الجمعة، 31 يناير 2025

تحالف دجلة والفرات.. أفكار كاراكوتش تعود للواجهة

 

تحالف دجلة والفرات.. أفكار كاراكوتش تعود للواجهة

كاتب وصحفي تركي


غالبًا ما يقتبس الرئيس أردوغان في خطاباته من الشعراء، ولعلّ أكثر من اقتبس منه الشاعر والمفكر التركي سزائي كاراكوتش.

كاراكوتش هو مفكر من ديار بكر توفي عام 2021، وقد ساهم في تشكيل الفكر الإسلامي في تركيا من خلال العديد من الكتب التي دعا فيها إلى الوحدة الإسلامية وطرح فيها أفكارًا عملية لتحقيق تلك الوحدة، كما كتب عدة قصائد مؤثرة.

في كتاب "السور" الذي ألفه عام 1975، دعا إلى ضرورة إنشاء اتحادات إقليمية لتحقيق الوحدة الإسلامية المنشودة، واقترح مثالًا أطلق عليه "اتحاد دجلة والفرات الإسلامي"، يجمع بين تركيا وسوريا والعراق.

بعد الثورة السورية، عادت أفكار هذا الكتاب إلى الواجهة في تركيا، وفتح المثقفون المقربون من حزب العدالة والتنمية باب النقاش حول أفكار سزائي كاراكوتش بشأن الوحدة الإسلامية.

وقت تأسيس الاتحادات الإقليمية

لا شك أن مفاهيم مثل "الوحدة الإسلامية، ووحدة الأمة، واتحاد الدول الإسلامية" من المسائل التي تُناقش في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. هناك من يرى أن هذه الوحدة مستحيلة أو غير ضرورية، لكن هناك أيضًا من يؤمن بضرورتها، وهم يشكّلون الأغلبية.

أنا شخصيًا من الذين يعتقدون أن فكرة الوحدة ضرورية، وأن إمكانية تحقيقها أصبحت أكبر في الظرف الجيوسياسي الراهن.

يجب ألا ننسى أن الدول الأوروبية اتفقت على فكرة الوحدة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، رغم الصراعات الدامية التي أسفرت عن مقتل الملايين. فلماذا لا تتوحد الدول الإسلامية رغم أن الخلافات الدامية بينها أقل بكثير؟

العوائق أمام الوحدة ليست سوى حواجز نفسية ناتجة عن الدعاية السلبية، والسبيل لتجاوزها هو تأسيس تحالفات واتحادات إقليمية. لقد حان الوقت لتطبيق نظرية الحلقات المتداخلة.

ولكن ما هي تلك الحلقات المتداخلة؟

عند النظر إلى الوضع الحالي، قد يتساءل البعض: كيف يمكن تحقيق وحدة بين إيران والمغرب، أو بين السعودية والسودان؟

بدلًا من التفكير في هذا الإطار الواسع، يمكننا التركيز على دوائر أصغر، مثل المثلث الذي يضم تركيا والعراق وسوريا.

في الأسبوع الماضي، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بغداد واتخذ خطوات مهمة لتعزيز العلاقات بين الدول الثلاث. وهناك حديث في أنقرة عن إمكانية انضمام سوريا إلى مشروع "طريق التنمية" الذي أطلقته تركيا، والعراق، وقطر، والإمارات.

هل من الصعب حقًا أن تُنشئ هذه الدول الثلاث تحالفًا أو اتحادًا فيما بينها؟

يرى كثيرون أن ذلك أمر ممكن في الوقت الحالي. ألا يبدو لكم منطقيًا وسهلًا أن تبدأ هذه الوحدة من دائرة صغيرة، ثم تتوسع لتشكل حلقة أكبر؟

يجب أن يكون تشكيل هذه الحلقات مبنيًا على التنمية والمنافع الاقتصادية والتعاون في الصناعات الدفاعية؛ لأن الاتفاق في العالم الإسلامي على القضايا المذهبية والعقائدية والفقهية أكثر صعوبة. ينبغي ترك هذه المسائل لعلماء الدين، والتركيز على إقامة تحالفات وحلقات في المجالات التقنية التي تعود بالنفع على الشعوب.

تحالف دجلة والفرات

ينبع نهرا دجلة والفرات من وسط تركيا ويتدفقان جنوبًا ليشكلا أراضيَ خصبة ومدنًا مزدهرة. ينبع نهر دجلة من مدينة إلازي (العزيز) في تركيا، ويمر عبر مدن باتمان، وديار بكر، وماردين قبل أن يدخل العراق. وفي العراق، يعبر النهر عبر مدينتي الموصل، وبغداد، ثم يلتقي بنهر الفرات في البصرة، ويصبّان معًا في الخليج العربي.

أما نهر الفرات، فينبع من أقصى شرق تركيا، وتحديدًا من مدينة آغري، ويمر عبر إلازي، وغازي، عنتاب، وأورفا، ثم يدخل سوريا، فيمر بعين العرب، والرقة، ودير الزور، قبل أن يدخل العراق ويلتقي بدجلة ليشكلا معًا "شط العرب" الذي يصب في الخليج العربي.

وكما قال ابن خلدون: "الجغرافيا قدر"، فكما تتلاقى الأنهار وتتوحد لتصب في البحر، كذلك تتلاقى الشعوب والثقافات وتتداخل لتشكل كيانًا واحدًا.

لهذا السبب، تتشابه مدن مثل غازي عنتاب، وحلب، وماردين، والموصل، حيث اختلطت الشعوب وتأثرت ببعضها البعض عبر التاريخ. هذه الفكرة هي التي استند إليها سزائي كاراكوتش عندما طرح فكرة "اتحاد دجلة والفرات الإسلامي".

ما الذي يمنع الدول التي تجتمع مياه أنهارها من أن تتوحد سياسيًا؟ هذه الدول التي تشترك في الدين والثقافة والتاريخ، بحاجة اليوم إلى تأسيس "تحالف دجلة والفرات" في ظل التحوّلات الجيوسياسية الراهنة. وهذه الشعوب التي تتقاسم المياه، وتعيش على أرض واحدة، وتتشارك المصير ذاته، ينبغي أن تتوحد ضمن كيان مشترك، ليكون اللبنة الأولى لتشكيل تحالفات أكبر وأوسع.

يمكننا اليوم تأسيس تحالف دجلة والفرات، وقد يتوسع في المستقبل ليصبح تحالف دجلة والنيل. العائق الرئيس الذي يقف في الطريق هو الحواجز النفسية التي تم زرعها في العقول.

إذا لم يتم تجاوز هذه الحواجز وإذابة الخلافات، سيكون من الصعب الصمود في هذه الجغرافيا. من الضروري أن تدرك الحكومات هذه الحقيقة في أقرب وقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق