الجمعة، 26 سبتمبر 2025

لا للاعتراف بفلسطين!

لا للاعتراف بفلسطين!

يوسف الدموكي
صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام بجامعة مرمرة

ابتهاجات، واحتفالات، وفوضى أممية عارمة، ضجيج في القاعة، مباركات بين الساسة، ومهرجانات فوق الطاولات، البعض يكاد يرقص لأصحاب الفخامة والسمو على الترابيزة، فالحدث جلل؛ بريطانيا التي سلّمت فلسطين لعصابات من اللصوص وقطّاع الطرق تعترف بتلك الأرض التي سلّمتها وأهلها لمجازر ذبح أهلها بالسكاكين، وبلدان أخرى، بقصد ومن دون قصد، تظنّ الاعتراف بما هو مُعترف به إنجازًا، كأن تقول إنني أعترف أنّ هذا الجبل جبل، وهذا النهر نهر، بغضّ النظر عن تسميم مياهه، وقتل أسماكه، والفتك بغواصيه، وتدمير البيوت القائمة على ضفافه ونواصيه، لكنني بالنهاية أعترف بالحدود، والجغرافيا، من دون اعتراف بالتاريخ، سأعترف بالأراضي ما بعد احتلالها، ولكن بشرط، أن نُسقط اعتبار أنها محتلة من الحسبان أصلًا.

وماذا عن سكان هذه الـ"فلسطين" التي اعترفتم بها من باب نكايات سياسية، أو امتصاص لأزمات داخلية، أو احتواء لجموع غاضبة ستؤثّر على انتخاباتكم القادمة؟ 
ماذا عن الفلسطينيين؟ 
أهل تلك الأرض التي عمرها عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، فيما تعترف بها دول وممالك عمرها قرون قصيرة؟ لا بأس بهم؟ بإبادتهم؟ 
ذلك شرط الاعتراف، أن نرسم خطًا حول المحرقة، ثم لا نبالي بالمحترقين بين حدوده، أن نقبّل أقدام الطبشور ونغضّ الطرف عن الآدمي المنتهك، أن نضع أصابعنا على الخريطة، بينما أصابع اليد الأخرى على عيوننا، تلك حيلة مناسبة لتخدير هؤلاء الحمقى جميعا، لا بأس أن يعترف نتنياهو نفسه بنفسه بفلسطين، بشرط أن يدع العالم فلسطين وشأنها، وشأنه.

تُهدم المآذن والقباب ثم يصلّون تحت خيالها، يرسلون السلاح بيدٍ ويكتبون الاعتراف بيد أخرى


ثم هذه الدولة المُعترف به، سنلحقها بنعت آخر، اسمح لي، اسمحوا لنا أيّها السكان المبادون عن بكرة أبيكم، ومع احترامنا لأبيكم، أن تكون دولة "فلسطينية"
.. ها؟ ماذا؟ "منزوعة السلاح"؟ نعم؟ 
أجل، هكذا سيكون الاعتراف، سأعطيك قطعة من أرضك، وأسلبك معظمها، ثم تلك القطعة الضئيلة ستكون كخرقة بالية، بلا سيادة، أي مارٍّ بها يستطيع أن يحوّلها إلى أيّ شيء يريد، قميصًا أكمامه في تل أبيب، أو بنطالًا تواري به سوءة بريطانيا، أو أدنى من ذلك للمتخاذلين العرب، دولة "منزوعة الكرامة"، منزوعة الإنسان، منزوعة الدولة، وبمعادلة حسابية بسيطة، سنطيّر البسط مع المقام، سنحذف "دولة" مع "سلاح"، لأنه كما تعلم لا أرض بلا شرف عسكري، ولا حدود بلا جنود يحمونها، فحينها لن يتبقى من جملة "دولة فلسطينية منزوعة السلاح" أي حرف، ربما قد تنسى بعض الحركات سهوًا؛ "الكسرة" مثلا!

ولذا، بعيدًا عن اعتبارات السياسة، واعتبروها جعجعةً في قاعة خلفية موازية للأمم الساقطة، حيث يُقتل الإنسان ويمشون في جنازته، حيث يُحرق البيت ويرفعون صوره، حيث يُهتك عرض العلم ثم يلفونه فوق الجسد المسجَّى، حيث تُهدم المآذن والقباب ثم يصلّون تحت خيالها، حيث يرسلون السلاح بيدٍ ويكتبون الاعتراف بيد أخرى، وأي يدٍ تلك التي سيكون له اعتبار بينهما؟ 
حيث يعترفون بفلسطين الذكرى، فلسطين الشيء، فلسطين اللفظ لا المعنى، فلسطين الخطوط المتقاطعة لا الإنسان المُمزّق، فلسطين التي تشبه كلّ شيء عدا فلسطين، فلهم فلسطينهم، ولنا فلسطين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق