الجمعة، 28 يونيو 2013

الثورة لا تنتشر بحد السيف


الثورة لا تنتشر بحد السيف
وائل قنديل

هؤلاء الذين يحاصرون المساجد بالسيوف ويطلقون الخرطوش على الناس، ويعتدون على الملتحين ويطاردون المنتقبات فى الشوارع ووسائل المواصلات.. كيف لصاحب عقل وضمير أن يضعهم فى خانة الثوار؟

إن ثورة يناير نجحت لأنها استخرجت أفضل وأنبل ما فى أعماق الشخصية المصرية من قيم إنسانية ومعانٍ أخلاقية، استقرت فى ضمير العالم كأجمل لوحات الرقى الحضارى، ولم نعلم أن واحدا من ثوار يناير صعد إلى ميادين التحرير مسلحا ولا ممسكا بطوبة، بل خرجوا جميعا مجردين إلا من الحلم بالتغيير مع كمامة تقيه الاختناق بالغاز.

ويبقى الأسوأ من ثوار السيوف والخرطوش الجدد أولئك الذين يلفهم صمت القبور على هذه الممارسات الإجرامية، ولا يجرأون على الجهر بإدانتها ورفضها، والأكثر سوءا وانحطاطا هم أولئك الذين يسوغون هذه الخطايا ويوفرون لها غطاء سياسيا باليا.

وأعجب من هؤلاء الذين يكيلون بأكثر من مكيال فى التعامل مع الدم المصرى، فلا يستفز آدميتهم مشاهد الدماء والقتل فى موضع، بينما يملأون الدنيا بكاء وعويلا على حرمة الدم فى موضع آخر..

كما حدث فى واقعتى مقتل المصريين الشيعة ومقتل مصريين آخرين على أيدى «الثوار الجدد» فى المنصورة والفيوم والمحلة الكبرى، ذلك أن أحدا ممن أدانوا همجية قتل الشيعة التزموا الصمت أمام وحشية قتل مصريين آخرين عند المساجد لأنهم يؤيدون شرعية الرئيس.

وهذا السكوت عن القتل هو بحد ذاته موافقة صامتة على هذا المنهج المخيف الغريب على قيم الثورة والثوار الحقيقيين، الذين أعلم أن أصحاب الضمير السليم منهم يعيشون أزمة وجودية هائلة وهم يرون ثورتهم وقد تلوثت بشوائب إجرامية وفلولية لا تخطئها عين مجردة عن الغل والهوى والكراهية..

وبتعبير واحد من أهل ميدان التحرير كما قال لى أمس إن مجموع الثوار الحقيقيين الذين يتواجدون فى الميدان حاليا لا يتعدى بضع عشرات من المواطنين، فيما يعج المكان بتلك الوجوه التى طالما ناصبت الثورة العداء وتربصت بأبنائها فى كل مكان.

ويخطئ من يتصور أن هذه الكيمياء الثورية الفاسدة تكونت بشكل عفوى أو كرد فعل تلقائى على سوء الأداء فى حكم مصر، ذلك أن عملا ضخما جرى تنفيذه على مدار الشهور الماضية استهدف قتل أجمل ما فى خصائص الشخصية المصرية وزراعة الوجدان والعقل المصريين بقيم أخرى فاسدة وتثبيت مفاهيم وتعريفات أكثر فسادا لمفردات لم تكن تحتمل اللبس، فصار لدينا معنى معوج للثورة، ومدلول قبيح للتظاهر والغضب.

وبالتوازى مع ذلك تم تنفيذ سيناريوهات اغتيال وتشويه وترويع لكل من تسول له نفسه الحديث عن ضرورة الفرز بين ما هو ثورى حقيقى، وبين ما هو فلولى قلبا وقالبا، ناهيك عن إطلاق الرصاص على كل من ينادى بضرورة إقامة حوار سياسى ومجتمعى محترم يحفظ للثورة نقاءها، ويأخذ الصراع إلى أرضية النزال السياسى النظيف، بدلا من الخوض فى أوحال العنف الدامى والسباحة فى مستنقعات الكراهية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق