الخميس، 25 سبتمبر 2025

تومي روبنسون وصعود الإسلاموفوبيا في بريطانيا

تومي روبنسون وصعود الإسلاموفوبيا في بريطانيا

كاتب، مدون، باكستاني

مثلت مسيرة "توحيد المملكة"، التي نُظمت في لندن في سبتمبر/أيلول 2025، واحدة من أبرز تجليات حشد اليمين المتطرف في المملكة المتحدة خلال السنوات الأخيرة.

واستقطب هذا التجمع، الذي قاده ستيفن ياكسلي لينون، المعروف على نطاق واسع باسم تومي روبنسون، عشرات الآلاف من المؤيدين، بما في ذلك شبكات من نشطاء اليمين المتطرف من مختلف أنحاء أوروبا.

وقد تجسدت رسالته المحورية في هتافات: "أعيدوهم إلى ديارهم"، وهو شعار موجه ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، مع استهداف واضح للمسلمين بوصفهم "الآخر" الرمزي.

لم تُسلط المسيرة الضوء على استمرارية نشاط اليمين المتطرف فحسب، بل كشفت أيضا عن التطبيع المتزايد للخطابات المعادية للإسلام (الإسلاموفوبيا) في الساحة السياسية البريطانية.

هيأت الظروف الاجتماعية والسياسية لعام 2025 أرضية خصبة لهذا الحشد. فقد أدت مستويات الهجرة القياسية، والضغط الشديد على الخدمات العامة، وفشل الحكومة في التعامل مع ملفات اللجوء، إلى خلق حالة من القلق في المجتمع

البرنامج السياسي لتومي روبنسون

لطالما كان روبنسون شخصية رمزية لليمين المتطرف البريطاني. تقوم صورته العامة على استهداف المسلمين وتصويرهم كتهديد جماعي للأمن القومي والثقافة والتماسك الاجتماعي.

وعلى مر السنين، بنى حملاته على روايات انتقائية عن الجرائم وعصابات التجنيد والإرهاب. فمن خلال تضخيم حوادث معزولة وصياغتها باعتبارها تعبيرا عن الهوية المسلمة، نجح روبنسون في صناعة خطاب يضع الإسلام نفسه في موقع يتعارض مع القيم البريطانية.

وقد عززت مسيرة لندن هذه الرسالة؛ إذ لم تركز اللافتات والخطب والهتافات على الشواغل الاقتصادية أو السياساتية، بل تمحورت حول العداء الثقافي وتصوير الهجرة والإسلام كأخطار وجودية. وهو ما يكشف أن الأجندة الحقيقية لليمين المتطرف لا تتعلق بإدارة الحدود بقدر ما تتعلق بسياسات الهوية المبنية على الخوف من المسلمين.

لماذا لاقت المسيرة صدى؟

هيأت الظروف الاجتماعية والسياسية لعام 2025 أرضية خصبة لهذا الحشد. فقد أدت مستويات الهجرة القياسية، والضغط الشديد على الخدمات العامة، وفشل الحكومة في التعامل مع ملفات اللجوء، إلى خلق حالة من القلق في المجتمع.

غير أن قادة اليمين المتطرف أعادوا توجيه هذا القلق نحو المسلمين. فبدلا من تحليل القضايا الهيكلية كأزمة السكن، أو انعدام الأمن الوظيفي أو ضعف الكفاءة الحكومية، قدم روبنسون وحلفاؤه كبش فداء بسيطا: المسلمين والمهاجرين من الأقليات.

إن اختيار المسلمين هدفا رمزيا لم يكن اعتباطيا؛ إذ أصبحت الإسلاموفوبيا من أكثر أشكال التحيز قبولا اجتماعيا في بريطانيا، وغالبا ما تعززها التغطية الإعلامية المثيرة.

ومن خلال تقديم المسلمين كغرباء، يحول اليمين المتطرف المخاوف الاقتصادية المشروعة إلى عداء ثقافي، فيبدو العداء ضد المسلمين وكأنه دفاع عن الهوية الوطنية، لا شكلا من أشكال التحامل.

تجلت التبعات المباشرة للمسيرة في الشوارع: اشتباكات مع الشرطة، ومواجهات مع المتظاهرين المناهضين، وحوادث ترهيب للمحلات التجارية المملوكة للمسلمين والمساجد في المناطق المجاورة

دور شبكات اليمين المتطرف العابرة للحدود

لم تكن مظاهرة لندن شأنا محليا بحتا. فقد شارك فيها وأيدها متطرفون من أوروبا وأميركا الشمالية، مما يسلط الضوء على وجود شبكة تتجاوز الحدود الوطنية. ويعكس ذلك اتجاها أوسع أصبحت فيه المشاعر المعادية للمسلمين أيديولوجيا موحِدة للحركات اليمينية المتطرفة حول العالم.

هذا البعد العابر للحدود يبين أن مسيرة لندن لم تكن احتجاجا محليا معزولا، بل جزءا من جهد دولي منسق لتصوير المسلمين على أنهم غير منسجمين مع المجتمعات الغربية. وهو ما يعزز حركات اليمين المتطرف، وفي الوقت نفسه يعزل الأقليات المسلمة ويهددها.

التبعات على الجاليات المسلمة

تجلت التبعات المباشرة للمسيرة في الشوارع: اشتباكات مع الشرطة، ومواجهات مع المتظاهرين المناهضين، وحوادث ترهيب للمحلات التجارية المملوكة للمسلمين والمساجد في المناطق المجاورة.

لكن الأعمق من ذلك كان البعد الاجتماعي والنفسي؛ إذ تعزز أحداث بهذا الحجم مناخا من الخوف لدى المسلمين، الذين يشعرون وكأنهم غرباء دائمون في وطنهم.

وبالنسبة للمسلمين البريطانيين -الذين يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين وهم مندمجون بعمق في المجتمع- فإن هذه الرسالة تولد شعورا بالغربة والإقصاء.

فبعيدا عن تصويرهم كمصدر انقسام، يساهم المسلمون في الحياة العامة البريطانية: من هيئة الخدمات الصحية الوطنية والجامعات إلى قطاعات الأعمال والسياسة والصناعات الثقافية.

ومع ذلك، فإن خطاب روبنسون يمحو هذه الحقائق ويختزل المسلمين في "تهديد ديمغرافي"، ما يخلف آثارا طويلة الأمد على صورة المسلمين في التفاعلات اليومية.

يلعب الإعلام دورا محوريا في هذه العملية. فكثيرا ما يتم تضخيم الجرائم التي يتورط فيها مسلمون أو طالبو لجوء، بينما لا تحظى قصص الاندماج الإيجابية بالقدر نفسه من الاهتمام

الإسلاموفوبيا كأداة سياسية

توضح المسيرة كيف تُستَخدم الإسلاموفوبيا كأداة سياسية. فمن خلال استحضار شبح "الأسلمة"، يضع قادة اليمين المتطرف أنفسهم في موقع "المدافعين عن الأمة"، وهو ما يمنحهم القدرة على جذب الانتباه، وحشد المؤيدين، والضغط على الأحزاب الرئيسية لتبني مواقف أكثر تشددا إزاء الهجرة.

وفي كثير من الأحيان، يردد سياسيون من التيارات الرئيسية أجزاء من هذا الخطاب، مما يضفي مزيدا من الشرعية على فكرة أن المسلمين يشكلون إشكالية.

وتكمن قوة هذه الإستراتيجية في بساطتها؛ إذ تختزل التحديات السياسية المعقدة – من أزمة الإسكان إلى الركود الاقتصادي – في سردية صراع ثقافي.

ومن خلال تصوير المسلمين كوجه مرئي لهذه المشاكل، يقدم اليمين المتطرف تفسيرا عاطفيا مؤثرا يتردد صداه لدى شرائح واسعة من الجمهور.

التضخيم الإعلامي والتصور العام

يلعب الإعلام دورا محوريا في هذه العملية. فكثيرا ما يتم تضخيم الجرائم التي يتورط فيها مسلمون أو طالبو لجوء، بينما لا تحظى قصص الاندماج الإيجابية بالقدر نفسه من الاهتمام.

كما تسهم منصات التواصل الاجتماعي في تكبير الروايات المثيرة، مما يمكن جماعات مثل روبنسون من تجاوز "حراس البوابة" التقليديين والوصول مباشرة إلى جماهير واسعة.

لقد أظهرت مسيرة لندن كيف تعمل هذه الديناميكيات عمليا؛ إذ وُلد الزخم من أسابيع من الحملات عبر الإنترنت ومقاطع الفيديو سريعة الانتشار والمزاعم المبالغ فيها حول "التهديد" الذي يشكله المهاجرون، لينتهي بحشد جماهيري واسع.

وهكذا طُمست الحدود بين التضليل الرقمي والتعبئة الميدانية، وكان المسلمون أكثر من دفع ثمن هذا العداء.

يلخص الشعار الرئيسي للمسيرة: "أعيدوهم إلى ديارهم"، بساطة وقسوة سياسات اليمين المتطرف في آنٍ واحد. فهو يفترض أن المسلمين، بغض النظر عن جنسيتهم أو تاريخهم أو مساهماتهم، أجانب لا ينتمون إلى هنا

تداعيات أوسع على المجتمع البريطاني

مع أن المسيرة استهدفت المسلمين، فإن تداعياتها طالت المجتمع بأسره. فمن خلال تصوير دين كامل كتهديد، تقوض حركات اليمين المتطرف مبادئ المساواة والتعددية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي في بريطانيا.

ويغذي هذا النوع من الحشد الانقسام، ليس فقط بين المسلمين وغير المسلمين، بل بين مناطق وطبقات وفئات سياسية مختلفة.

وتكون العواقب وخيمة بشكل خاص على التماسك الاجتماعي؛ إذ إن المسلمين الذين يشعرون بالتهميش والشيطنة يكونون أقل ميلا للثقة في مؤسسات الدولة، في حين يزداد شك أو عداء غير المسلمين تجاه جيرانهم المسلمين. وهكذا تُسهم المسيرة في حلقة من عدم الثقة تُضعف نسيج المجتمع.

الحقيقة وراء الشعارات

يلخص الشعار الرئيسي للمسيرة: "أعيدوهم إلى ديارهم"، بساطة وقسوة سياسات اليمين المتطرف في آنٍ واحد. فهو يفترض أن المسلمين، بغض النظر عن جنسيتهم أو تاريخهم أو مساهماتهم، أجانب لا ينتمون إلى هنا.

غير أن الواقع مختلف تماما؛ فالمسلمون البريطانيون مواطنون، كثير منهم وُلدوا ونشؤوا في المملكة المتحدة، ولهم جذور عميقة في مجتمعاتهم. "ديارهم" هي بريطانيا.

وبذلك، تكشف المطالبة بـ"إعادتهم إلى ديارهم" عن المنطق الإقصائي الكامن وراء فكر اليمين المتطرف: استبعاد المسلمين ليس بسبب سياسات أو أرقام المهاجرين، بل بسبب هويتهم ذاتها. إنه ليس نقاشا حول إدارة الحدود، بل محاولة لإعادة تعريف من يُعتبر بريطانيًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق