الثلاثاء، 23 سبتمبر 2025

هذا البرتقالي خطر على العالم

 هذا البرتقالي خطر على العالم

وائل قنديل

لو أردت البحث عن معنى جامع مانع لكلمة الجلافة لن تجد أكثر من دونالد ترامب تعبيراً عن هذه الحالة من الانسلاخ من أيّة مشاعر أو أخلاق إنسانية، واعتماد القرصنة منهجًا للحياة. 

هذا شخصٌ يكره البشر ويُعادي القيم الإنسانية، ويُخاصم التفكير السليم، ويعارك السلم في كلّ مكان، ثم يرى نفسه جديراً بجائزة نوبل للسلام.


هو شخصٌ يحتقر القانون الدولي والإنساني، ولا يطيق وجود معيار واحد إنساني يساوي بين البشر والأمم، إذ لا يعتبر الناس سواء أمام الله والقانون والقيم، بل هناك شعوبٌ أعلى وأخرى أدنى في اعتناق واضح لخرافة الشعب المُختار في الفكر الصهيوني، الذي بات وباءً تُحاربه شعوب العالم الحرّ في كلّ مكان من المعمورة.


في كلمته باجتماع الأمم المتحدة أمس، بدا الرئيس الأميركي وغداً قادماً من عصور الهمجية، لا يعترف بقانون إنساني أو دولي إلا قانونه الخاص، رغبته المجنونة في الهيمنة على العالم هي قانونه الوحيد، وحدود أطماعه هي سقف القيم، والحال كذلك كان لا بُدّ أن يسخر من فكرة وجود منظمّة أممية تكون مظلّة قانونية لكلّ الدول بالتساوي، ويشن هجوماً على هيئة الأمم المتحدة ويسوّق اتهاماته الكاذبة لها، لكي يصل إلى الهدف من دون مواربة: الولايات المتحدة فوق الأمم المتحدة، أو البديل لها، لأنها لا تقدّم للعالم سوى "الكلام الفارغ"، ولا تفعل شيئاً سوى تمويل العدوان على مجتمعات الغرب المُتحضّر المُتفوّق وتهديد أمان "الإنسان الأعلى" بتشجيع هجرة "البشر الأدنى"، أو ربّما لا يراهم رئيس أميركا بشرًا من الأساس.


يغازل ترامب بجلافته الصارخة كلّ متطرّفي اليمين العنصري الفاشي في أوروبا، ويحرّضهم على حكوماتهم التي تسمح بالتنوّع الإنساني داخل مجتمعاتهم، ويوجّه كراهيته إلى عمدة لندن "الفظيع" على حدّ وصفه، ذلك لأنه مسلم ومن أصول هندية، كما أنّه، يا للهول، ليس أبيض، ويدافع عن التنوّع الثقافي والديني في بريطانيا.

 لا يتوقّف مدفع الجلافة البرتقالية عن إطلاق زخّات من الكذب الصريح، من دون أن يهتزّ له جفن! 

فهو الذي أنهى سبع حروب دامت أكثر من 30 عامًا، مُعدّداً أمثلة منها حرب "إيران- إسرائيل" وحرب "مصرـ إثيوبيا". 

يتكلّم عن ذلك بيقين، وكأنه يفترض أنّ المستمعين مجموعة من البلهاء والأغبياء، فالحرب على إيران كانت عدواناً أميركيّاً إسرائيليّاً من ألفها إلى يائها، هو الذي أشعلها وخاضها بكامل أسلحة الترسانة العسكرية الأميركية، وتفاخر بما اعتبره انتصاره الساحق على طهران، مُعترفاً بالمشاركة الكاملة مع جيش الاحتلال الصهيوني. ولم تكن ثمّة حرب مصرية إثيوبية، بل لم تعرف الأمور بين الطرفين قَط التلويح بالخيارات العسكرية.

 "عملنا على وقف حروب كثيرة في العالم، ولا بُدّ أن أحظى بجائزة نوبل للسلام، لكن لا يهمني الحصول عليها، يكفيني الأطفال الذين سيترعرعون بسلام بعد أن أنهيت حروباً دامت تلاتين عاماً" يقول ترامب، بينما تشهد عليه جثث نحو ثلاثين ألفاً من أطفال غزّة شهداء همجيته ووحشيته وانخراطه الكامل في العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزّة.

مرّة أخرى، هذا رئيس يُعادي الطبيعة، ويُحارب التنوّع الإنساني ويريد إعادة صياغة خرائط الإنسانية على طريقته الخاصة، مُشجّعاً على كلّ أشكال الإبادة والمحو، وينتج طوال الوقت خطاباً مُحرّضاً على كراهية البشر الذين يصوّر له عقله الفاشي أنهم أدنى مرتبة على سلم الإنسانية، ولذلك ليس أخطر على العالم وعلى أميركا منه وتصوّراته الهمجية عن الوجود الإنساني، حيث كلّ المهاجرين أعداء للحضارة وخطر على القيم الغربية، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تأسّست على المهاجرين، القادمين من كلّ مكان، ليشكّلوا، معاً، الحلم الأميركي في التعايش والبناء والتحضّر والقوّة، من دون أن تغلق هذه القارّة أبوابها في وجه أحد، بل تقول دوماً: هل من مزيد من القادمين!

والذين صنعوا مجد أميركا، أيضاً، مزيج مُدهش من الثقافات والأعراق والألوان والديانات، لا فضل لأحدٍ على أحد، إلا بالعلم والتفوّق والنبوغ في العمل، ومن ثم تبدأ هذه القارّة في التحلّل، إن هي استسلمت لما يريده لها دونالد ترامب، بحيث تصبح، من جديد، غاباتٍ مفتوحةً تتصارع فيها وحوش العنصرية والإبادة والإقصاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق