الثلاثاء، 25 يونيو 2013

بدعة مصطلح "الشيعة العرب"

بدعة مصطلح "الشيعة العرب"

بدأ يَطرُق إلى مسامعنا مؤخراً مصطلح غريب وهو "الشيعة العرب"، وهو يُطلق ويراد منه التمييز بين الشيعة الأعاجم والشيعة االمنتسبين إلى جذور عربية, والهدف والغاية من هذا التعبير هو تزكية الشيعة العرب، وتصويرهم بأنهم أناس وطنيون ولا يسيرون في ركب المخطط الإيراني الهادف إلى نشر التشيع في المنطقة السنية وبأي وسيلة كانت, علماً أن التشيع عقيدة والعروبة انتماء عرقي ولا ترابط بينهما في منظور الأحكام الشرعية الدينية. أما حديث: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»(1)، فقيد الشرع الخيرية بالفقه في الدينز.
ونسأل هنا: هل الشيعة الطاعنين بالصحابة هم من الفقهاء في الدين؟! أما هذا التفريق بين الشيعة العرب وغير العرب لم يعرفه الشرع ولم يقرره بل بنى تقييم الناس على الأعمال والاعتقادات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، بل إن الصحابة الكرام فهموا هذا وعملوا به، فقد حضر باب عمر الخطاب جماعة من مشيخة الفتح وغيرهم، فيهم سهيل بن عمرو وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس، فخرج الإذن أين صهيب؟ أين عمار؟ أين سلمان؟ ليدخلوا. فتمعرت وجوه القوم، فقال سهيل: لم تمعرت وجوهكم؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، فلئن حسدتموهم على باب عمر فما أعد الله لهم في الجنة أكثر من هذا(2)، فهؤلاء أساطين العرب وأقحاحهم لم تشفع لهم عروبتهم مع أنهم مسلمون في الدخول على عمر قبل سلمان وصهيب مع أنهم من غير العرب, فالعبرة بالسبق والعمل للإسلام والدين.
علماً أن التاريخ ينقل لنا بأن نصارى العرب في العراق والشام قد وقفوا صفاً واحداً مع الفرس والروم في حربهم ضد المسلمين العرب بقيادة الصحابة الكرام رضي الله عنهم!! هل ميز الشرع بين أهل الكفر والضلال بسبب أنسابهم وأعراقهم: إن أول من حارب الرسالة الإسلامية عندما نزل الوحي في مكة هم كفار قريش، وهم من أعرق أنساب العرب، ويعود نسبهم إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وكانت قبيلة قريش من القبائل المميزة والمحترمة عند العرب؛ لأنهم حماة بيت الله الحرام وسدنته, لكن عروبتهم لم تشفع لهم في أن نزلت في حقهم الآيات الكثيرة التي تسفه أحلامهم، وتصمهم بالكفر، وتتوعدهم بجهنم وبئس المصير, وها هو أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أعرق نسب في قريش وأبوه عبد المطلب سيد قريش نزلت في حقه سورة مطلعها: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد: 1] وتوعدته بالعذاب حيث قال تعالى: ﴿سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾ [المسد: 3]، فلم تشفع له عروبته الأصيلة في أن يكون خالداً مخلداً في النار بسبب كفره وانحرافه، وهكذا بقية كفار قريش من أبي جهل إلى الوليد بن المغيرة إلى غيرهم, وذهب الأمر إلى أن قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم.
أما في المدينة النبوية فقد كان هنالك المنافقين واليهود وهم عرب أيضاً، لكن نزلت بحق المنافقين منهم آيات تتوعدهم بالعذاب الأليم، وأنهم في الدرك الأسفل من النار, وما منع الرسول صلى الله عليه وسلم من قتلهم إلا لكي لا يقال: إن محمداً يقتل أصحابه.
أما اليهود العرب سواء كانوا في المدينة أو في اليمن وهم من العرب الأقحاح فقد نزلت بحقهم الكثير من الآيات التي تبين بطلان عقائدهم، وسوء أخلاقهم، ونقضهم للعهود، وقتلهم الأنبياء.
وهنا اعتراض مهم .. قد يقول أحدهم: إن هؤلاء الكفار والمنافقين واليهود قد ناصبوا الرسول صلى الله عليه وسلم العداء، وهنالك من العرب من كفار قريش أو اليهود أو النصارى لم يقاتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فنقول: إن الآيات التي نزلت بحق اليهود - مثلاً - لم تميز بين يهود اليمن الذين لم يقاتلوا الرسول أو يتآمروا عليه، وبين يهود المدينة – مثلاً - الذين نقضوا العهود مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد فضحهم القرآن جميعاً، وبيَّن عقائدهم الباطلة، وأخلاقهم الفاسدة؛ لأنها واحدة عند كل اليهود، ولم يميز لنا القرآن بين يهود اليمن العرب المسالمين، وبين يهود المدينة المحاربين.
وهذا ينسحب أيضاً على كفار قريش أو نصارى الجزيرة العربية الذين لم ينقل لنا التاريخ أنهم حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم أصلاً.
وما ذكر عن مدح بعض أهل الكتاب في القرآن بسبب أمانتهم وعدلهم، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 75], فهذا من إنصاف القرآن وعدله حتى مع الكفار، كما أن الآيات تتحدث عن أفراد وليس عن عرق أو قبيلة أو شعب، فلم يقل القرآن إن أهل الكتاب العرب هم أحسن من غيرهم من الأعاجم؛ بل ذكر القرآن أفراداً من أهل الكتاب منصفين وأمناء ربما يكونوا أعاجم أو عرباً, ومع هذا لا ننسى أن القرآن قد بين بطلان عقائد جميع أهل الكتاب وتوعدهم بالنار خالدين فيها, ومثل هذا ينطبق أيضاً على بعض كفار قريش الذين لم يعادوا الدعوة الإسلامية وهم قلة مثل أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم أو المطعم بن عدي وغيرهم؛ فلم يمدحهم القرآن بسبب عروبتهم، بل في صحيح البخاري: "عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ», حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بِهَذَا وَقَالَ: «تَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ»"(3).
الخلاصة: أنه لا يوجد في كتاب الله ولا سنته التفريق بين الكفار على أساس الجنس أو الانتماء العرقي، بل قد يوجد تفريق بسبب تفاوت درجات عدواتهم للإسلام، وربما يكون هذا الكافر عربياً أو أعجمياً، كما ذكرنا في الآية السابقة، فلفظها عام، وعلى المخصص أن يأتي بالدليل, طبعاً مع بيان العقائد الباطلة للجميع سواء المسالم منهم أو المحارب.
موقف السلف من أهل البدع:
منذ نشوء البدع في الأمة الإسلامية، وذلك في عصر الصحابة رضوان الله علهم عندما خرج الخوارج الذين، وردت فيهم الكثير من الأحاديث التي تبين فساد منهجهم، وأنهم كلاب أهل النار، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «الخوارج كلاب أهل النار»(4)، وفي البخاري عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ»(5)، فهنا لم يفرق الرسول صلى الله عليه بين خارجي عربي، أو خارجي غير عربي, وأكيد أن الخوارج فيهم من العرب، وقد خرجوا في المنطقة العربية، وتحديدا في العراق، بل حَكَمَ الرسول صلى الله عليه وسلم على الجميع بأنهم كلاب أهل النار.
أما موقف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من المبتدعة، فلم نر أنهم استخدموا هذا المصطلح، وهو "التفريق بين مبتدع عربي أو مبتدع غير عربي" بل حكموا على أهل البدع كلهم كل بما يناسب بدعته من ناحية شدة خطورتها على الدين، وبغض النظر عن جنسه أو عرقه.
وإليكم قول ابن عباس حبر الأمة في القدرية: روى ابن أبي حاتم في تفسيره قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ الْجَزَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: "أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَنْزِعُ مِنْ زَمْزَمَ، وَقَدِ ابْتَلَّتْ أَسَافِلُ ثِيَابِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ تُكُلِّمَ فِي الْقَدَرِ، فَقَالَ: أَوَفَعَلُوهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلا فِيهِمْ: ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، أولئك شِرَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَلا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَلا تُصَلُّوا عَلَى مَوْتَاهِمْ، إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ فَقَأَتَ عَيْنَيْهُ بِأُصْبُعِيَّ هَاتَيْنِ"(6)هـ.
وهذا قول ابن عمر في القدرية أيضاً: قال الإمام مسلم: وعَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: "كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي. وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ! لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ".
فنجد أن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما لم يفرقا بين القدرية المبتدعة العرب والقدرية المبتدعة الأعاجم بل نقدا المقالة وحكما بهجر من يتبناها بغض النظر عن أصله وفصله وإلى أي عرق ينتمي، وهذا المنهج متواتر عن الصحابة والتابعين وأهل العلم عموماً، لكن لعدم الإطالة سوف نقتصر على بعض الأمثلة:
1- الإمام أبو حنيفة رحمه الله: إذا ذكر الشيعة عنده كان دائماً يردد: "مـن شــك فـي كـفـر هـؤلاء فـهـو كـافـر مـثـلـهـم"(7).
2- القاضي أبو يوسف رحمه الله: روى اللالكائي بسنده عن أبي يوسف أنه قال: "لا أصلي خلف جهمي، ولا رافضي، ولا قدري"(8).
3- الإمام مالك رحمه الله: قال ابن كثيرٍ رحمه الله: ومن هذه الآية أي: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ...الآية﴾ [الفتح: 29]، انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال "أي الإمام مالك": لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية ".
4- الأمام الشافعي رحمه الله قال: "لم أر أحداً من أصحاب الأهواء أكذب في الدعوى، ولا أشهد بالزور من الرافضة(9).
5- الإمام أحمد: عن إسماعيل بن إسحاق أن أبا عبدالله سُئل: عن رجل له جار رافضي يسلم عليه؟ قال: "لا. وإذا سلم عليه لا يرد عليه"(10).
6- القاسم بن سلام رحمه الله يقول: "عاشرت الناس، وكلمت أهل الكلام، وكذا، فما رأيت أوسخ وسخاً، ولا أقذر قذراً، ولا أضعف حجة، ولا أحمق من الرافضة، ولقد وليت قضاء الثغور فنفيت منهم ثلاثة رجال: جهميين ورافضي، أو رافضيين وجهمي، وقلت: مثلكم لا يساكن أهل الثغور فأخرجتهم"(11).
7- الإمام البخاري: قال في كتاب خلق أفعال العباد: "ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي، أم صليت خلف اليهود والنصارى، ولا يسلم عليهم، ولا يعادون(12)، ولا يناكحون، ولا يشهدون، ولا تؤكل ذبائحهم"(13).
هذه عينة من أقوال أهل العلم وإلا فمعظمهم على هذا القول, فلم يفرقوا، ولم نسمع أنهم فرقوا بين رافضي أو شيعي أو مبتدع عربي أو غير عربي، ومن أراد التأكد فليسبر كتب العقائد، وكتب السنة لعلمائنا ومجتهدينا الأكابر؛ فلن يجد إلا الرد على أقوال الرافضة والمعتزلة والجهمية والمرجئة والجبرية والحلولية وغيرهم من الفرق الضالة، ولن يجد أبداً - بإذن الله - أن هنالك فصلاً في هذه الكتب يفرق به بين مبتدع عربي أو غير عربي؛ فتراهم يبدعون الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وبشر المريسي والمفيد والنظام وأبو الهذيل العلاف والحلاج وغيرهم من أساطين المبتدعة لمقالاتهم دون الرجوع إلى أنسابهم أو أعراقهم, بل تجد من يبدعهم من العلماء من غير العرب كما هو حال الكثير من علماء التابعين ومن بعدهم.
واقع الشيعة العرب اليوم بعد الاحتلال الأمريكي للعراق:
إن أعظم ولاء للإنسان هو لعقيدته فهي مقدمة على جنسة أو انتمائه العرقي أو المكاني، وهذا ما تثبته الأحداث في كل زمان ومكان، وإن شذ شاذ من هذ القاعدة فهم قلة نادرة، والعبرة بالأكثر والغالب، والنادر لا حكم له كما يقال. فعلى سبيل المثال علويو سوريا عندما دخلوا في حرب مع السنة في سوريا ساندهم إخوانهم العلويون في لبنان وفي تركيا، ووقفوا مع بشار، حتى رأينا علويو تركيا يرفعون صور بشار دون خوف أو وجل، ويبررون جرائمه، ويتكلمون بلسان حاله - طبعاً - مع العلويين في لبنان, علماً أننا لم نر قبيلة علوية عربية ساندت الجيش الحر، أو قرية علوية عطفت على أهل السنة، بل كل قبائلهم ومدنهم وقراهم هي عبارة عن معسكرات للنظام يرسل منها الحمم على البلدات السنية, وشباب العلويين وبناتهم مقاتلون لسفك دماء أهل السنة في سوريا, وكان هذا هو موقف الشيعة في سوريا أيضاً، أو في أي مكان يوجد فيه شيعة في بلاد المسلمين, فنراهم يبررون لجرائم بشار ويساندوه، وما وجدنا تجمعاً شيعياً سواء كان قبيلة أو حزباً أو جمعية أو تجمع عشائري انتقد جرائم بشار ضد أهل السنة، بل وقفوا صفاً واحداً متراصاً لدعم بشار في حربه على أهل السنة، نعم. يوجد هنالك أفراد - وكما قلنا النادر لا حكم له - فقد يوجد في اليهود أفراد منصفون؛ فهل نقول بأن اليهود منصفين، وهكذا في كل ملة منحرفة يوجد هنالك أناس منصفون، ولا يعلق الحكم بهم؛ بل تصدر الأحكام على الغالب والساحق.
ولنرجع إلى الساحة العراقية؛ لأن الأمور هنالك أوضح بسبب خروج هذا المصطلح وهو "الشيعة العرب" من هناك، ويوجد قبائل شيعية عربية في جنوب ووسط العراق في منطقة ديالى وفي بغداد.
تاريخياً: عندما سيطر الشيعة على بغداد - مثلاً - في زمن الحكم البويهي عام 334هـ كتبوا على أبواب المساجد: لعن وسب الصحابة رضوان الله عليهم، فحصل صراع وقتال بين الشيعة والسنة في بغداد، وأصبحت أعياد ومناسبات الشيعة مواسم دامية للقتال بينهم طيلة حكم الدولة البويهية الشيعية, وكان البويهيون قد قدموا من بلاد فارس؛ فهل يوجد قبيلة عربية شيعية ساندت أهل السنة ضد هذا الغزو القادم من الشرق؟ وقد غزا التتار بغداد وارتكبوا بها أفظع المجازر، وكان هذا بسبب تعاون الشيعة معهم. أما عندما هاجم الصفويون بغداد، ودمروا جامع أبو حنيفة، ونبشوا قبره، فليذكر لنا أصحاب مصطلح "الشيعة العرب" قبيلة شيعية ساندت أهل السنة، واعترضت على المذابح التي ارتكبها الصفويون بحقهم آنذاك؛ لكننا نرى أن أهل السنة الأتراك العثمانيون هم من حرر بغداد بمساعدة سنة العراق.
أما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق: كما يَعلم الجميع تسلم الجعفري مقاليد رئاسة الوزراء عام 2005م فمَكن للتيار الصدري من مفاصل الدولة، طبعاً مع غيره من الفصائل الشيعية مثل فيلق بدر، وما يسمى بحزب الله، وعصائب أهل الحق, بعدها وقعت مجازر لأهل السنة في ذلك الوقت تشيب لها الولدان من بشاعتها، فقتل خيرة شباب أهل السنة على الهوية، وكانوا يقتادون من بيوتهم ليذبحوا في شوارع مدينة الثورة (الصدر حالياً) والشعلة والأمين والكمالية والعبيدي وغيرها من مناطق الشيعة, كما أحرقت ودمرت المساجد، وكانت تهاجم المناطق السنية من قبل المليشيات الشيعية، وبدعم من قوات الداخلية والجيش, كل هذا الزلزال الذي وقع بحق أهل السنة في العراق, لم نسمع أن هنالك قبيلة شيعية عربية قد ذهبت لتساند أهل السنة في مناطقهم، أو أن هنالك وجاهة شيعية في الحي الذي يتعايش فيه السنة والشيعة قد ذهبت إلى جيش المهدي لمنعهم من قتل أهل السنة وتهجيرهم، علماً أن كل عناصر جيش المهدي وفيلق بدر هم من أبناء هؤلاء الوجهاء والمشايخ من الشيعة، ومن عنده دليل على أن قبيلة من الشيعة العرب قد منعت ارتكاب المجازر ضد أهل السنة فليفعل، وليأتنا ببينة، ولا أظنه يستطيع؛ بل على العكس من ذلك كنا نرى أن نساء الأحياء الشيعية كن يزغردن عندما تأتي المليشيات بأبناء أهل السنة لذبحهم كقرابين على شرف ملالي إيران؛ فأين الشيعة العرب من هذه المجازر البشعة؟ وأين موقفهم من نصرة أهل السنة الذين يشتركون معهم في العروبة كما يدعي المدعون؟ بل إن الشيعة العرب قد هجروا أهل السنة العرب من مناطقهم، فيما احتضن السنة الكرد في مناطقهم إخوانهم السنة العرب المهجرين, وفيما كان يذبح أهل السنة في مستشفيات بغداد كانت مستشفيات كردستان مأوى للسنة الجرحى والمرضى.
ثم إن هنالك مثل واضح وضوح الشمس على أن الشيعة العرب لا يكترثون بأهل السنة العرب، بل يشمتون بهم، ويتآمرون عليهم, فلسنين عديدة ونساء أهل السنة يغتصبن في السجون التي يديرها الشيعة العرب؛ فماذا فعلت عمائم الشيعة العرب لوقف هذا العمل الإجرامي المشين؟ لم يفعلوا شيئاً، ولما انتفض أهل السنة في مناطقهم لإيقاف هذه المهزلة ما سمعنا أن حياً شيعياً في بغداد قد خرج لنصرة أهل السنة العرب، وما سمعنا أن هنالك مدينة أو حياً أو عشيرة في الجنوب قد أقامت اعتصاما لنصرة قضايا أهل السنة، وهذا يلقم من أاخترع مصطلح الشيعة العرب حجارة لا يستطيع بعدها الكلام عن هذا الوهم إلا أن يكون مكابراً.
أما ما نراه من وفود بعض مشايخ الجنوب للأنبار، فلو كانوا صادقين لاعتصموا في مناطقهم جنوب العراق، ولكنهم كما قال الشيخ طه الدليمي: "قدموا ليتجسسوا علينا، ويكشفوا عوراتنا، ويفرقوا صفنا، ويحرفوا خط سيرنا ... وهم قلة إن فرضنا أنهم كانوا صادقين، وكما قلنا النادر لا حكم له.
من يتابع المشهد الشيعي في العالم الإسلامي يرى أنه يسير بوتيرة واحدة، وعلى نسق واحد، فنرى الحوثيين في اليمن وهم عرب أقحاح يساندون قضايا إيران، ويدعمون بشار وحزب الله اللبناني، وشيعة البحرين، وشيعة العراق، ولم يخرج أحد من شيعة اليمن عن هذه القاعدة، وهذا ينسحب على شيعة السعودية العرب، وشيعة الكويت العرب، وشيعة البحرين العرب، وشيعة لبنان العرب، فكلهم يسير على سكة واحدة داعمة بكل قدها وقديدها لقضايا الشيعة في كل مكان، ويتحركون بنسق واحد تديره إيران راعيتهم جميعاً, ومن عنده اعتراض فليأتنِ بدليل واحد بخروج عينة من الشيعة العرب عن هذا النسقز
ونقول لأصحاب مصطلح "الشيعة العرب": من هو مرجع الشيعة العرب في العراق؟ أليس السيستاني الفارسي وغيره من المراجع الأعجمية، والذي لا يستطيع أحد مخالفته إن أمر بأمر سواء كان دينياً أو دنيوياً.
وهنا نسأل: ما هو موقف الشيعي العربي من عمر وعائشة رضي الله عنهما؟ فهل الشيعة العرب لا يتبنون مقولة أن "عمر رضي الله عنه قد كسر ضلع الزهراء" كما يدعون؟ أو هل الشيعة العرب لا يطعنون بعائشة رضي الله عنها؟ فالتشيع أصلاً قائم على هذه الدعائم، ومن لا يؤمن بذلك فليس بشيعي! فمن لا خير فيه لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته لا خير فيه لأتباعهم من بعده عليه الصلاة والسلام.
إن هذا التفريق بين كافر عربي وكافر غير عربي، ومبتدع عربي ومبتدع غير عربي، ومنحرف عربي ومنحرف غير عربي لم تعرفه شريعتنا الغراء، ولم يعرفه علماؤنا الكرام الذين بنو هذا الصرح الإسلامي العظيم، بل صدروا أحكامهم على العقائد إيجاباً إن كانت سليمة، وسلباً إن كانت منحرفة، دون النظر إلى جنس أو عرق أو قومية, فهذا مصطلح مبتدع جديد اخترعه من يقدسون الوطن على حساب الدين والعقيدة، وليس له وجود إلا في خيالاتهم المريضة، وأفكارهم المنحرفة، وسوف يكذبه الواقع - بإذن الله - سواء كان عاجلاً أو آجلاً.


هوامش
(1) رواه مسلم.
(2) مختصر تاريخ دمشق باب سلامة بن سلمة ويقال ابن سليم.
(3) رواه البخاري باب قصة أبي طالب.
(4) ظلال الجنة تحقيق الألباني صحيح.
(5) رواه البخاري باب إثم من راءى بقراءة القران أو تأكل به أو... .
(6) تفسير ابن أبي حاتم تفسير ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾.
(7) (أقوال أهل العلم في الرافضة) عن موقع صيد الفوائد.
(8) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/733 عن شبكة الدفاع عن السنة.
(9) أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى 2/545، واللالكائي في شرح السنة 8/1457عن الشبكة.
(10) السنة للخلال 1/494 عن الشبكة.
(11) السنة للخلال 1/499 عن الشبكة.
(12) أي إذا كانوا مرضى.
(13) خلق أفعل العباد ص125عن الشبكة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق