الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

مداولة بعد الحكم


مداولة بعد الحكم
فهمي هويديالمادة الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية كانت سقطة في دستور مصر لسنة 2012 إلا أنها تحولت إلى كارثة في مشروع الدستور الجديد. وإذا كانت الأولى قد خوفتنا فالثانية صدمتنا، وهو ما يسوغ لي أن أزعم بأن لجنة الخمسين حين جاءت تكحلها فإنها أعمتها. كما نقول في لغتنا الدارجة ــ كيف ولماذا؟
في دستور 2012 المعطل نصت المادة 198 الخاصة بالقضاء العسكري على أنه ــ «لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى» ــ وقد أخذ على تلك المادة أنها أقرت مبدأ محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
 وهو ما أزعج كثيرين وأثار استياء وغضب الناشطين والمنظمات الحقوقية، رغم أن النص لم يترك الجرائم التي تضر القوات المسلحة مفتوحا ومتسعا للتأويل، وإنما قرر أن القانون هو الذي يحدد تلك الجرائم التي يتعين نظرها أمام القضاء العسكري.

المشروع الجديد (المادة 204) قرر أمورا عدة أبرزها ما يلى:

< إن القضاء العسكري يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها و«من فى حكمهم». والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة.

< لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة وما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم.

تستوقفنا في النص الإشارات التالية:

< التوسع المثير للقلق والتوجس في اختصاص القضاء العسكري الذي لم يعد ينظر فقط في الجرائم المتعلقة بضباط وأفراد القوات المسلحة، وإنما أضيفت إليهم فئة أخرى هي «من في حكمهم». وهذه الإضافة تفتح الباب لمحاكمة كل من يصطدم بالعاملين في المشروعات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة مثلا، كمحطات البنزين وشركات المقاولات وتعبئة مياه الشرب والمستشفيات والفنادق. وهو ما أيده رئيس القضاء العسكري في الحوار التلفزيوني الذي أجرى معه هذا الأسبوع.

< إشارة اختصاص القضاء العسكري بنظر الجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة.
ولأن عضو المخابرات العامة ليس له مواعيد عمل، بما يعني أن خدمته مستمرة طوال 24 ساعة يوميا، فمؤدى ذلك تحصينه وتهديد كل من يدوس له على طرف بأن يحاكم عسكريا. < التفصيل اللافت للانتباه في الجرائم التي يقدم بسببها المدنيون إلى القضاء العسكري، وهى التي ترك تحديدها للقانون في الدستور المعطل، بحيث شملت المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة «أو في حكمها» وهذه العبارة الأخيرة فضفاضة وتثير تساؤلات عديدة حول الاحتجاج بها في تحصين المشروعات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة.

< الإفراط فى تفصيل الجرائم التي يقدم بسببها المدنيون للقوات المسلحة بحيث شملت الأمور التي سبقت الإشارة إليها، وأضيفت إليها عبارة الاعتداء على الأموال العامة. ولأن كل ما تم ذكره يدخل ضمن الأموال العامة، فإن ذلك يثير تساؤلا عن السبب فى النص على المصطلح مجددا، وما إذا كان يقصد به شيئا آخر في «بطن» المشرع العسكري.

الشاهد أن الذين أحسنوا الظن تصوروا أن الدستور الجديد سوف يعالج ذلك النص المعيب في دستور 2012، إلا أننا فوجئنا بأننا لم نتقدم إلى الأمام كما كان معولا، ولا نحن رضينا بالهم وثبتنا في مواقعنا، ولكنا في هذه الجزئية تراجعنا خطوات إلى الوراء.
 إذ جرى التوسع كثيرا في محاكمة المدنيين عسكريا. ذلك فضلا عن النص في المواد الانتقالية على غل يد رئيس الجمهورية واشتراط موافقة مجلس الدفاع الأعلى على تعيين وزير الدفاع لدورتين رئاسيتين مقبلتين، أى طوال السنوات الثماني القادمة.

أدرى أن مناقشة مشروع الدستور في الوقت الراهن لا قيمة لها، لان الإعلان الدستوري الذي أنشأ لجنة الخمسين نص على وجوب الانتهاء من التعديلات وإجراء حوار مجتمعي حولها خلال ستين يوما. ولم تلتزم اللجنة بشيء من ذلك.
 فهي قدمت دستورا جديدا ولم تعدل شيئا من المعطل. ولم تلتزم بمدة الستين يوما، ولا أجرت أى حوار مجتمعي حول المشروع الذي أعد في جلسات مغلقة لم يعرف المجتمع شيئا عما دار وراء أبوابها.
 بسبب من ذلك فإن ما ذكرته يمكن تصنيفه باعتباره من قبيل المداولة التي تجرى بعد الحكم، فتحدث ضجيجا ولا تصلح عوجا، وهو ما قبلت به إبراء للذمة، ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق