الخميس، 27 يونيو 2013

الجيش ليس فتوة الحارة


الجيش ليس فتوة الحارة
وائل قنديل

المؤيدون والمعارضون يهينون الثورة ويبتذلون أنفسهم ويبتذلون الجيش نفسه أيضا عندما يتعلقون بطرف ثوبه ويتشبثون برباط البيادة طالبين منه أن يخوض لهما معركتهما السياسية.. كلاهما ينقلب على ثورته ويدير ظهره للديمقراطية ويخاصم أبسط قيم الدولة العصرية الحديثة حينما يتعامل مع الجيش وكأنه فتوة الحارة الذى يخطبون وده ويتعلقون بقوته كالأطفال الخائبين كى يهزم لهما الخصم ويمحو وجوده على أرض الحارة.

إن عواجيز السياسة وعجزتها ممكن صدعوا رءوسنا بقيم الدولة المدنية العصرية الديمقراطية هم أول من يلحسون ما روجوا له وبشروا به من أفكار باعوها للمواطنين باعتبارها المنقذ لمصر من الاستبداد والشمولية للدخول فى عصر الدول الحديثة، وقد رأيناهم عراة من أى قيمة حين تحولوا إلى مجرد أبواق تهتف وأكف تصفق لمهزلة جمع توكيلات لوزير الدفاع لكى ينقلب ويستولى على السلطة من رئيس جاء إلى الحكم عبر انتخابات اعتبرتها العسكريون الذين حكموا البلاد عقب الثورة أهم إنجازاتهم السياسية على الإطلاق.

ورأينا من كانوا يهتفون بسقوط العسكر ويتهمونهم بالتحالف مع الأخوان، يتسولون انقلابا من الجيش ويحرضون عليه ويثيرون الفتن ويسممون المناخ بالشائعات والتسريبات من أجل صناعة صدام بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة.

وخلال الأيام القليلة الماضية بلغت حالة النكوص السياسى والطفولة الثورية حدا عبثيا يتجاوز بكثير ما وصفته فى ١٤ مايو الماضى بأنه «الانقلاب الفوشيا على الجيش» وقلت فيه «فى هذه الوضعية الطفولية لا يبقى هناك فرق بين أستاذ علوم سياسية، وبلياتشو تليفزيونى يظهر كل ليلة فى ثياب عبيط القرية.. ولا بين إعلامية مخضرمة وبين نائحة مستأجرة فى محاكمات المخلوع».

ومرة أخرى يخطئ من يتوهمون القدرة على إزاحة رئيس جاء إلى الحكم من خلال عملية سياسية، بعملية قرصنة أو تحريض للمؤسسة العسكرية على الانقلاب عليه، فمن شأن ذلك أن يفتح أبواب جحيم سياسى لن يقوى أحد على السيطرة عليه قبل عقود من الزمن..
 ويخطئ هؤلاء أكثر إذا تصوروا أن أحدا سيصدق أنهم جادون فى السعى لتولى شئون الحكم، بينما هم أول من يكرس وجود النظام الحالى ويثبت دعائمه بفرارهم المستمر من السياسة والقفز فى بحيرات العبث.

غير أن حالة التعلق بطرف جلباب الجيش ليس حكرا على المعارضة العجوز الهاربة من استحقاقات الديمقراطية إلى غابات الانقلاب، إذ يسلك قطاع من مؤيدى شرعية الرئيس على النحو ذاته، واقعين فى الخطأ نفسه الذى يحول الجيش المصرى من كونه واحدة من مؤسسات الدولة التى تحترم دستورها ونظامها السياسى إلى القوى الشجيع الذى يتمنون أن ينصرهم على خصومهم.

وكلا الطرفين للأسف الشديد يرتكب الحماقة ذاتها ويرتد عن قيم الديمقراطية والدولة المدنية ويتملص من مبادئ الثورة، متجاهلين أن مصر دولة لها جيش عصرى محترم، وليست جيشا له دولة.

مرة أخرى: دعوا العبث وابدأوا حياة سياسية جادة، هذا أفضل لكم.. وارحموا مصر وجيشها من جحيم إن انفتح فلن يتمكن من إغلاقه أحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق