الأحد، 1 ديسمبر 2013

إهدار للقانون وازدراء به


إهدار للقانون وازدراء به

فهمي هويدي

لا أعرف إلى أي مدى يمكن أن نأخذ على محمل الجد حكاية لجنة تعديل الدستور المصري، لأن المطاعن كثيرة في مبدأ اختيارها وتشكيلها ومهمتها.
إلا أنني لم أستطع مقاومة مناقشة زاوية واحدة في ملفها، تتعلق بالنموذج الذي قدمته في إهدار القانون. 
شجعني على ذلك أن رئيس الجمهورية عدلي منصور امتدح دور اللجنة التي كنت أظن أن خبرته باعتباره رئيسا سابقا للمحكمة الدستورية العليا ستمكنه من أن يلاحظ العوار في موقفها القانوني. وزاد من حماسي للتطرق إلى الموضوع ما قرأته قبل أيام على لسان المستشار السياسي للرئيس الدكتور مصطفي حجازي حين علق على تظاهرة الشباب أمام مجلس الشورى قائلا إن المشاركين فيها لا يريدون لدولة القانون أن تقوم، لمجرد أنهم احتجوا على صدور قانون التظاهر ورفضوا النص في الدستور على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
الاستخفاف والازدراء تجلى في تعامل اللجنة مع نصوص الإعلان الدستوري الذي أنشأها وحدد آجال مهمتها. إذ نصت المادة 28 منه على تشكيل لجنة خبراء من عشرة حددت صفاتهم، تختص باقتراح التعديلات على دستور 2012 المعطل. على أن تنتهي من مهمتها خلال ثلاثين يوما من تاريخ تشكيلها.
والنص واضح وصريح على أن مهمتها مقصورة على إدخال تعديلات على النصوص المختلف عليها في الدستور الذي تم تعطيله فقط ولم يشر إلى إلغائه.
وأجل الثلاثين يوما الذي أعطى لها قرينة على محدودية المواد التي كان متوقعا تعديلها، التي قيل وقتذاك إنها في حدود 15 مادة.
المادة 29 من الإعلان الدستورى نصت على إحالة مقترح التعديلات إلى لجنة من خمسين عضوا (حددت مواصفاتهم) ثم قررت ما يلى: يتعين أن تنتهى اللجنة من إعداد المشروع النهائى للتعديلات الدستورية خلال ستين يوما على الأكثر من ورود المقترح عليها، على أن تلتزم خلالها بطرحه على الحوار المجتمعي.. وتحدد اللجنة القواعد المنظمة لها والإجراءات الكفيلة بضمان الحوار الوطني حول التعديلات.
هذه النصوص الواضحة تعاملت معها لجنة الخمسين باعتبارها «كلام جرايد» لا إلزام فيه، فضلا عن أنها تحتمل التلاعب والعبث، فلا هي احترمت حدود الولاية التي قررها لها الإعلان الدستوري، ولا هي التزمت بالمواعيد المقررة في نصوصه وتحايلت عليها على نحو لا يليق بمقام المهمة التي أنيطت بها.
وهو ما يسوغ لي أن أقول إنها أهانت الإعلان الدستوري وابتذلته. 
ويبدو أن اللجنة استندت إلى ما ورد في نهاية المادة 29 التي خولتها تحديد القواعد المنظمة لها، واعتبرت أنها تطلق يدها في أن تطيح بكل الحدود والمواعيد التي تضمنتها بقية المواد، فارتأت أن تنشئ دستورا جديدا من عندياتها.
 وحين وسعت نطاق مهمتها وأدركت أن الستين يوما التي حددها الإعلان الدستوري لا تكفي لإنجاز الدستور الجديد المراد إعداده، فإنها لم تتردد في الإطاحة بالمواعيد المقررة.
وهو ما يفتح واسعا باب الطعن ببطلان عملها من وجهين على النحو التالي:
< من ناحية لأن ولايتها تقتصر بموجب الإعلان الدستورى المنشئ لها على تعديل دستور معطل وليس إلغاء ذلك الدستور وإنشاء دستور جديد تدبجه من العدم. خاصة إذا لاحظنا أنها مشكلة بقرار إدارى وليست منتخبة من الشعب.
< من ناحية ثانية لأن المواعيد القانونية أمرها محسوم ولا تتحمل الاجتهاد.
وإنما هى من مسائل القانون الصارمة.
إذ حين يقرر المشروع أنه «يتعين» على اللجنة أن تنتهي من التعديلات ومن الحوار المجتمعي حولها خلال 60 يوما، فإن الموعد المنصوص عليه يصبح حتميا ولا يجوز التلاعب فيه تحت أي ذريعة (كأن يقال إن المقصود 60 يومَ عمل وهو ما حدث).
 ذلك أنه في هذه الحالة يعد من المواعيد الناقصة التي يتعين أن يتم الإجراء خلالها.
وهى تنقضي بانقضاء اليوم الأخير منها، ولا تمتد إلا في حالة واحدة هي أن يوافق اليوم الأخير عطلة رسمية. وفي هذه الحالة فإن أصل الميعاد يمتد إلى أول يوم عمل.
حين يحدث ذلك فإننا لا نستطيع أن نستقبل امتداح المستشار عدلي منصور لعمل اللجنة إلا بحسبانه تغليبا للحسابات السياسية على ما يعرفه وينبغي أن يحرسه رئيس المحكمة الدستورية الذي كانه الرجل، كما أننا لا نستطيع أن نفسر كلام مستشاره السياسي عن إرساء دولة القانون إلا بحسبانه كلام جرايد يفتقد إلى الصدقية والمسؤولية.
إذا قال قائل بأن هذا الذي أشرت إليه تأخر كثيرا، ثم انه نقطة في بحر، وأن حجم التجاوزات التي تجري أكبر بكثير وأشد جسامة، فإنه سوف يفحمني ويدفعني إلى الاعتذار له راجيا منه أن يمسحها فيّ، بحيث يعتبرها «فشَّة خُلق» من شخص تعلم القانون يوما ما، ولايزال يحتفظ بحنينه إليه وغيرته عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق