السبت، 2 أغسطس 2014

غزّة وإسرائيل الكبرى.. الندم اليهودي

 غزّة وإسرائيل الكبرى.. الندم اليهودي

 مهنا الحبيل
 كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي
نجاحات غزة
حصاد تل أبيب
ما بعد العدوان

يدخل العدوان الإسرائيلي على غزة أسبوعه الرابع، ومع الكلفة الإنسانية العالية التي قدّمها شعب غزّة أمام جرائم الحرب المتعددة للجيش الإسرائيلي المدعوم بحرب المعابر وتعاضد إقليمي ودولي مع العدوان، إلا أن رسالة المواجهة العسكرية التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسّام تُسجّل حالة تطور نوعي كبير ليس في أدائها فقط، ولكن في مجمل موقف المقاومة من مشروع إسرائيل الكبرى.

هذا المشروع ليس المقصود منه التمدد في الحدود الجغرافية السياسية للكيان الإسرائيلي لكن في نفوذه السياسي على الأرض على هذه الرقعة العربية، وبالتالي تكريس أسباب بقائه في فلسطين المحتلة من 1948 حتى 1967، وأصل نشأته برعاية دولية وعصابات دموية شكّلت النواة الأولى للجيش الإسرائيلي، فهيمنة السياسة -أو ما يُسمى بضمانات أمن إسرائيل- على المسارات الإقليمية الكبرى وترجيح خياراتها أولا، كان من أهم ركائز المشروع الدولي لحماية كبرى لإسرائيل حتّى يُثبّت بقاؤها الاحتلالي.
تمكنت إسرائيل من فرض الحرب في أفضل توقيت يخدمها إقليميا ودوليا، بموازاة مع مقاومة لا تملك إلا رفض الخضوع لهذا السيناريو وتطوراته وتوسيع الحصار والحرب التدريجية على سلاحها وعناصرها وعلى غزّة كمّا وكيفا
ومن هنا فإن حرب احتلال العراق 2003 ومجمل التنسيق والتقاطعات الأميركية مع إيران، ووأد تقدم الثورة السورية ورميها في وحل الصراع لمنعها من إسقاط نظام الأسد، وإسقاط ثورة يناير في مصر بنظام حليف لتل أبيب بتعبيره وسياساته الرسمية وعبر تأكيدات تل أبيب المتواترة ومع تجسير شراكة عميقة مع خليجٍ جديد يدعم تثبيت أمن إسرائيل، فإن كل ذلك كان برنامجا ضخما غير مسبوق لدعم الوجود الإسرائيلي.

أي أن تل أبيب فرضت الحرب والعدوان الذي كان مخططا له سابقا، في أفضل خيار اعتقدت أنه يخدمها لأجواء هذه الحرب، أمام مقاومة لا تملك إلا رفض الخضوع لهذا السيناريو وتطوراته وتوسيع الحصار والحرب التدريجية على سلاحها وعناصرها وعلى غزّة كمّا وكيفا، ثم الاستعداد لمواجهتها من داخل بناء المجتمع الفلسطيني عبر مشروع نسخة أوسلو الجديدة في السلطة.

كانت هذه هي المعطيات التي تواجهها غزّة، وهذه هي المشجعات الضخمة التي قُدمت لتل أبيب رغم كل محاولات حركة حماس -كقيادة للمشروع الفلسطيني المقاوم- تجنّب هذا العدوان وتجاوز هذا الظرف الدقيق، لكن الحسابات الإسرائيلية فرضته وأرادت فرض نتائجه عبر الورقة المصرية لتحقيق مشروعه السياسي القاهر على غزة.

واليوم ونحن نتجاوز ثلاثة أسابيع فإن حصيلة الحرب من خلال قياس القوة العسكرية وقدرات المقاومة السياسية والشعبية بعد كل هذا العدوان، تؤكد أن القراءة الإستراتيجية باتت مختلفة كليا عن حسابات تل أبيب وأكبر من أسوء تقديراتها، والأهم هو أين تقف هذه الحصيلة في جذور وخطط وتصور الحماية الكبرى لإسرائيل ودعم أسباب بقائها أمام معادلة مقلوبة كليا في الإمكانيات لصالح تل أبيب، ومع ذلك تفرض تحديا تاريخيا عليها وتُذيقها هزيمة نوعية.

وتبرز مسارات هذا التحوّل في إدارة المعركة والحصيلة الإستراتيجية لها في هذه النقاط:

1- في الأسبوع الرابع من الحرب تقدم حصيلة شهداء المقاومة أمام قتلى الجيش الإسرائيلي عددا أقل، وهذا مؤشر كبير وخطير جدا على حسابات الجيش الإسرائيلي.

2- وسيظل لعنصر تفاوت العدد في صفوف المقاتلين العسكريين بين الجانبين دلالة مركزية بين مشروعي المقاومة والاحتلال، حتّى لو تماثلا وارتفعت حصيلة الشهداء قليلا، أمام القياسات الأخرى بين قدرات المقاومة وإمكانيات الجيش الإسرائيلي.

3- يقوم الجيش الإسرائيلي بجرائم إرهابية وحشية في أوساط المدنيين وفي مستشفيات ومرافق غزة لمنع ظهور هذا القياس الذي يُبرز هزيمته.

4- تقدمت العمليات الصاروخية للمقاومة نحو مدى واسع في مدن 1948 المحتلة وتوسعت خرائطها.

5- أسقطت قدرات الرد الصاروخي للمقاومة الفكرة الأساسية لضمان حماية تل أبيب ومدن رئيسية عبر ما سُمي بالقبة الحديدية، وأضحت الفوضى والرعب في الشارع الإسرائيلي موجة متكررة، بل تحدت المقاومة هذه القبة وأعلنت أكثر من مرة توقيت موجة القصف التي اخترقتها.
أظهرت غزة تفوّقا كبيرا في قدرات الخطاب والأداء الإعلامي لقيادات المقاومة السياسية وبيانات القسّام وإدارة الحرب النفسية وفي حركة الإعلام الجديد، وتفوق عدد من مغردي غزّة بصورة مثالية في لغة الإنسان والمقاومة معا
6- أصبح المجند والعسكري الإسرائيلي في مرصد مغاوير القسّام مباشرة منذ أول أيام محاولات الزحف البري، فقُنص العشرات ودمر العديد من الآليات والدبابات في وقت قصير، وأسر عسكري من قلب المعركة.

نجاحات غزة
1- رغم وحشية العدوان الإسرائيلي والتركيز المنهجي على قتل الأطفال، فإن الصمود المعنوي للشعب الفلسطيني في غزّة كان أقوى بكثير وأبلغ من الهلع الإسرائيلي، وكانت رسالة التضامن والاندماج بين الشعب والمقاومة في أفضل حالتها وسموّها الروحي رغم حصيلة الشهداء المروّعة.
2- أظهرت غزة تفوّقا كبيرا في قدرات الخطاب الإعلامي في قناة الأقصى وفي الأداء الإعلامي لقيادات المقاومة السياسية وبيانات القسّام وإدارة الحرب النفسية وفي حركة الإعلام الجديد، وتفوق عدد من مغردي غزّة بصورة مثالية في لغة الإنسان والمقاومة معا.

3- نجحت حركة حماس في تقديم انسجام منقطع النظير بين القيادة الميدانية وقيادتها السياسية وفي ضبط رسائلهما للمفاوضين وللمعتدين، وكانت إدارة المواجهة في مستوى متقدم من الانضباط والشفافية مع الشعب يصعب لدول كبرى تحقيقه.

4- نجحت المقاومة في إعادة اللحمة الفلسطينية بدخول الضفة كمنطقة إسناد وكفاح خلال العدوان وقدّمت شهداء أمام الحواجز الإسرائيلية، في رسالة مهمة لتوسيع دائرة المواجهة لإنهاك تل أبيب، رغم حصار قوات أبو مازن وتضييقها الخانق.

5- نجحت المقاومة في تحييد لغة الصراع غير المستحقة مع فريق الرئيس عبّاس رغم فداحة وسلبية خطابه على المقاومة والمدنيين معا، لكن ترك الملاسنة مع فريقه كان عنصرا مهما لتركيز المواجهة السياسية مع تل أبيب.

6- حققت غزّة تضامنا عالميا شعبيا غير مسبوق واستشعرت تل أبيب وحلفاؤها هذا الضيق، وبات العالم أكثر فهما لقضية فلسطين وإن كان ذلك هدفا موازيا لا مركزيا، لكنه يضيف ضغطا زمنيا مهما للمعركة، وخسرت تل أبيب إعلاميا رغم شهود هذا العدوان نشأة حركة الصهاينة العرب في الإعلام المصري والخليجي.

حصاد تل أبيب
1- فشلت إسرائيل في نقض مشروع هندسة الأنفاق الذي تطور كثيرا وأتقن إطلاق الصواريخ من منصات تحت الأرض وسلامتها.
2- مع ارتفاع نسب القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي، حافظت المقاومة على مستوى مرتفع من قدراتها وعناصرها وأنجزت خلال العدوان عمليّات عديدة كمناورات فعلية ناجحة أصابت الهدف وعزّزت قدرات المقاومة.

3- رغم وحشية وبروز "أخلاقية الشعب اليهودي" لمواطني إسرائيل في دعم قتل المدنيين، فإن هذا الجيش فشل كليا في تأمين الحماية لهذه الجماعات البشرية المستوطنة لفلسطين، وأثبت عجزه أمام المقاومة الفلسطينية بقيادة القسّام.

ما بعد العدوان
تخشى تل أبيب كثيرا من وقف العدوان أمام هذه النتائج، ولذلك فهي تحرص على التمسّك بالورقة المصرية كأفضل خيار لإعلان نصر وهمي بتطويق المقاومة بهذا الاتفاق ومنعها من أي نصرٍ سياسي حدّدت فيه المقاومة خطّها فيه بوضوح بتحويل وضع غزة إلى حالة مختلفة بعد العدوان.
إن شعور الغرفة المركزية لصناعة القرار الإسرائيلي بهزيمتها في غزّة يتضاعف في ذروة الدعم الرسمي لها من بعض الأطراف العربية التي رغبت في تكريس نقضها للربيع العربي بحرب إسرائيلية تجتث المقاومة
ولذلك فإن المطلب الرئيس هو وضع نتيجة هذا العدوان وخلاصة مقاومته في برنامج كسر حرب الحصار، وانتزاع اعتراف عالمي بذلك يمكّن للدول الراغبة في دعم غزة إنسانيا مد جسر مائي أو جوّي يُحيّد حرب المعابر في رفح والبوابات الأخرى.

ونعيش في هذه الأيّام معركة ما يُسمّى بـ"عض الأصابع" التي تملك فيها المقاومة رصيدا معنويا هائلا من شعبها، رغم اعتصار الألم والجرح النازف في قلبها للمدنيين، وسواء أُسقطت الورقة المصرية -وهي ركيزة المشروع الإسرائيلي اليوم- أو تم التأسيس لتجاوزها في المفاوضات الدائرة، فإن المعادلة هنا تُشير إلى هزيمة مرحلية مؤثرة لتاريخ الكيان الإسرائيلي وجودا لا توسعا فقط.

إن خلخلة البنية السكّانية وساعات إغلاق المطارات وإقفال بعض الرحلات الدولية ونقل اضطراب الحرب إلى شوارع المستوطنين في المدن القديمة أو الجديدة، وطلبات السفر ومغادرة إسرائيل كانت رسائل وجدانية ومعنوية مرعبة للبناء النفسي والاجتماعي للكيان الإسرائيلي، تُذكّره مجددا بأنه شعب يحتل أرضا لشعب فلسطين ولا تزال قصة تثبيته فيها مدارا وجوديا عاصفا.

إن شعور الغرفة المركزية لصناعة القرار الإسرائيلي بهزيمتها في غزّة يتضاعف في ذروة الدعم العربي الرسمي لها من بعض الأطراف، التي رغبت في تكريس نقضها للربيع العربي بحرب إسرائيلية تجتث المقاومة، وسُهّل لتل أبيب كامل المشهد لذلك، ومع ذلك فشلت فيه فشلا ذريعا.

واستيقظت الحكومة الإسرائيلية على عهدٍ منيع للمقاومة، يحمل من جديد قصة زوال إسرائيل وقد يكون ذلك بعد حين، لكنه -وللمفارقات- أقرب من أي وقتٍ مضى، ويُرعب تل أبيب فيه عبور أحد صواريخ القسّام لأجواء الحرم الأقصى الشريف وضرب المستوطنات التي تُهدده، وهي رسالة رمزية، عسكرية نعم، لكنّها خطيرة حين تنقل خطوط المواجهة من غزّة إلى القدس المحتلة.


مقالات مهنا الحبيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق