الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

العلمانيون وفلسطين ستون عامًا من الفشل وماذا بعد؟



العلمانيون وفلسطين 
 ستون عامًا من الفشل 
وماذا بعد؟



المؤلف :الدكتور عبد العزيز كامل *
عدد الصفحات : 162 صفحة من القطع المتوسط 


لمَّا كان أعداؤنا، قد وجدوا من يواجههم بغير السلاح الذي رفعوه، وبغير التوجه الذي تبنَّوه، وهو التوجه الديني الاعتقادي؛ فقد تسبب ذلك في حدوث سلسلة متواصلة من الفشل والإخفاقات، صار طولها الآن ستين عامًا، وذلك في جولات الحرب أو محطات السلام، وكانت نهاية ذلك ما تعيشه الأمة اليوم من حالة تعيسة بئيسة في ظل أوضاع شاذة صارت تحكم مسيرة هذا الصراع.
ونتاج ذلك أن تعلمت الأمة دروسًا عملية واضحة في العقود والسنين الأخيرة، تؤكد أن رفع المسلمين للراية الإسلامية في معاركها المصيرية في بقاع شتى من الأرض؛ قد أعطى ثمرات لم نكن أبدًا نراها طوال معارك الأمة مع أعدائها تحت الرايات العلمانية.

لكن الذي حصل ولا يزال يحصل أن القيادات العلمانية أصرت ولا تزال تصر على التصدر في مواجهة معركة ليست لها ولا هي أهلها، وتأبى التنازل عن مبادئها المجافية للدين في إدارة ذلك الصراع، الذي صغَّروه وحقَّروه وحوَّلوه من صراع أممي إسلامي إلى صراع قومي عربي.

لذلك لم يكن غريبًا ولا عجيبًا أن يتسلل الإخفاق والفشل في الأداء العربي الرسمي طوال تلك العقود السابقة من عمر القضية، سواء في ميادين الحرب، أو على موائد السلام.

ولقد جاء هذا الكتاب والذي هو بعنوان
 (العلمانيون وفلسطين ستون عامًا من الفشل، وماذا بعد؟)
للشيخ الدكتور (عبد العزيز مصطفى كامل) لبيان تلك القضية من أبعادها المختلفة.

وقد جاء الكتاب في ثلاثة أقسام: انكسارات حقيقية وانتصارات وهمية، أوهام السلام في أجواء الصدام، الجولات القادمة .. وكل قسم من الأقسام الثلاثة يحمل بين طياته مجموعة من النقاط والعناصر الهامة ما بين محطات وجولات.

القسم الأول: انكسارات حقيقية وانتصارات وهمية
حرب النكبة
وقد عرض الشيخ بعض اللقطات التاريخية التي توضح الأمر جليًا، وأشار إلى أن عقد الأربعينيات الذي جرت فيه تلك الحرب، كان قد شهد انتعاشًا في الشعور بالانتماء القومي العربي، حيث بدأ العلمانيون العرب وقتها في الفصل بين مفهومي (الأمة العربية) و(الأمة الإسلامية).

وتوج هذا الشعور القومي بإنشاء (الجامعة العربية) ردًا على من كانوا ينادون بالعودة إلى (الجامعة الإسلامية)، التي أسقط اليهود والعلمانيون المنافقون كيانها السياسي الجامع للمسلمين، وهو (الخلافة العثمانية).

الجولة الثانية: حرب العدوان الثلاثي

جاءت الجولة الثانية بعد أن آلت السلطة في بعض الدول العربية إلى أنظمة ثورية، دعت نفسها بالتقدمية؛ لتزيل آثار العار الذي جلبته الأنظمة (الرجعية)! وكان النظام الثوري العسكري في (مصر) هو المتزعم لها، وقد عدَّ من أهدافه الرئيسة المعلنة: تحرير (فلسطين) والقضاء على دولة (إسرائيل)، وجعل من هذا الهدف ـ إلى جانب توحيد العرب تحت راية القومية العربية ـ قضية يبني بها المجد والزعامة.



الجولة الثالثة: حرب يونيو 1967م (حرب النكسة)

وهي الحرب الثانية في العهد الثوري القومي "التحرري"، يسميها اليهود (حرب الأيام الستة)، ويسميها العرب (حرب النكسة) أو (حرب 5 يونيو)، وقد كانت عارًا لم تمسح آثاره إلى اليوم، حيث كان هدف اليهود من دخولها احتلال القدس، فتحقق الاحتلال، ولم تحرر القدس إلى الآن بعد أربعين عامًا على احتلالها، بل احتلت أراضٍ أخرى؛ لتأمين بقاء القدس بيد اليهود.



الجولة الرابعة: حرب التحريك

فقد درجت أوساط كثيرة على وصف حرب أكتوبرعام 1973م بأنها حرب (التحريك) وليست حرب (التحرير) كما اشتهرت على الألسنة؛ وذلك لأنها جاءت من أجل تحريك الأوضاع بعد حالة (اللا سلم واللا حرب) التي امتدت لعدة أعوام قبل نشوبها.

ولقد اعتبرت هذه الحرب، هي المعركة الوحيدة التي أعدَّ لها العرب قبل نشوبها، والوحيدة التي بدأها العرب من طرفهم، والوحيدة أيضًا التي رفعت فيها بشكل جزئي الشعارات الإسلامية؛

الجولة الخامسة: حرب لبنان الأولى

لما أعطى الأمريكيون الضوء الأخضر لليهود لشن تلك الحرب، أكد الإسرائيليون لهم أنهم لن يتجاوزوا 30 كيلو مترًا لتحقيق أغراضهم الأمنية، وبدأت تلك الحرب تحت دعوى إبعاد منظمة التحرير، وما معها من صواريخ (الكاتيوشا) إلى مسافة 40 كيلو مترًا عن حدود إسرائيل، ثم عدَّل الإسرائيليون ذلك إلى أربعة أهداف واضحة، وهي:

- إجلاء كل القوات الأجنبية من لبنان، ويقصد القوات السورية والفلسطينية.

- تدمير القيادة الوطنية الفلسطينية وما معها من قدرات.

- ثم بعد ذلك، تمكين القوات اللبنانية من السيطرة على أراضي لبنان.

- توظيف كل ذلك للوصول إلى إبرام معاهدة سلام مع لبنان، يضمن أمن شمال (إسرائيل) من هجمات الفلسطينيين.

وقد صاحب هذه الحرب ونتج عنها عدد من الظواهر والتفاعلات التي كان لها ما بعدها.

الجولة السادسة: حرب لبنان الثانية

أطلق عليها اللبنانيون عليها حرب (تموز)، وسماها الإسرائيليون حرب لبنان الثانية (بعد حرب لبنان الأولى 1982م)، وقد بدأت تلك الحرب في السادس من شهر يوليو عام 2006م، بين دولة اليهود وحليفتها أمريكا من جهة، وبين ما يسمى (حزب الله) وحليفته إيران من جهة أخرى.

ولقد اعتبر الدكتور عبد العزيز تلك الحرب ـ على فرض انتصار حزب الشيعة اللبناني فيها ـ ضمن سلسلة الفشل في الصراع العربي الإسرائيلي لأسباب عدة أشار إليها في مؤخرة هذه الجولة.

القسم الثاني: أوهام السلام في أجواء الصدام

على الرغم من أن قناعتنا ـ نحن المسلمين ـ بأن السلام الدائم مع اليهود أمر مستحيل، فضلًا عن كونه أمرًا غير مشروع؛ لعدم جواز الاعتراف لهم باغتصاب أرض فلسطين .. إلا أن الكثير من القيادات العربية كانت ولا تزال تمني نفسها بإمكانية تحقيقة، مع تجاوز البحث في مشروعية تطبيقة، وكانت تتطلع إلى تحصيل ما عجزوا عن تحقيقه عبر السلاح.

فهل أفلحت تلك القيادات في السلام بعد أن فشلت في الحرب؟!

هذا هو ما يناقشه هذا القسم من خلال استعراض مسيرة الحلول السلمية التي حملها (قطار السلام) الذي انطلق بعد حرب 1973م الذي توقفت عجلاته في عدد من المحطات، ليتفرغ في كل واحدة منها ما يحمله من سقط المتاع ومن بضاعة الفشل، ليبدأ بعدها في تحميل الأمة مزيدًا من المهام أو الهموم خلال مساراته المتعددة والمتعرجة، وتلك المحطات التي حملت بضاعة الفشل، إجمالًا هي:

المحطة الأولى: مؤتمر جنيف.

المحطة الثانية: كامب ديفيد "الأولى".

المحطة الثالثة: مؤتمر فاس.

المحطة الرابعة: إنهاء حالة الحرب مع لبنان.

المحطة الخامسة: مشروع إعلان الدولة الفلسطينية.

المحطة السادسة: مؤتمر مدريد.

المحطة السابعة:محادثات المسارات المتعددة في واشنطن.

المحطة الثامنة:اتفاقيات أوسلو.

المحطة التاسعة:اتفاق (وادي عربة)

المحطة العاشرة: كامب ديفيد "الثانية".

المحطة الحادية عشرة:المبادرة العربية للسلام.

المحطة الثانية عشرة: مؤتمر(أنابوليس).

وبعد النظر في هذه المحطات على مر السنوات الفائتة، من المفترض أن يكون الأوان قد آن لهؤلاء العلمانيين أن يتواضعوا فيردُّوا الأمانات إلى أهلها؛ ويتركوا القضية التي لم يكونوا أهلًا لحملها ولا لحلِّها، أم أن الأمة ستنتظر معهم ستين عامًا أخرى من المؤتمرات والقرارات والتوصيات التي تستجدي وتطالب العدو المحارب بالسلام (الاستراتيجي) في ميدان المعركة؟!

القسم الثالث: الجولات القادمة

وقد لفت الدكتور عبد العزيز في هذا القسم الأنظار إلى قضايا مهمة تتعلق بتلك الحقبة من الصراع الطويل بين العرب واليهود، وكانت:

· عِبَرُ ما مضى

انقضت الأعوام الستون، وفي صفوفنا من لم يتعظ أو يعتبر بعد، مع أن الله تعالى قد أعذر إلى من بلغه الستين من آحاد الناس ـ كما ورد في الحديث ـ، فما البال بمن كانوا أممًا وشعوبًا.

وهذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس، وأحسب أننا ـ لو طال بنا العمر عشر سنوات أخر ـ لن نحتاج إلى حديث آخر عن سبعين عامًا من الفشل، لأن غيوم الفشل بدأت ترحل من فوق رؤوسنا، لتعشش فوق رؤوس أعدائنا؛ وذلك حين أعاد الله للأمة الروح التي افتقدتها، ألا وهي روح الجهاد والاستشهاد تحت راية الإسلام المحض والتوحيد الخالص.

· معانٍ عظيمة في النصر والهزيمة

لا ريب أن كل جهود المجاهدين في فلسطين وغيرها إنما تروم في النهاية تحقيق النصر أو بعض النصر، ولكن ما يجب أن ندركه أن طريق الانتصار ليس مجرد بذل وتضحيات، أو رسم مخططات وسياسات؛ فكل ذلك إن لم يستند إلى: (قال الله)، (وسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ فإنه لا يوصل إلا إلى المزيد من إطالة زمن الأزمة، وزيادة أمد المحنة.

· حقيقة النصر

إن جوهر الانتصار في الإسلام هو ما أشارت إليه غايات القتال والجهاد في سبيل الله، وأهمها ألا تكون في الأرض فتنة بسبب علو الشرك والكفر، وأن تكون الدينونة لله، وعندما تتحقق هاتان الغايتان؛ فإن طريق الخير تنفتح بالنصر، وأعظمها، باب الهداية والاستقامة؛ وبذلك يكون نصرنا انتصارًا لدين الله، ومفتاحًا للطريق إليه، وعودة الناس له عز وجل.

· للنصر أقوام

فإن هناك من يهيئُهم الله تعالى لتنزُّل النصر الإلهي عليهم، وهؤلاء هم أصلح الناس أعمالًا وأقربهم امتثالًا للحق وأخذًا به، ثم الأمثل فالأمثل، هؤلاء يُكرم الله الأمة بهم من أجل إخلاصهم.

فالنجاة من فتنة الأعداء والانتصار عليهم لا يكون بقوة السلاح بقدر ما يكون بكثرة الصلاح وقلة الخبَث، ليس في صفوف المجاهدين فحسب، ولكن في عموم الأمة التي تُمنح النصر عن استحقاق، أو تخضع لسنن الابتلاء والتمحيص والتطهير.

· لواء الإسلام .. ومسئولية أهل الشام

إن سلفنا الكرام العلمانيون وفلسطين ستون عاما الفشل كانوا لا يتعاملون مع أمور الغيب كلها على أنها أمور مستورة وينبغي أن تظل مستورة حتى تُظهرها الأقدار، بل إن منها ما كان عندهم يُستدعى ويُتسابق إليه.

ولعل زماننا هذا هو الزمان الممتد إلى وقت الصدام الأخير مع اليهود وحلفائهم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، بل وفي سائر الأرض حينما يتحقق (العلو الكبير) الذي أخبر الله تعالى عنه في أوائل سورة الإسراء، حيث إن معالم ذلك العلو يتضاعف ظهورها مع الأيام، فينبغي أن نتسابق لتحقيق النصر، وأن نستدعي جاهدين أسبابه.
· طلائع الطائفة المنصورة في مواجهة طلائع الدجال

إن هناك دلائل وقرائن كثيرة تدل على أن الفصائل المجاهدة في أرض الشام وما حولها هي طلائع الطائفة المنصورة المذكورة في الأحاديث، كما أن هناك دلائل على أن عصابات اليهود الموجودة الآن في فلسطين وما حولها هي طلائع الدجال العالمية، والتي لا يعلم إلا الله متى ستقع فتنتها، وقد أشار الدكتور إلى كيفية استجماع المجاهدين في بيت المقدس وما حوله أوصاف تلك الطائفة المنصورة، من خلال طرح أهم الخصائص والصفات.

· اختصار خطوات الانتصار

إن المؤمن لديه يقين يتأكد بمرور الأيام، أن الاستقامة على منهاج الله تختصر المسافات، وتطوي المراحل، وتوفر وقت التجارب أمام المؤمنين، في أي نوع من أنواع المواجهات والصراعات التي يخوضونها؛ فالتخبط المنهجي، والدَّخَن العقدي، والاضطراب القيمي والسلوكي، كل ذلك يؤخر النصر ويُعقِّد القضايا ويُطيل من عمر الأزمات.



د.عبد العزيز مصطفى كامل
*ماجستير شريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
دكتوراه في الشريعة من جامعة الأزهر
مفكر إسلامي مهتم بالقضية الفلسطينية وله فيها عدة مؤلفات
المشرف العام على موقع "لواء الشريعة"
عضو هيئة تحرير ومجلس إدارة مجلة البيان
مدير مركز الأجيال للبحوث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق