الأحد، 23 يونيو 2013

قبل أن نقول "وُلدت في يناير وماتت في يونيو"

قبل أن نقول "وُلدت في يناير وماتت في يونيو"

قبل أن نقول

بقلم:  وائل قنديل*
بمنتهى الوضوح والاعتزاز يقول الداعون إلى حفل الجحيم في 30 يونيو إنهم قرروا أن يحذفوا كلمة «الفلول» من معجم الثورة المصرية، وبلا مواربة يفتخرون بأن أيديهم في أيدي الفلول من أجل إسقاط محمد مرسى وتطهير مصر من الإخوان والتيارات الإسلامية..
بل إن منهم من يقطع شوطا أبعد من ذلك ليشتق تعريفا مبتكرا لكلمة «الفلول»، بأنهم كل من لا يرضى بالتغيير عبر وسائل سياسية متحضرة، وكل من يرى عكس ما يرون من أن محمد مرسى جاء بانتخابات تفوق فيها على منافسيه لكي يحكم أربع سنوات.
و«الفل» في نظر ثوار هذا الزمان الكئيب هو كل من لا يصفق لإحراق دواوين المحافظات وإغلاقها بالجنازير، ومطاردة الملتحين والمنتقبات في الشوارع، وكل من يرفض التمايل على أنغام «راقصة الثورة» التي تنتشر أناشيدها الوطنية العظيمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتردد من خلالها كلمات شديدة الرقى عن «الرئيس الخروف الاستبن».
إن كل السيناريوهات المتوقعة لليوم الأخير من هذا الشهر تقول إن الجميع ضربوا موعدا للالتقاء في الجحيم، وإنهم اختاروا وهم بكامل وعيهم وإرادتهم إحراق جثة ثورة يناير وإلقائها في الطريق العام ليركلها كل عابر بقدميه.
وماداموا قد قرروا المضي على طريق المحرقة، فإننا أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما تنكسر هذه الموجة العاتية التي تحمل فوقها كل جحافل الثورة المضادة.. أو يحدث العكس ويندلع الحريق الكبير الذي يأتي على أخضر مصر ويابسها، دون تمييز بين مؤيد ومعارض.
في حالة الاحتمال الأول، سنكون قد صنعنا بأيدينا ديكتاتورية لن يلومها أحد إن قررت أن تحكم البلاد بالحديد والنار مدفوعة بأسباب تتعلق بإقامة سدود تحول دون استمرار طوفان الفوضى والعبث.. وفى ذلك قتل لواحدة من القيم الكبرى التي نشدها المصريون حين قاموا بثورة يناير وهي الديمقراطية.
وفى حالة الاحتمال الثاني تكون مصر قد افتتحت رسميا مرحلة الحرب الأهلية، جامعة بين سعير الأنموذج اللبناني وجنون الأنموذج الجزائري، وهنا مقتل ما تبقى من قيم يناير المتمثلة في العيش والكرامة.
لقد قلت قبيل جحيم أصغر من ذلك تداعت إليه كل الأطراف قبيل 25 يناير 2013 إنه «لا أحد يصادر حق أحد في إزاحة نظام سياسي، وطرح نفسه بديلا له، غير أن ذلك ينبغي أن يبقى محكوما بقواعد اللعبة السياسية وقوانينها المعتبرة، والتي هي كما عرفها العالم تجرى نزالاتها ومبارياتها عبر الانتخابات، وبعيدا عن النزوع إلى إراقة الدماء وإشعال الحرائق..
وهنا يبرز دور النخب السياسية وواجبها في تحويل مجرى الغضب إلى مسارات تؤدي إلى الحفاظ على الحياة، ولا تقود إلى القبور والخرائب، والمعنى بالنخب هنا معسكر الأغلبية وفريق المعارضة معا، لأن أحدا لا ينبغي أن يدعي الآن أن الشارع هو الذي يقود وهو الذي يحدد المسارات".
وأكرر إنها لحظة المسئولية عن إخماد الشرر الذي يتجمع الآن، ويوشك باندلاع حريق، إن أطلت ألسنته ليس بمقدور أحد أن يطفئه قبل سنوات من النزيف، والتجارب من حولنا فيها المثل والعبرة.
اللهم فاشهد.
 *كاتب صحفي ومدير تحرير جريدة الشروق   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق