الثلاثاء، 25 يونيو 2013

إذ يطل العنف برأسه


إذ يطل العنف برأسه

فهمي هويدي
يصدمنا قتل أربعة من الشيعة في إحدى قرى الجيزة، وتتضاعف الصدمة إذا أدركنا أنّ الجريمة التي وقعت يوم الأحد 23/6 هي إحدى حلقات مسلسل العنف الذي تشهده مصر في الوقت الراهن، من مذبحة استاد بورسعيد إلى إحراق منازل البهائيين في قرية الشورانية بسوهاج، إلى عنف المتظاهرين حول قصر الاتحادية بمصر الجديدة ومقر الإخوان بالمقطم، إلى وقوع 25 حالة سحل للخارجين عن القانون خلال الأشهر الستة الأخيرة، إلى ظهور ما سمي بجماعة «بلاك بلوك» وشيوع استخدام قنابل المولوتوف في المظاهرات العادية، وقتل أحد متظاهري الإخوان في الفيوم والهجوم على المحال التجارية لأعضاء الجماعة في كفر الشيخ ومحاولة اقتحام وحرق مقر حزب النور في المحلة الكبرى.
إلى غير ذلك من القرائن التي سبقها اعتداء البعض على كنائس الأقباط، وكلها تشير إلى أنّ العنف بصدد أن يصبح ظاهرة جديدة بصدد التشكل في المجتمع المصري الذي تتعرّض قيمه لاهتزازات عدة في الوقت الراهن.
قصة قتل الشيعة التي تحدث لأول مرة في مصر نموذج يستحق الدراسة والتحليل، ذلك أنّ أحد الذين اعتنقوا المذهب من أبناء بلدة أبو النمرس بمحافظة الجيزة ــ فرحات عمر خطاب، شهرته شحات وهو عامل بياض عمره 45 سنة، دعا إلى اجتماع في بيته ضم 34 شخصا من المتشيعين، بينهم أحد قيادييهم، اسمه حسن شحاتة ــ 70 سنة. وسواء كان الهدف من الاجتماع هو الاحتفال بذكرى ميلاد إمام الشيعة الغائب محمد حسن العسكري أم لا، فالشاهد أنّ الأمر أثار حفيظة أهل القرية وبينهم عدد غير قليل من السلفيين، وحسب المعلومات الأمنية فإنّ نحو خمسة آلاف شخص من أهالي القرية هاجموا البيت واعتدوا بالضرب بصورة وحشية على المجتمعين انتهت بسحل سبعة أشخاص، قتل منهم أربعة، وحاول آخرون إحراق البيت بإلقاء قنابل المولوتوف عليه إلاّ أنّ الحريق جرى احتواؤه بسرعة.
شريط الفيديو الذي سجّل الاعتداء ظهرت فيه قسوة وفظاظة المعتدين، حيث بدا جلياً أنّهم يختزنون قدرا هائلا من المرارة والغضب إزاء المجموعة المحتجزة، ولا شك أنّ هذا الذي حدث في بلدة أبو النمرس ليس مقطوع الصلة بحملة التعبئة والكراهية واسعة النطاق التي شنّها الدعاة السلفيون ضد الشيعة عبر مختلف المنابر والقنوات خلال الأسابيع التي خلت، وهم الدعاة الذين ادّعوا أنّ عقائد أهل السنّة المصريين مهددة بالاختراق الشيعي، وزعموا أنّ الشيعة أشدّ خطرا على الأمة من الإسرائيليين، وروّجوا لفكرة أنّ حزب الله حين أرسل قواته إلى القصير فإنّه كان يمثّل احتشادا شيعيا علويا في مواجهة أهل السنّة في سوريا، يتوازى مع عملية الاستقطاب الحاصلة في العراق، والتي قسمت البلدين الشيعة والسنّة والأكراد.
عملية الشحن هذه عبّأت قطاعات غير قليلة من عوامّ المصريين بمشاعر النفور والكراهية للشيعة، وقد ذهبت الأبواق السلفية في ذلك إلى مدى بعيد، وكان للقنوات التليفزيونية التي تبثّ أحاديث شيوخها دورها المؤثر في ذلك، ذلك أنّها أسهمت بدور فعّال في إشاعة الكراهية.
وقد سمعنا أنّ أحد مشاهيرهم في المهرجان الذي حضره الرئيس مرسي في الاستاد وهو يصف الشيعة بالروافض الأنجاس، وهو الوصف الذي شاع في خطب بعض أئمة المساجد.
حين يعبّأ العوام على ذلك النحو، فإنّهم عندما يهاجمون بيتا اجتمع فيه نفر من الشيعة فأغلب الظن أنّهم يعتبرون فعلتهم خدمة للإسلام وتطهيرا لساحته من أولئك «الروافض الأنجاس».
سنحتاج إلى وقت أطول ودراسة أوفى وأعمق كي نقرر أنّ سلوك المصريين قد تغيّر وأنّ العنف صار ظاهرة متوطنة في بلادهم، لكننا نستطيع أن نسجّل عدة عوامل أرجّح أنّها أسهمت في التأثير على السلوك الجمعي في المرحلة الراهنة منها ما يلي:
 تراجع قيمة التسامح في المجتمع، غياب لغة الحوار بين الفرقاء السياسيين وتقديمهم التقاطع على التواصل، ولجوؤهم إلى استخدام العضلات والحناجر في حسم خلافاتهم، غياب سلطة القانون وتراجع حضور الشرطة مع ارتفاع منسوب الجرأة في المجتمع، تراجع هيبة الدولة في ظل ضعف أداء وحضور الحكومة جراء الممارسات غير المنضبطة لقيم الحريات العامة، اختفاء المؤسسات والأوعية التي تمثّل المجتمع وتسهم في ترشيد سلوك المواطنين والتعبير عنهم، الأمر الذي دفع كثيرين إلى محاولة تحصيل حقوقهم أو تصفية حساباتهم بأنفسهم، بطء التقاضي بسبب الأثقال الهائلة التي يتحمّلها ذلك المرفق الذي يعمل به ما بين 16 و17 ألف قاض، مطلوب منهم الفصل في نحو 16 مليون قضية.
يعرف أهل الاختصاص أنّ ثمة بيئة سياسية واجتماعية تستخلص من الناس أفضل ما فيهم، وأخرى مناقضة تستخرج منهم أسوأ ما فيهم.وأخشى أن يطول بقاؤنا في تلك الحالة الأخيرة.
وقد صادفنا ظروفا مواتية تحدّثنا فيها وتحدّث غيرنا عن فضائل المصريين، إلاّ أنّنا نحتاج إلى قدر من الثقة والشجاعة يسمح لنا بنقد رذائلهم التي جعلت العنف يطلّ بوجهه القبيح في جنبات «أم الدنيا».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق