اسم الكتاب : تعطيل الديمقراطية.. مخططات التحالف الأمريكى-المصرى
اسم المؤلف: جاسون براونلى
الناشـــر: إصدارات جامعة كامبريدج
بلد النشـر: نيويورك – الولايات المتحدة الأمريكية
لغة النشـر: الإنجليزية
سنة النشـر: 2012
نبذة عن المؤلف:
جاسون براونلى: هو أستاذ بجامعة تكساس فى ولاية أوستن الأمريكية. وقد قام بالعديد من الزيارات لمصر حيث أجرى العديد من الأبحاث على مدار 17 عامًا. وتنشر أبحاثه وكتاباته فى العديد من الدوريات العلمية المرموقة. كما عمل أيضًا باحثًا زائرًا بمركز وودرو ويلسون الدولى للباحثين.
ومن مؤلفاته كتاب: "سلطاوية فى عصر الديمقراطية" (كامبريدج 2007).
العرض العام
يقع الكتاب فى 279 صفحة من القطع المتوسط ويضم خمسة فصول بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة.
يتناول المؤلف من خلال كتابه هذا العلاقات الأمريكية-المصرية منذ منتصف السبعينيات تقريباً حتى الآن، وتأثير هذه العلاقات على أوضاع الديمقراطية فى مصر ومدى تدخل أهداف السياسة الخارجية الأمريكية فى عملية صنع القرار المصرى على المستوى المحلى والخارجى.
ويقدم المؤلف من خلال هذا الكتاب عرضًا وافيًا للتحالف الأمريكى- المصرى وعواقبه على التحول الديمقراطى فى مصر، فيوضح كيف أن أهداف السياسة الخارجية الأمريكية ساعدت على توطيد العلاقات بين واشنطن وحكام مصر المستبدين وهى العلاقات التى استمرت حتى بعد اندلاع ثورات الربيع العربى والتى ما زالت تعوق عملية التحول الديمقراطي. ويؤكد المؤلف من خلال هذا الكتاب على أن المسئولين الأمريكيين طالما أكدوا أن الأهداف الجيوسياسية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط تتطلب حكومات مستبدة تستطيع تبنى سياسات تتعارض مع الرأى العام المحلي، وهو ما يتنافى مع المفهوم الشائع أن الولايات المتحدة تعمل على نشر الديمقراطية فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
ويعرج المؤلف من هذا المنطلق إلى الأسباب الحقيقية وراء قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير والخلفية السياسية والاجتماعية التى شكلت الأساس الحقيقى لقيام الثورة فى مصر وكذلك أسباب إخفاق الثورة فى تحقيق أهدافها الحقيقية والتى نادت بها منذ اليوم الأول لقيامها وعلى رأسها إقامة الديمقراطية وتشكيل حكومة تعبر بالفعل عن نبض الشعب المصرى إلى جانب الدور الذى قام به المجلس الأعلى للقوات المسلحة أثناء توليه زمام الحكم فى البلاد أثناء الفترة الانتقالية.
ويسعى الكاتب من خلال هذا الكتاب إلى تفسير كيف أن المصريين الذين قاموا بثورتهم فى الخامس والعشرين من يناير وشاركوا فى جمعة الغضب تمكنوا من تحقيق نصر سياسى لم يتمكنوا من تحقيقه فى خريف الغضب عام 1981، وتوضيح لماذا تمكن الثوار من تغيير حاكم ولكنهم لم يستطيعوا تغيير نظام الحكم.
فعلى الرغم من أن نظام مبارك لم ينهار بالكامل فى اليوم الأول من الثورة وهو جمعة الغضب، وعلى الرغم كذلك من عدم وجود انقسامات داخل الدولة المصرية إلى جانب توافر الدعم الدولى للنظام الحاكم فى مصر، إلا أن المتظاهرين تمكنوا من التغلب على قوات الأمن المصرية مما يعنى أن الحشد الشعبى، وليس الانقسامات داخل النظام الحاكم فى مصر، كان هو المحرك الحقيقى للثورة.
وعلى الرغم من أن الثورة فى نهاية المطاف لم تتمكن من تغيير النظام الحاكم بسبب تدخل الجيش وسيطرته على الموقف أثناء الفترة الانتقالية، إلا أن هذه الثورة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك قدرة الحشد الشعبى فى مصر على تحدى أركان الحكم السلطوى الذى استمر لفترات طويلة فى حكم البلاد. وفى الوقت نفسه يتناول بالشرح والتحليل المعوقات القديمة والمعاصرة التى حالت دون إرساء الديمقراطية فى مصر والتى تمثلت فى الدولة البوليسية التى أقامها السادات ووطد أركانها مبارك وساندتها واشنطن.
فيوضح المؤلف فى الفصل الأول من الكتاب كيف أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية فى الشرق الأوسط فى مرحلة ما بعد 1973 توطدت دعائمها بفضل سياسة القهر والاستبداد التى اتبعها الحكام فى مصر. فمن خلال السياسة السلطوية فى مصر تمكن السادات من ضمان التوصل لاتفاق سلام ثنائى مع إسرائيل ودعم لوجيستى مضمون للبنتاجون. وقد وصلت هذه الصيغة التى تجمع بين الدبلوماسية الخارجية والأمن الداخلى إلى ذروتها فى خريف الغضب واغتيال الرئيس السادات.
أما الفصل الثانى من الكتاب فيتناول العلاقات الأمريكية - المصرية فى فترة حكم مبارك وإبان نهايات الحرب الباردة وبداية فترة ما بعد الحرب الباردة. ففى الوقت الذى قام فيه مبارك بتقديم الدعم لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومساعدتها فى القبض على أفراد الجماعات الإسلامية المسلحة خارج مصر، قام بسحق المعارضة داخل مصر.
ويشرح الفصل الثالث كيف قام البيت الأبيض فى عهد الرئيس بوش بتعزيز التعاون فى مجال المخابرات حتى فى الوقت الذى كان فيه قادة البلدين يتساءلون من سيتولى الحكم فى حالة تخلى مبارك عن السلطة أو فى حالة وفاته، ويضمن استمرار علاقات التعاون بين الجانبين فى المجال الأمنى، كان مبارك وابنه جمال يخططان لعملية توريث الحكم.
ويتناول الفصل الرابع بالشرح والتحليل الضغوط التى مارسها الكونجرس الأمريكى على النظام الحاكم فى مصر بعد الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وكيف أن الكونجرس هدد بقطع جزء من المعونة العسكرية السنوية التى تقدمها واشنطن لمصر والتى تبلغ 1.3 مليار دولار سنوياً. فقد نجحت الإدارة الأمريكية، مستخدمة سلاح المعونة، فى إقناع وزارة الدفاع المصرية بالعمل على إحباط عمليات تهريب الأسلحة التى تتم عبر الأنفاق إلى قطاع غزة والتى تشكل تهديدًا لأمن إسرائيل فى المناطق الجنوبية.
وفى الفصل الخامس يقوم المؤلف بعرض ما أسماه بطوفان المعارضة الذى واجه مبارك والذى بدأ مع السنوات الأخيرة لإدارة الرئيس بوش واستمر خلال فترة حكم الرئيس أوباما. ومثلما كان الحال مع السادات، دفع مبارك ثمن سياساته الخاطئة ونزواته السياسية حيث كان انتشار الفقر وتزوير الانتخابات إلى جانب الممارسات الوحشية لرجال الشرطة ضد المواطن المصرى هى المحرك الرئيسى الذى أدى إلى اندلاع انتفاضة شعبية أطاحت به من الحكم ودفعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى التعهد بالشروع فى التحول الديمقراطى. كذلك مثلت الثورة تهديدًا باحتمال انحسار النفوذ الأمريكى عن مصر. فقد كانت آثار الإطاحة بمبارك من الحكم على تحقيق الديمقراطية فى مصر متوقفة على قدرة القيادة الجديدة فى البلاد على التعامل مع العلاقات المصرية مع الجانب الأمريكى فى المجال الأمنى وأثر ذلك التعاون على الصعيد المحلى.
ويستخلص المؤلف فى الخاتمة الدروس المستفادة من الكتاب ومنها أن التعاون بين السادات وكارتر وبيجين فى الأدبيات الدبلوماسية أصبح نموذجًا يحتذى به فى حل الصراعات وخطوة متقدمة نحو تحقيق الديمقراطية فى مصر. وعلى الرغم من ذلك، لم يؤد صنع السلام والتحول الديمقراطى فى مصر أثناء فترة حكم السادات إلى الاستقرار وظل الوضع على هذا الحال منذ ذلك الحين وحتى الوقت الحالى لأن السياسة الإقليمية التى تتبناها كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر تتعارض مع أحلام وطموحات العديد من أبناء الشعب المصرى.
ويوضح أن دعاة الديمقراطية فى الولايات المتحدة كانوا ينادون باستغلال العلاقات الأمريكية-المصرية فى المجال الأمنى لممارسة النفوذ الأمريكى على السياسات الداخلية للحكومة المصرية، بينما كان هناك من المسئولين الأمريكيين من ينادى باستخدام الضغوط من أجل القيام بإصلاحات سياسية فى مصر بهدف ممارسة نوع من النفوذ فى مجالى الأمن والسياسة الخارجية المصرية.
فالكتاب، كما يصفه كاتبه، يعتبر دراسة وافية تتناول بالشرح والتفصيل كيف ولماذا ساندت الولايات المتحدة الأمريكية النظام الحاكم فى مصر خلال ممارسته لسياساته القمعية ضد شعبه ثم انهيار هذا النظام مع اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير.
قراءة بقلم : مؤمن الهباء
بروفيسور «جاسون براونلي» يكشف: الدور الأمريكي ضد الديمقراطية في مصر علاقة «مبارك» مع الأمريكيين تحولت من التعاون الإستراتيجي إلى التعاون المخابراتي تحت رعاية «عمر سليمان»في الجزء الأول من كتابه «تعطيل الديمقراطية: مخططات التحالف الأمريكي - المصري»، عرض البروفيسور «جاسون براونلي»، الأستاذ بجامعة تكساس الأمريكية، للدور السلبي الذي مارسته الإدارة الأمريكية في تدعيم سلطة الرئيس المصري الأسبق «أنور السادات» الاستبدادية ضد معارضيه، مقابل انخراط «السادات» في حماية الأهداف والمصالح الإستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط، وقد انتهى دور «السادات» باغتياله بعد توقيعه اتفاق سلام منفرداً مع «إسرائيل»، متحدياً المشاعر الدينية والقومية والوطنية للشعب المصري.
وفي الجزء الثاني الذي نعرض له هنا، يتناول «براونلي» الدور الذي مارسته الإدارة الأمريكية في تكريس استبداد وفساد نظام «مبارك» حتى فوجئت بالثورة الشعبية العارمة التي خرجت تنادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في الخامس والعشرين من يناير 2011م.
يقول «براونلي»: إن «مبارك» بدأ فترة حكمه باتباع سياسة خارجية تتسم بالحذر، حيث تعاون مع الإدارة الأمريكية ومع «إسرائيل»، وفي الوقت ذاته أعاد جسور العلاقات مع الدول العربية دون أن يتجاهل الرأي العام المصري، إلا أنه وبمضي الوقت وامتداد فترة حكمه للبلاد، بدأ «مبارك» يتبع نفس الوسائل القمعية التي اتبعها سابقوه في التعامل مع شعبه.
وبعد هدنة قصيرة دخل «مبارك» في حرب مفتوحة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة مع معارضيه الإسلاميين الذين حاول حصـارهم وإقصاءهم وعزلـهم عن المجتمع المصري، وأطلـق عليهم وصف «الإرهابيين»، وأعلن حالة الطوارئ من أول يوم حتى يتمكن من القبض على معارضيه دون محاكمات، ويمنع حركات الاحتجاج من التظاهر، ويحظر النشاط الحزبي الحقيقي، ويزور الانتخابات والاستفتاءات، بل وصل به الأمر إلى قتل معارضيه الإسلاميين في الشوارع بعد مطاردتهم. وبعد عملية تفجير مركز التجارة العالي عام 1993م، قامت واشنطن بالتعاون مع «مبارك» في حربه ضد من أسماهم بالإرهابيين، وتحت رعاية رئيس المخابرات المصرية «عمر سليمان» الذي عُين مديراً لجهاز المخابرات في العام نفسه 1993م، بدأت الأجهزة الأمنية الأمريكية والمصرية في القبض على المشتبه فيهم، وإرسالهم إلى مصر، حيث تقوم السلطات المصرية باعتقالهم وتعذيبهم، وفي بعض الأحيان إعدامهم، وبدأت هذه الإجراءات الاستثنائية تشكل جوهر العلاقات بين البلدين، والتي تحولت من التعاون الإستراتيجي إلى التعاون المخابراتي، في الوقت الذي بدأت فيه السياسة القمعية في مصر تشدد قبضتها على الشعب، وبينما أصبحت فترة حكم «مبارك» هي الأطول في تاريخ البلاد، بدأت الأجهزة الأمنية تشكل جزءاً لا يتجزأ من السياسة الأمريكية.
يقول «براونلي»: إن إدارة الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون» أسندت دوراً أكبر لجهاز المخابرات المصرية في حملتها ضد ما أسمته بـ«الإرهاب الإسلامي»، وكان هذا الجهاز في السابق أداة للتجسس الخارجي، ولكنه تحت قيادة «عمر سليمان» بدأ يضطلع بدور أكبر في حماية الأمن الداخلي، ومع نهاية عام 1993م فاق عدد المعتقلين الذين تم إلقاء القبض عليهم في عهد «مبارك» الأعداد التي اعتقلها «السادات»، حيث وصلت تلك الأعداد إلى ما يقرب من 19 - 25 ألف شخص، كما راح حوالي 1106 أشخاص، منهم حوالي 100 من المدنيين، ضحايا الحرب التي شنتها السلطات المصرية ضد الجماعات الإسلامية في ذلك العام، وفي ظل هذه الأجواء القاتمة، تمكن «مبارك» من الفوز بفترة رئاسية ثالثة لمدة ست سنوات في استفتاء شعبي بنتيجة وصلت إلى 96.3%، وعلى الرغم من دعاوى إدارة «كلينتون» بالسعي لنشر الديمقراطية، فإن الإدارة الأمريكية ساندت السياسات القمعية التي اتبعها «مبارك».
وفي عام 1995م انضمت الولايات المتحدة علناً إلى حرب «مبارك» ضد الجماعات الإسلامية المسلحة بعد الهجمات التي شنتها تلك الجماعات على السائحين الوافدين إلى مصر منذ 1993م؛ مما أدى إلى تدمير الاقتصاد المصري، وقد بلغت الجماعات المسلحة ذروة نشاطها المسلح في 26 يونيو 1995م حين حاولت اغتيال «مبارك» في أديس أبابا أثناء زيارته لإثيوبيا، ومنذ ذلك الحين بدأ «مبارك» يبدي اهتماماً مبالغاً فيه بالإجراءات الأمنية، حيث انعزل تماماً في مدينة شرم الشيخ، وقام بتكميم الصحافة والمجتمع المدني، ولم يبدِ أي تسامح أو تهاون مع الإسلاميين، وتمكن فعلاً من إقصاء جميع معارضيه الذين لم يتبنوا العنف كوسيلة للتعبير عن مواقفهم، وفي الوقت ذاته قام «عمر سليمان» بشن حرب لا هوادة فيها ضد الجماعات الإسلامية، من خلال اعتقال وقتل قياداتها ومحاربيها المخضرمين.
وبينما بدأت حدة التمرد المسلح داخل مصر تهدأ، قامت الولايات المتحدة بشن حرب شعواء ضد الجماعات الإسلامية المسلحة، فقبل أيام من محاولة اغتيال «مبارك» في أديس أبابا، أصدر «كلينتون» قراراً رئاسياً بتعريف الإرهاب على أنه تهديد للأمن القومي الأمريكي الذي يقتضي محاربته بكل الوسائل المتاحة، وشمل القرار تطبيق إجراءات استثنائية تتضمن اعتقال أي «إرهابي» مشتبه فيه، وترحيله إلى دولة ثالثة بدون أي إجراء قانوني، وبدأ تنفيذ هذا القانون بإمداد مصر بطائرات نفاثة ورجال مخابرات للمساعدة في القبض على أعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة في الخارج.
أدت هذه الإجراءات الاستثنائية بطبيعة الحال إلى وجود صلة وثيقة بين الولايات المتحدة والسياسات القمعية التي تبناها كل من «السادات» و«مبارك»، والتي كان من نتائجها ظهور جيل جديد من الإسلاميين المسلحين، وجاء رد الجماعات الإسلامية المسلحة على هذه الإجراءات من خلال تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام، والذي أدى إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف.
يشير المؤلف إلى أنه في تلك الفترة بدأ الدور الإستراتيجي للجيش المصري في التراجع، إلا أنه اتجه إلى تنفيذ مشروعات اقتصادية، وبدأ عمليات تصنيع واسعة ومشروعات زراعية كبيرة، وكانت عوائدها الاقتصادية بعيدة عن الأجهزة الرقابية في مصر، وهكذا أصبح الجيش يتمتع بميزانية ضخمة جعلته مصدراً من مصادر الاستثمار داخل النظام الحاكم، وبدأ الفساد ينتشر في الاقتصاد المصري، على الرغم من أنه بدا وكأنه يمر بمرحلة انتعاش وازدهار، فقد شجعت إعفاءات الديون بعد حرب الخليج، وانتعاش حركة السياحة الوافدة إلى مصر، على القيام بتعديلات هيكلية في الاقتصاد بمساعدة من صندوق النقد والبنك الدوليين، وعلى الرغم من ذلك تراجعت الصادرات وارتفعت معدلات البطالة بين الشباب.
ويفرد «جاسون براونلي» الفصل الثالث من كتابه «تعطيل الديمقراطية» لمشكلة التوريث، ويذكر أنه من المفارقات العجيبة أن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م أوجدت ضرورة ملحة للتعاون الأمريكي - المصري في المجال الأمني بين واشنطن والقاهرة، وكذلك دفعت بموضوع التحول الديمقراطي ليتصدر أي محادثات رسمية بين الجانبين، فقد رسخ في عقيدة «جورج بوش» الابن أن الهجمات التي أدت إلى مقتل ما يقرب من 3000 شخص على الأراضي الأمريكية تقتضي من واشنطن إعادة النظر في علاقاتها بالأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، إلا أن إعادة النظر هذه لا تتضمن تغيير الولايات المتحدة لأسلوبها في التعامل مع النظام الحاكم في مصر.
ويشير الكاتب إلى أنه في الوقت الذي كان يسعى فيه «مبارك» لإعداد ابنه كي يتولى منصب الرئاسة من بعده، كان مستشارو الرئيس «بوش» يفضلون شخصاً آخر أكثر خبرة سياسية وحنكة يمكن الاعتماد عليه مثل «عمر سليمان» ليخلف «مبارك» في حكم مصر.
أطلق «بوش» على سياسته في تلك الفترة «أجندة الحرية»، وتقبل المراقبون هذه السياسة لنشر الديمقراطية، ووصفوها بأنها نقطة فارقة في الإستراتيجية الأمريكية، فبينما كان «البيت الأبيض» في عهود سابقة لا يولي الأنظمة الدكتاتورية في العالم الاهتمام الكافي، دفعت أحداث 11 سبتمبر واشنطن إلى تبني سياسة التحول الديمقراطي على نطاق أوسع؛ لكي تصبح أحد أهم ملامح الأمن القومي الأمريكي.
ويوضح الكاتب أن المناخ السياسي في مصر جعل «البيت الأبيض» يوليها معاملة خاصة تختلف عن معاملته للنظام الحاكم في فترات سابقة، فحين تولى «بوش» الحكم كان «مبارك» قد بلغ الثانية والسبعين من العمر، ولم يكن قد عيَّن نائباً له، كما كان قد نجا من محاولة اغتيال، فإذا حدث وانتقل «مبارك» إلى الرفيق الأعلى قبل وضع خطة جاهزة تحدِّد من يخلفه في حكم مصر، فإن رحيله على هذا النحو قد يعرض التحالف الأمريكي - المصري للخطر، وحين دعا «بوش» ومستشاروه «حسني مبارك» لاتخاذ خطوات إصلاحية، كان الهدف من وراء ذلك هو العمل على إيجاد عدة اختيارات تتناسب مع المصالح الأمريكية بعيداً عن البديلين المطروحين؛ نجله «جمال»، أو جماعة الإخوان التي تتخوف منها أمريكا.
وعندما تكشف أن مصر هي مسقط رأس المتهم الأول في هجمات 11 سبتمبر «محمد عطا»، علت أصوات داخل الولايات المتحدة، مثل نائب وزير الدفاع «بول وولفويتز» وآخرين، تنادى ليس فقط بمحاربة «تنظيم القاعدة» وإنما أيضاً محاربة الظروف المحيطة التي تؤدي إلى ظهور مثل هذا التنظيم، ورأت واشنطن أن نشر الديمقراطية قد يشجع الكثيرين من الإرهابيين المحتملين على العدول عن أفكار «بن لادن» المتشددة، وترتب على ذلك أنه في الوقت الذي طلبت فيه أمريكا من مصر تقديم مساعدات أمنية، طلبت أيضاً إحداث تغيير سياسي في مصر، ومناطق المنشأ لـ«تنظيم القاعدة»، واعتبرت ذلك إحدى المصالح الحيوية الأمريكية، على أساس أن غياب الحريات وانتشار الاستبداد يؤدي إلى ظهور تنظيمات مثل «تنظيم القاعدة».
في تلك الأثناء، كان «بوش» يصف «مبارك» بأنه زعيم عظيم وشريك رئيس في «حرب الأفكار»، وأن هناك كثيراً من المتطرفين لا يحبونه، وإذا اقتضى الأمر تقديم مساعدة أمريكية للقبض على هؤلاء المتطرفين الذين قد يشكلون مصدر تهديد للرئيس أو لحكومته أو لشعبه فسوف تقدم واشنطن هذه المساعدة. ويقارن المؤلف بين المساعدات الهائلة التي قدمها نظام «مبارك» الاستبدادي لأمريكا أثناء غزو العراق، بما في ذلك السماح للسفن الحربية الأمريكية بعبور قناة السويس، ورفض تركيا الديمقراطية السماح للقوات الأمريكية باستخدام قواعدها العسكرية لشن أي هجوم على العراق، ويشير إلى أنه لو كان «مبارك» يقيم وزناً للرأي العام في بلده ووضعه في الاعتبار؛ لما كان قدم كل هذه الخدمات للجانب الأمريكي، ويورد الكاتب في هذا السياق رد الفعل الغاضب من جانب الشارع المصري تجاه الحرب على العراق، حيث قام ما يقرب من عشرين ألف متظاهر من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية بالتجمع في «ميدان التحرير» بالقاهرة في 20 مارس 2003م احتجاجاً على الهيمنة الأمريكية، واتجه بعضهم للاحتجاج أمام مبنى السفارة الأمريكية.
وفي الوقت الذي كانت إدارة «بوش» تتعاون فيه بشكل كامل مع الآلة القمعية المصرية، استمرت الإدارة الأمريكية تنادي علناً بالمزيد من الإصلاحات السياسية في مصر، وهذه الإصلاحات تعني بالنسبة لأمريكا حث «مبارك» على توسيع المشاركة السياسية، ولكن مع استمرار الحكم الاستبدادى في مصر.
وفي صيف عام 2005م ألقت «كونداليزا رايس»، وزيرة الخارجية الأمريكية، كلمة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أكدت فيها أن «مبارك» أغلق باب التغيير، ويجب على الحكومة المصرية أن تثق في شعبها أكثر من ذلك، وتنفذ الوعود التي قطعتها على نفسها أمام الشعب وأمام العالم، وأن تمنح المواطن الحرية في الاختيار، فالانتخابات في مصر يجب أن تصل إلى المستوى المتعارف عليه من الموضوعية والحيادية والذي يميز أي انتخابات حرة ونزيهة، وقد أبرزت أحداث هذا الصيف التناقض الواضح بين جهود واشنطن لنشر الديمقراطية في مصر والتعاون في المجال الأمني في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك على الرغم مما رصدته الأجهزة الأمريكية من مخالفات في الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، والتي كان من أهمها استغلال البلطجية لإرهاب الناخبين الذين يصوتون للمعارضة، ومحاصرة الأمن لبعض الدوائر لمنع الناخبين المعارضين من التصويت.
ويختتم المؤلف هذا الفصل بالتأكيد على أن أمريكا ظلت شريكاً قوياً للنظام الحاكم في مصر، واستمرت في مساعداتها العسكرية والاقتصادية، وبينما كانت قوات أمن مصرية تتلقى تدريبات في أمريكا، كان «مبارك» ونجله يخططان لتنفيذ التوريث في ظل حكم استبدادي يتستر تحت غطاء من الإصلاح السياسي، وقد أظهرت استطلاعات الرأي بصفة منتظمة أن التيار الرئيس يرفض السياسات الأمريكية، بدءاً من بغداد وحتى غزة، وأي انتخابات حرة كانت ستعكس مثل هذا التوجه؛ لذا حرص النظام على سد الطريق ليس أمام الإسلاميين فحسب، إنما أيضاً أمام كافة القوى الوطنية الأخرى.
وان شاء الله نعرض قراءة مؤمن الهباء للفصلين الأخيرين؛ عن حصار غزة وطوفان الثورة.
«تعطيل الديمقراطية: مخططات التحالف الأمريكي - المصري»
قراءة للفصلين الأخيرين؛ عن حصار غزة وطوفان الثورة.
بقلم : مؤمن الهباء
في هذا الجزء الثالث والأخير من كتاب الأستاذ الأمريكي «جاسون براونلي» «تعطيل الديمقراطية: مخططات التحالف الأمريكي - المصري»، نعرض لما أورده المؤلف حول دور «مبارك» ورجاله في الحرب على غزة و«حماس»؛ خدمة للإستراتيجية الصهيونية الأمريكية، فقد كرَّس «مبارك» جهداً كبيراً لقمع الديمقراطية الفلسطينية التي جاءت بـ«حماس» إلى السلطة، مثلما قام مرات ومرات بقمع الديمقراطية في مصر، ووضع «جاسون» هذا التوجه المصري الأمريكي «الإسرائيلي» تحت عنوان «دورية حراسة غزة».
يقول المؤلف في البداية: إن إدارة «بوش» لم تكن تستشير «حسني مبارك» في أمور الحرب والسلام على نحو جدي، وكانت الإدارة الأمريكية تنظر إلى وزير الدفاع المصري «محمد حسين طنطاوي» على أنه مصدر إزعاج، وليس مصدر تعاون، بينما كان رئيس المخابرات «عمر سليمان» يتولى ملف مكافحة الإرهاب الذي طالما أثار قلق الأمريكيين، وهكذا فقد كان الأمريكيون يعتمدون على «عمر سليمان» في إدارة ملف الصراع الصهيوني - الفلسطيني، ومحاربة «تنظيم القاعدة»، كذلك كان البعض داخل الإدارة الأمريكية يفضلون «عمر سليمان» خليفة لـ«مبارك» بدلاً من «جمال»، في الوقت الذي تعاملوا فيه مع الجيش المصري على أنه مجرد حارس للحدود. وبعد نجاح «حماس» في انتخابات فلسطينية حرة ونزيهة تمكنها من تشكيل الحكومة، طلبت واشنطن من «مبارك» العمل على حماية قطاع غزة، ومنع أي هجمات فلسطينية على المدن الصهيونية، وحتى عندما أبدت الإدارة الأمريكية رغبتها في مساعدة «مبارك» لمنع الإخوان المسلمين من تكرار تجربة نجاح «حماس» في الانتخابات، رأى بعض أعضاء «الكونجرس» الأمريكي أن «حسني مبارك» لم يبذل الجهد الكافي للحد من نفوذ «حماس» وحماية قطاع غزة وتهدئة الوضع فيه.
وفي عام 2007م، اقترح «الكونجرس» الأمريكي ربط المساعدات المقدمة لمصر بمدى إجراء «مبارك» لإصلاحات في قطاعي القضاء والأمن، وجدية الجيش في تدمير أنفاق غزة التي تُستخدم لتهريب الأسلحة والمود الغذائية؛ رداً على الحصار المفروض عليها، ويضيف المؤلف أن واشنطن كانت تكرِّس نفوذها مع النظام المصري لا لكي يطبق الديمقراطية، بل ليسعى فقط لتعزيز أمن «إسرائيل» وحماية المصالح الأمريكية، وفي الوقت الذي أثبتت فيه الانتخابات الفلسطينية أخطار السيادة الشعبية على المصالح الأمريكية، أكد «مبارك» و«سليمان» فوائد النظام الاستبدادي بعد أن فضلا الانحياز للإستراتيجية الأمريكية على الرأي العام داخل مصر.
ولأن «حسني مبارك» كان يرى «حماس» امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين، فقد اتخذ كافة السبل بالتعاون مع «عمر سليمان» لحصارها والضغط عليها للاعتراف بـ«إسرائيل»، وفي الوقت ذاته تعزيز قبضة حركة «فتح»، ويذكر المؤلف أن معظم المصريين أعربوا في استفتاء أجري في يونيو 2006م عن ازدرائهم للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث رأى 76% ممن شملهم البحث أن نجاح «حماس» في الانتخابات الفلسطينية يصب في صالح الشعب الفلسطيني، بينما رأى 83% أن الحرب على العراق زادت من أخطار الإرهاب.
وفي منتصف عام 2006م شنَّت «إسرائيل» حرباً شرسة على لبنان، استهدفت تقويض قوة وقواعد «حزب الله»، وتسببت في مقتل حوالي 400 من المدنيين اللبنانيين، مقابل 44 من «الإسرائيليين»، وأدت هذه الحرب إلى إشعال مشاعر الغضب في العالم العربي، ولم تفلح دعوة «مبارك» لوقف إطلاق النار في التخفيف من حدة الغضب الشعبي في مصر، حيث خرجت المظاهرات التي تقودها حركة كفاية وجماعة الإخوان المسلمين؛ منددة بالهجوم الصهيوني والتواطؤ المصري - الأمريكي الذي بلغ ذروته بتصريح لـ«كونداليزا رايس»، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، قالت فيه: إنه ليس هناك حاجة للتدخل في حرب لبنان في الوقت الحالي، وإن ما يحدث بمثابة آلام المخاض لميلاد شرق أوسط جديد.
وفي ربيع العام نفسه، تم تمديد العمل بقانون الطوارئ، وأحيل مستشاران قضائيان إلى المحكمة التأديبية، هما محمود مكي، وهشام البسطويسي؛ بسبب فضح عمليات تزوير في الانتخابات السابقة، واستمر أيمن نور يقضي عقوبة داخل السجن، وساد اعتقاد لدى المراقبين بأن «حسني مبارك» يقوم بتفصيل النظام في الانتخابات على مقاس ابنه «جمال»؛ حيث لم يعد بمقدور أي شخصية معارضة دخول السباق الرئاسي، وأصبح الحديث عن التوريث هو الموضوع الأكثر سخونة في المشهد السياسي المصري.
وفي الثاني عشر من مايو 2006م، وبينما كانت المظاهرات مشتعلة في القاهرة، رأى أحد الصحفيين «جمال مبارك» يدخل «البيت الأبيض» في زيارة سرية للقاء عدد من المسؤولين الأمريكيين، ومنهم «ديك تشيني»، نائب الرئيس، و«كونداليزا رايس»، وزيرة الخارجية، و«ستيفين هادلي»، مستشار الأمن القومي، إلى جانب لقاء لم يكن مدرجاً على جدول الزيارة مع الرئيس «بوش» شخصياً، وكان الرئيس «بوش» يتحاشى الحديث عن موضوع التوريث علناً، ولكن حديثه مع «جمال مبارك» أعطى إيحاء بموافقته الشخصية.
وعلى الرغم من أن «جمال» كان ولي العهد، فإن أعضاء مجلس الأمن القومي تشككوا فيما إذا كان هو الشخص المناسب لضمان انحياز سياسة مصر الخارجية بعد انتهاء فترة حكم «مبارك»، وكان الرأي الغالب أمريكياً أن خلفية «عمر سليمان» العسكرية إلى جانب عمله في المخابرات وخبرته السياسية تجعله أكثر ملاءمة للسياسة الأمريكية مقارنة بـ«جمال»، وقد أثبت «سليمان» بما لا يدع مجالاً للشك ولاءه الشديد للولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل»، والعمل على إضعاف «حماس» الفلسطينية.
وكانت الولايات المتحدة تسعى للإطاحة بـ«حماس»، وكثيراً ما حثت الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» على اتخاذ إجراء ضدها، إلا أنه رفض، فقامت بتعزيز قدرات «فتح» من خلال إمدادها بالسلاح والعتاد عن طريق بعض الدول العربية الحليفة، وفي هذا الصدد يذكر «براونلي» أنه في سبتمبر 2006م وصلت أربع شاحنات من مصر إلى رئيس جهاز الأمن بحركة «فتح» «محمد دحلان» محملة بآلاف من قطع السلاح ومليوني قطعة ذخيرة.
ويشير المؤلف إلى أن «حسني مبارك» ورجاله مثلهم في ذلك مثل الولايات المتحدة و«إسرائيل» كانوا يسعون إلى القضاء على حركة «حماس» من خلال التضييق على وصول المساعدات إلى قطاع غزة، ويضيف المؤلف أن «عمر سليمان» اقترح في لقاء بأعضاء «الكنيست» الصهيوني في يوليو 2007م أنه يجب ألا يتم تجويع أهل غزة، ولكن في الوقت نفسه ليس من الضروري الوفاء بجميع احتياجاتهم، وحين أخبره رجال «الكنيست» أن سكان غزة يحتاجون إلى حوالي 100 طن من الوقود يومياً، أجاب بأنه ليس من الضروري إمدادهم بكل هذا الكم، ويكفي تقديم 30 أو 40 طناً فقط للوفاء بالاحتياجات الضرورية.
وبحلول أغسطس 2008م، كان هناك خط ساخن بين جهاز المخابرات المصرية بقيادة «سليمان» ووزارة الدفاع الصهيونية بشكل يومي، وتشير تقارير السفارة الأمريكية في تل أبيب إلى أن القلق كان ينتاب الجانب الصهيوني بشأن الحالة الصحية للرئيس المصري، بينما كانت هناك حالة من الارتياح لاحتمال أن يخلف «عمر سليمان» الرئيس «حسني مبارك» في الرئاسة.
وقبل انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2008م، قام «جمال مبارك» بالشكوى للسفيرة الأمريكية بالقاهرة «مارجريت سكوبي» من أن السياسات الأمريكية تجاه مصر والمنطقة بأسرها أضرت بالعلاقات الأمريكية - المصرية، وأعرب عن أمله في أن تراجع الإدارة الأمريكية القادمة سياساتها تجاه مصر على مدار السنوات الثماني الماضية، وتستمد منها بعض الدروس، وبالفعل كان الرئيس الأمريكي الجديد «باراك أوباما» لديه الرغبة في تغيير الأب الذي اتبعه سابقه «بوش»، ولم يوجه «أوباما» أو وزيرة خارجيته «هيلاري كلينتون» أي نوع من اللوم إلى «مبارك» أو أي من حلفاء أمريكا من القادة العرب، وحاولوا من خلال الدبلوماسية التقليدية توطيد العلاقات الثنائية، ومعاملة «مبارك» على أنه شريك رئيس في جهود تطبيق حل الدولتين؛ لإنهاء الصراع بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين.
ومع مطلع عام 2009م شهدت العلاقات بين المسؤولين في كلا البلدين خلافات حول حجم المعونات الأمريكية، وكيفية استخدامها، والتمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، وفي الوقت ذاته ظهرت جماعات شبابية معارضة أكثر جرأة من السياسيين التقليديين في مصر، ونظمت حركتا «كفاية» و«6 أبريل» عدة مظاهرات احتجاجاً على تصدير الغاز لـ«إسرائيل» بأقل من الأسعار العالمية، وتأييداً للمطالب العمالية، لكن المشكلة أن هؤلاء النشطاء، بدون الإخوان المسلمين، لم يكن لديهم القدرة على حشد أكثر من بضع مئات للمشاركة في مظاهراتهم، ثم وقعت حادثة مقتل الشاب «خالد سعيد» على يد اثنين من رجال الأمن، وكانت هذه الجريمة بمثابة قوة دفع هائلة لقوى الاحتجاج في المجتمع المصري، حيث أنشئت صفحة باسمه على «الفيسبوك»، ومع نهاية عام 2010م كان عدد المشتركين في صفحة «كلنا خالد سعيد» قد وصل إلى ما يقرب من 350 ألف شخص.
وكانت عودة «محمد البرادعي»، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى مصر دفعة أخرى لقوى المعارضة الناهضة، حيث اعتبره كثيرون منافساً قوياً لـ«جمال مبارك» في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2011م، كما كان الانفجار الكبير في كنيسة «القديسين» بالإسكندرية قبل 30 دقيقة من رأس سنة 2011م دافعاً للمسيحيين في مصر إلى إلقاء اللوم على أجهزة الشرطة التي تهتم بأمن الرئيس وأسرته وتتجاهل أمن المواطنين، بل على العكس تستخدم هذه الأحداث لتأجيج الفتنة الطائفية حتى تغطي على جرائم النظام وفساده.
ويوضح «جاسون براونلي» في كتابه أن الولايات المتحدة كانت تشارك النظام الحاكم في مصر ثقته في أن قوى المعارضة تعاني من التشرذم والعجز، ولا يمكنها أن تُقْدِم على خطوة تهدد بقاء هذا النظام الراسخ، في ظل وجود قوات أمن يبلغ قوامها حوالي 1.4 مليون جندي تحت تصرف «مبارك»، وهو ضعف العدد الذي كان متاحاً لـ«السادات»، وفي هذا الصدد يستشهد المؤلف ببرقية للسفارة الأمريكية بالقاهرة، تؤكد أن أي تغيير عنيف في مصر أمر بعيد الاحتمال، رغم حالة الغليان المكبوت بعد تزوير الانتخابات المحلية والبرلمانية وتفشي الفساد وارتفاع الأسعار، فقد قام «مبارك» بشكل ممنهج وقانوني بتصفية جميع رموز المعارضة السياسية، وقامت وزارة الداخلية باعتقال ما يقرب من 20 ألف شخص بدون محاكمات كل عام، كما قامت بتجنيد ما يقرب من مليون مرشد بالإضافة إلى المخبرين الذين يعملون لديها.
ويؤكد المؤلف أنه من المفارقات الغريبة أن «البيت الأبيض» الذي كان يطالب دوماً الجانب المصري بأن يقود مسيرة نشر الديمقراطية في العالم العربي، كان يدافع عن نظام «مبارك» ولم يسعَ قط لإبعاده عن الحكم، وعلى الرغم من أن «بوش» و«أوباما» طالما اعترضا على السياسة الأمريكية على مدار الستين عاماً الماضية، والتي قام فيها «البيت الأبيض» بمساندة أنظمة دكتاتورية في المنطقة، فإنهما انتهجا نفس الأسلوب في التعامل مع «مبارك»، ولم يتخلَّ «البيت الأبيض» عن القيادات المستبدة في مصر ودول أخرى طالما أنهم موالون للسياسة الأمريكية.
وفي النهاية، يقول المؤلف: إن انطلاق الثورة في تونس كان مرشداً وهادياً للمصريين الذين يعانون من الفساد والفقر والقهر؛ لتصبح النموذج الذي احتذوا به للقيام بثورتهم، ويشير إلى أن أعضاء «الكونجرس» الأمريكي الذين أغضبهم كثيراً أداء المخابرات الأمريكية أثناء الثورة المصرية، صاروا أكثر وضوحاً وتأكيداً على ضرورة ربط المساعدات الأمريكية بالدعم اللامحدود لـ«إسرائيل» من خلال ضمان تفوق «إسرائيل» العسكري على جيرانها، وبما أن الثورة المصرية فتحت الطريق أمام وصول الإخوان المسلمين أو أي فصيل ديني آخر، أو حتى أي فصيل آخر غير إسلامي ولكنه غير موالٍ للولايات المتحدة إلى سدة الحكم في البلاد، فإنه يجب ضمان أن دولارات المواطن الأمريكي لا تذهب إلى جماعات تسعى إلى تدمير المصالح والسياسات الأمريكية أو القضاء على حلفائها، ولذا أوصت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب بوضع شروط للمساعدات الأمريكية المقدمة إلى مصر ولبنان واليمن والسلطة الفلسطينية، وفي توجه مشابه طالبت لجنة الاعتمادات الخارجية بمجلس النواب بربط المساعدات المقدمة لمصر بالعلاقات المصرية - «الإسرائيلية» دون أي اعتبار للرأي العام في مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق