الاثنين، 24 يونيو 2013

احْذروا الجيل الرابع للحرب


احْذروا الجيل الرابع للحرب

 د. محمد يوسف عدس
 لم يكن هذا التحذير غائبًا فى مليونية تأييد الإسلاميين للرئيس مرسى يوم الجمعة الماضى (٢١ يونيه ٢٠١٣) بميدان رابعة العدوية - فقد ظهرمكتوبًا على لافتة كبيرة ومميزة لا يمكن أن تخطئها عيني.. أدهشتنى لأنها تحمل العبارة ذاتها التى دارت حولها فكرة مقال سابق لى بعنوان "لكيْ نفهم أبعاد المؤامرة" نُشر فى أكثر من صحيفة ومجلة وعلى صفحتى فى (فيس بوك).
لا أتوقّع أن يكون الذين شاهدوا الَّلافتة قد أدركوا مغزاها.. ولا أزعم أنهم قرءوا مقالى..
ولكن من المؤكد أن الذى اقتبس العبارة من مقالى وكتبها على لافتته، قد قرأ المقال وفهمه وأدرك أن ما يحدث الآن فى مصر ضد الرئيس الشرعى هو تطبيق حرفي للحرب الأمريكية الجديدة على الثورة المصرية: اقتلاع الرئيس المنتخب بالقوة.. وتخريب مصر ونشر الفوضى فيها لتتدخل قيادات بالجيش.. فتعيد الديكتاتورية العسكرية.. وتمهِّد الطريق لعودة مصر إلى حظيرة التبعية الأمريكية..
هذا هو السناريو الذى بشّر به "ماكْس مانْوارِنْج" الأستاذ بمعهد الدراسات الاستراتيجية بالجيش الأمريكي وأحد أعمدة المخابرات العسكرية السابقين؛ فقد حدّد بطريقة قاطعة ملامح ما سمّاه بـ"الجيل الرابع للحرب غير المتكافئة"،
شرحْتُها بالتفصيل فى مقالتي واستخلصت منها: أن الغزو الأمريكي للدول قد تطورت أساليبه فى السنوات الأخيرة بعد ثبوت فشل الحروب التقليدية التى اسْتُخدمت فيها الجيوش فى غزو الدول واحتلال أراضيها.. وظهور فكرة "حرب الجيل الرابع غير المتكافئة"..
الهدف منها على حد تعبير مانْوارِنْج": "ليس تحطيم مؤسسة عسكرية أو القضاء على قدرة أمةٍ فى مواجهةٍ عسكرية من الخارج.. لا.. فالغرض هو: إنهاك وقَضْمُ إرادة الدولة المستهدفة - ببطء ولكن بثبات - وفى النهاية نحقق هدفنا النهائي وهو إرغام العدوّ على تنفيذ إرادتنا".
يقول: إن أسلحتنا فى هذه الحرب الناعمة ليست المدافع والدبابات والطائرات، ولكن قوة المال والقدرات العقلية.. وهذا أهون علينا وأقل تكلفة لأن من سينفّذها لحسابنا [مواطنون من الدولة العدوّ..].. الذين يتولّوْن بالنيابة عنَّا زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى.. وبذلك تضعف قدرة الدولة على التحكم فى الأوضاع أو السيطرة الكاملة على بعض أجزاء من أراضيها.. ومن ثم تصبح الدولة فاشلة..
يقول ماكس مانوارِنْج: "نحن عادة لا نستخدم مصطلح (الدولة الفاشلة) أبدًا فى خطابنا الدبلوماسي حتى لا نحرج أحدًا من أعواننا...
 ففى أمريكا الوسطى وفى أماكن أخرى من العالم يوجد دول بها أجزء من أراضيها غير خاضعة لسلطة الدولة المركزية، فمن الذى يتحكم فيها إذن؟..
إنها مجموعات معادية للدولة؛ محاربة عنيفة.. وشريرة.. ومع مرور الوقت تكون قد خلقتَ دولة فاشلة.. وهنا تستطيع أن تتدخّل أنت وتتحكم فى هذه الدولة.. بل يمكنك أن تذهب أبعد من هذا لتفعل بها ما تشاء..
 ويضرب "مانوارِنْج" أمثلة بهاييتى ودول أخرى أصبحت دولاً للجريمة.. أو دولًا شعوبية.. أو طائفية.
الطريق إلى السيطرة الأمريكية - وِفْقًا لرؤية مانوارنج - إذن هو إفشال الدولة.. ولكنه ينبِّه تلاميذه إلى أن الدولة الفاشلة ليست حدثًا يقع فجأة بين يوم وليلة، وإنما هى عملية تتم فى خطوات.. وتُنفَّذُ ببطء وأناة.. ولا ينسى أبدًا أن يكرر لتلاميذه ويذكِّرهم بأن الوسيلة الأساسية والناجعة فى الحرب غير المتكافئة هي [استخدام مواطنى دوْلة العدوّ]..أداةً فعّالةً وأكيدةً لهزيمته فى عقر داره.. 
يقول: "إذا فعلتَ هذا بإتقان وأناةٍ ولمدة كافية.. فتأكد أن عدوَّك عندما تحين لحظة يقظته سيجد نفسه ميِّتًا قد فارق الحياة.."
أَعْلَمُ أن "هوجو شافيز" رئيس فنزويلا السابق كان أول من تنبّه - بعبقريته ومن تجربته الخاصة مع الولايات المتحدة - إلى خطورة الحرب غير المتكافئة، وقد تحدث سنة ٢٠٠٥ لضباط الأكاديمية العسكرية فى كراكاس، وطلب منهم أن يتعلموا مواجهة هذا النوع الجديد من الحروب، وأن يطوّروا عقيدةَ قتال للتعامل معها..
 هذه هي الحرب التى تدور رحاها الآن بشراسة بالغة وإصرار فى قلب مصر.. بتخطيط أمريكي وتمويل متعدّد المصادر، تنفِّذه أيدٍ مصرية، وتُؤَجج نيرانه حناجر وأقلام مصرية فى إعلامنا وصحافتنا.. والغاية النهائية –أدركنا أو لم ندرك - هي إفشال السلطة الحاكمة وإسقاط الدولة وتفكيك مصر.. وإخضاعها مرة أخرى للإمبريالية الأمريكية الصهيونية! 

لا بد من التطرّق إلى الشبكة العنكبوتية التى تضمّ الأطراف المنفّذة لمؤامرة إفشال الدولة فى مصر، وربطها بمراكز التخطيط والتمويل والتوجيه داخل مصر وخارجها: أما خارج مصر فهناك ثلاثة مراكز متآزرة هى؛ أمريكا وإسرائيل وبعض دول خليجية على رأسها الإمارات..
وفى داخل مصر هناك جهات تقوم أيضًا بالتمويل تضم رجال مال وأعمال، ومُلّاك الفضائيات الخاصة، من مُخَلَّفات عهد مبارك مثل: ساويرس ومحمد الأمين وغيرهما.. هذه الشبكة المعقّدة لا بد لها من منسّق عام ذى خبرة من نوع خاص، للربط بين مراكز التخطيط والتمويل، وبين المنفّذين سواء كانوا أفرادًا أو مجموعات.. تستطيع أن تضع على رأس المنسّقين السفيرة الأمريكية؛ فإذا كنتم تريدون أن تعرفوا كيف تتطوَّر المؤامرة فضعوا أعينكم على حركة هذا المنسق الخبير؛ تتبعوا اتصالاته وزياراته وحواراته مع الآخرين.. وتصريحاته.. حتى تلك التى تبدو فى صالح النظام القائم.. فإنها تهدف إلى زعزعة سلطته وتشويه صورته وتأكيد اتهامات المعارضة له بأنه مستند أو متحالف مع أعْداء مصر بالخارج..
ولا يغيب عن الفطنة أن أحزاب المعارضة من جبهة الخراب لها دور إضافي فى التغطية السياسية على المؤامرة وعلى الأعمال الإرهابية؛ إذ تمنحها المبررات والأسباب: باستغلال الاختناقات والأزمات الاقتصادية والمطالب الفئوية لتضخيم فكرة الإدارة الفاشلة للرئيس وحزبه وجماعته..
أقول: استنادا لتحليلاتى ومتابعتى لمجريات الأحداث والأوضاع فى مصر: "لن تنجح الحلقة القادمة من المؤامرة (فى٣٠ يونيه الأسطوري)..
 رغم التهويلات الإعلامية ورغم ترَدِّى الأحوال الاقتصادية والأمنية.. ورغم التوقيعات المليونية والتهريج السياسي الذى يقوده ويروّج له شخصيات باهتة وبائسة.. باعت نفسها للشيطان.. أكثرهم من الأغبياء والحاقدين.. والكارهين لأي توجّه إسلامي فى السياسة.. وبعض المراهقين الأغرار والمخدوعين بالدعايات الإعلامية.. والذين ينظرون تحت أقدامهم.. ولا ترتفع أبصارهم إلى الأفق الفسيح..
 ستفشل المؤامرة كما فشلت زوبعة أمريكية أخرى نفّذها العلمانيون فى ميدان تقسيم بإسطنبول.. وكما فشلت محاولات اقتحام قصر الرئاسة من قبل.. إن الذين يحلمون بإسقاط الرئيس محمد مرسى فى ٣٠ يونيه بمظاهرات تمرُّد سواء كانت سلمية أو غير سلمية يحلمون بالمستحيل.. فهذا الرئيس جاء بإرادة الشعب عن طريق انتخابات حرة ونظيفة.. ولن يتخلّى.. ولا ينبغى له أن يتخلّى إلا بانتخابات مماثلة فى موعدها المحدّد لها بالدستور.. ستطول المعاناة فى مصر.. نعم.. ولكن هذا قدرها: لأن فريقًا من أبنائها لا يريدون لها الخير ولا يهمهم مصلحة هذا الشعب بقدر ما تهمهم مصالحهم الخاصة؛ ما دامت حساباتهم البنكية تتضخم بالمال الحرام.. ويملكون وسائل إعلام فاجرة.. مع حرية بلا قيود للكذب والسباب والافتراء.. بينما القضاء فاسد ومتواطئ.. والشرطة كسيحة؛ واقعة تحت سيطرة عقدة الهزيمة والانسحاب فى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١٣.. 
مع كل هذا أكرِّر: ستفشل المؤامرة.. ولا بد أن يتوقّع الجميع تغييرًا جذريا فى إدارة شئون مصر بعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣م.. 
myades34@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق