طرف الخيط
أين أنتِ.. يا أمريكا؟!
|
| |||
هل للإعلام العربي موقف واضح مفهوم.. من التدخل الامريكي؟
وهل يمكن فهم موقف المثقفين والاعلاميين من هذا الامر؟ فقدامتلأت الصحف العربية بأسوأ الانتقادات ضد الولايات المتحدة، بمناسبة حلول الذكرى العاشرة لتدخلها في العراق عام 2003، واسقاط نظام الرئيس المقبور. ولكن الصحف نفسها تهاجم أمريكا لامتناعها عن التدخل في سورية لاسقاط نظامها، وتخليص الشعب السوري من العذاب. نحن في الكويت ندرك مدى ارتجالية هذا الاعلام، واسفافه احيانا، وعدم استيعابه لاي درس، لكثرة ما يعانيه من علل وتدخلات. وقد جربنا تسرعه وانحيازاته الظالمة في اغسطس 1990، وعدم قدرته على التخلص من امراضه الموروثة وجريه خلف الحماس القومي والديني على حساب الدقة وفهم الحقائق واعتبارات الحقائق والقوانين الدولية، وهي حقائق لا تكاد تعني شيئا للاسف لدى بعض الاعلاميين والمثقفين الكبار الذين ابتلي بهم هذا الاعلام. وهو بالطبع نفس الاعلام الذي اغرقوه عبر سنوات طوال بنظريات المؤامرة والمصالح والبترول والتواطؤ ومخططات الهيمنة.. واكتشاف الوثائق السرية!
لا احد يعرف سر هذا التحول الاعلامي العربي!
فكيف كان التدخل الامريكي لتحرير الكويت ولاسقاط صدام جريمة امبريالية لا تغتفر، بنيما نرى الاعلام نفسه على اتم استعداد للاشادة بالدور الامريكي التحريري المنشود، ان قرار اسقاط النظام السوري، الذي عرف قوميا بانه رمز الممانعة ودرع المقاومة، وحامي حمى بيضة فلسطين والعروبة وأقدس الاسرار! عناوين الصحف تحث أمريكا، ربما للمرة الاولى في العالم العربي، على التدخل العسكري لاسقاط النظام في دولة عربية محورية: «تأرجح الموقف الامريكي يطيل المأساة السورية»، و«سياسةالتدخل: أمريكا لا تريد، أوروبا لا تستطيع».. هذه مجرد نماذج للعناوين المنشورة. هل ينبغي للولايات المتحدة ان تتدخل مهما كان الثمن، ومهما كان حجم اصطدام مصالحها مع روسيا والصين وغيرها، ومهما ازدادت الفجوة بينها وبين ايران حول الملف النووي، ومهما كانت اولويات دولة عظمى مثل امريكا على الصعيد الشرق - أوسطي والدولي؟ ومهما كان وضعها الداخلي؟ نحن جميعا بالطبع نتمنى ذلك. فلقد ساهمت امريكا ودول الغرب في تحرير الكويت ومسلمي البلقان والافغان والشعب الليبي الذي لم يكن يحلم يوما بقدرته على الخلاص من القذافي، احد اشرس وحوش المنطقة. ولكن هل يمكن للتحرك الامريكي ان يكون كما نشتهي ونريد، مهما تعقدت الامور بعد ذلك؟ لا يبدو مثلا ان الغرب يمكن التدخل بسهولة عندما تقول الولايات المتحدة «لا».
مشاعري الخاصة، يقول صحافي بريطاني، «بأننا يجب ان نفعل
شيئا في شأن سورية او مالي او منطقة المغرب، لكن ما يثير قلقي هو غياب اي نوع من الاستراتيجية. التدخل هو الجزء الاسهل، ولم اسمع من يقدم اجابة جدية عن السؤال: وماذا بعد؟» (الحياة، 2013/2/13).
ان اوروبا، يضيف «فيليب ستيغنز» في المقال نفسه، تفتقر الى
الوسائل، وفي عالم لا يودُّ فيه الامريكيون التدخل، يعجز الاوروبيون عن التعامل مع صراعات لا حصر لها، وامكنة لا يمكن التحكم بها في الشرق الأوسط وأفريقيا». ان فرنسا مصدومة من تقصير الولايات المتحدة وعدم التفاعل كما يجب مع مجهودها الحربي في جمهورية مالي، حيث كان عرض البيت الابيض لتأجير طائرة شحن من طراز c160 يبلغ خمسين ألف دولار في الساعة. اما المسؤولون الامريكيون، فيقدمون رواية مختلفة حول هذه الطائرة ومشكلة تزويد المقاتلات الفرنسية بالوقود جواً. وهم يقولون ان الفرنسيين الذين يفتقرون بشكل محبط الى التجهيزات، لم يجروا مشاورات مسبقة حول العملية، وارادوا دفع واشنطن الى تقديم دعم عسكري مفتوح. بعد مرور سنتين على الثورة، تتذمر بعض الصحف الغربية قائلة: «لاتزال الحرب الاهلية السورية تعاني جمودا استراتيجيا». وقد اخفقت حتى الان في السيطرة على مناطق سكانية ذات ثقل، مما يثبت ان قوات النظام المجهزة بشكل افضل لم تفقد قدرتها على القتال او استعدادها لمواصلته. (الجريدة، 2013/2/21) وتريد القوى الغربية رحيل الاسد، غير انها لا ترغب في ان يستبدل بمن يقودون الثورة المسلحة حاليا في سورية، خصوصا ان كثيرين منهم يعادون مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، كما ان الكثير من المكاسب التكتيكية الاهم التي حققها الثوار تعود الى مجاهدين امثال «جبهة النصرة»، وهي جماعة تصنفها الولايات المتحدة «منظمة ارهابية دولية تابعة لتنظيم القاعدة». ولكن السوريين لا يرون جبهة النصرة من هذه الزاوية، وحتى أحمد معاذ الخطيب، زعيم الائتلاف الوطني السوري الذي يدعمه الغرب يرفض هذا التصنيف، ويشدد على ان عمل هذه الجبهة «ضروري لتحقيق الانتصار» على الاسد.
من جانب آخر، لا تزال الاقليات السورية الاساسية تعتبر الثورة
تهديدا مميتا لها، كما اثبتت القاعدة في العراق، ولا احد من هذه الاقليات يريد تجربة حظه مع «جبهة النصرة»، وليدة القاعدة وملهمتها، في سورية.
وحتى لو انهار النظام في دمشق، يقول بعض المحللين
الغربيين، فمن المستبعد ان ينهي ذلك الحرب الاهلية التي تهدد بقاء الدولة السورية..
وهكذا يستمر عذاب الرجال والنساء والاطفال! كم هو محزن
ومؤلم وضع الشعب السوري في الداخل والخارج، خلال هذه المرحلة. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق