطلق عزالدين القسام !

شعبان عبدالرحمن 


 هذه المدينة العريقة التي تملأ السمع والبصر اليوم ، تحتل في تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني أنصع الصفحات ، ففيها نبتت بذرة الجهاد الأولى ضد المشروع الصهيوني الاستعماري وفي ترابها وضع الشهيد عزالدين القسام (1883م – 1935م) بذرة الجهادالأولى وروي ترابها بدفقات من دمائه الطاهرة في ساحة الجهاد، ومنذ ذلك الوقت نبتت البذرة وترعرعت حتى باتت اليوم شجرة باسقة ضاربة بجذورها في أرض فلسطين ، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وصارت مستعصية على الاقتلاع..وتخلب كتائبها – اليوم – الألباب وهي تنجز عمليات تبادل الأسرى في ساحة فلسطين بغزة كمحصلة لإحدى جولات الصر اع المظفرة .

كلما سمعت اسم «كتائب الشهيد عزالدين القسام» وهو يدوي في الآفاق ،أعيد قراءة سطور من حياته الناصعة فأخلص إلى نتيجة واحدة وهي: أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى مع نهل العلم من منابعه الصافية النقية والعمل المخلص لله ، يصنع رجالاً يعدلون أمماً.. بهم يحيي الله موات أقوام، ويبعث فيهم همة وجسارة وإقداماً، وبهم ينعدل ميزان الحق والقسطاس وعلى أيديهم  تتحرر الأوطان وتصان الأعراض ، وترتفع رايات الإسلام خفاقة.

الرجل ..كان عالماً ورعاً من علماء سورية «من مواليد قرية جبلة» وداعية من دعاة الإسلام الذين تهتز لهم القلوب قبل أعواد المنابر.. كان عالماً عاملاً، وكان من قواد الثورة على الاستعمار الفرنسي في سورية (1920م- 1946 م )  ولهذا طارده الفرنسيون حتي اضطر لمغادرتها في مطلع عشرينيات القرن الماضي مع شقيقه إلى مدينة «حيفا» في فلسطين ، ومن هناك استأنف مسيرة الجهاد ضد الاستعمار الانجليزي – شريك الاستعمار الفرنسي في السيطرة علي بلادنا -منطلقا من المسجد الكبير الذي اتخذه مقراً لإلقاء دروسه اليومية التي تركزت على مشروعية الجهاد لتخليص الأوطان من الاحتلال، وإعلام المسلمين بأن الجهاد العملي والقتال الصادق هو أنجع علاج لهزيمة الاحتلال الذي يدنس أرضنا ومقدساتنا .

ومن هذه الدروس انتقى القسام تلامذته من الشباب والرجال الذين كانوا يلتفون حوله ويتفاعلون مع دروسه وكلماته، وكوَّن أول كتيبة للجهاد عرفتها أرض فلسطين، وبها انطلق في أوائل عام 1935م من المثلث العربي «جنين ـ نابلس ـ طولكرم» مشعلا بما أوتي من قوة قليلة أول شرارة للجهاد على أرض فلسطين ، ومن هناك سرت روح الجهاد إلى أنحاء فلسطين، وهو ما أرعب الاحتلال الانجليزي والصهيانة، فسارعوا إلى محاولة إطفاء جذوة تلك الشرارة، فحاصروا الشيخ ومعه إخوانه المجاهدين في غابة «يعبد» بمنطقة جنين.. ودارت معركة فاصلة استشهد فيها الشيخ المجاهد يوم 25 نوفمبر 1935م، وهو قابض علي سلاحه وسط إخوانه الذين لم يزد عددهم عن أصابع اليدين ،مسطرا ملحمة خلدها التاريخ في أنصع صفاحاته.. بينما كانت بعض الحكومات العربية تشارك في حراسة المشروع الصهيوني وتخذّل عنه وتسارع للدخول في هدنة تلو الهدنة حتى اليوم.. وهي هي نفس الحكومات المتصهينة التي تطفو علي سطح الأحداث اليوم ويعرفها القاصي والداني !!

 

وذهب القسام إلى ربه شهيداً بعد عام إلا قليلاً من الجهاد، وظن شرار الخلق أنهم وأدوا  شرارة الجهاد في مهدها، لكن قطرات الدماء التي تفجرت من جسده الطاهر وأجساد إخوانه روت أرض «جنين» وسرت من تحت الأرض لتنبت شجرة الجهاد الصلبة وتحولت شرارتها إلى نيران تحرق العدو كل يوم..في مخيم جنين وكل المخيمات بل وعموم أرض فلسطين .

لقد استشهد عزالدين عام 1935م فأشعل استشهاده الثورة الكبرى على أرض فلسطين عام 1936م التي استمرت ثلاث سنوات ولم يطفئها إلا نداء الزعماء العرب الذين انخدعوا بوعود بريطانيا ، مناشدين الثوار :” ندعوكم للخلود للهدوء وإننا نثق في وعود صديقتنا بريطانيا “، وبالفعل صدقت وعود صديقتهم ومكنت الصهاينة المستعمرين من كامل أرض فلسطين حتى بات أهلها غرباء عليها ويسعى ترامب بعد بايدن برضا من التيار العربي المتصهين لطردهم مرة أخرى إلى عالم الشتات !!

لكن دماء الشهيد عزالدين أزهرت وأينعت عام في نهاية ثلاثينيات وبداية أربعينيات القرن كتائب الجهاد التي قادها “الإخوان المسلمون” والتي كادت تحرر فلسطين ولولا خيانة النظام العربي المتصهين بقبول الهدنة عام 1948 لتم التخلص من هذه العصابات ولكانت ” فضيحة كبرى ” وفق تعبير مناحم بيجين  في مذكراته .

إن جذوة الجهاد والكفاح على أرض فلسطين لم تنطفئ رغم الحملات الأمنية الشرسة من النظام الملكي في مصر الذي اغتال الإمام البنا وزج بمتطوعي الجهاد علي أرض فلسطين من الإخوان وغيرهم من أحرار مصر والعالم العربي في غيىاهب السجون ، وخفتت جذوة الكفاح ولكنها لم تنظفئ بل ظلت مشتعلة تحت الرماد حتى تفجرت عام 1987م علي يد تيار شديد البأس حمل نفس الاسم «كتائب الشهيد عزالدين القسام» .. التي عدلت الميزان.. ميزان القوة.. وميزان الرعب مع عدو لا تجدي معه إلا القوة.. ولا يرغمه على الاعتراف بالحق إلا الرعب ، وذلك عين ما نتابعه اليوم على أرض غزة العزة .

واليوم لا ينتظر الشهيد عزالدين القسام تكريماً إذ يكفيه أن من يعرف قدره ، وهم يتكاثرون مع مرور الزمان ـ ينزله منزلته التي تليق به  مردداً قول شاعرنا فؤاد الخطيب:

أولت عمامتك العمائم كلها

شرفاً تقصر عنده التيجان

يا رهط عزالدين حسبك نعمة

في الخلد لا عَنَت ولا أحزان

رحمه وكل الشهداء

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق