عين العرب تفضح التواطؤ الأمريكي مع الأسد
لا يزال موقف تركيا من الانضمام إلى التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش محل انتقاد العديد من المسئولين والسياسيين لاسيما مع اقتراب الصراع من الحدود التركية وتصاعد المعارك في مدينة عين العرب "كوباني" وإصرار تركيا على عدم نشر قوات لها على الأرض.
غير أن القرار التركي الذي يخضع لعدة أولويات تتعلق بمصالح أنقرة لم يختلف كثيرًا عن موقف الولايات المتحدة إبان اندلاع الثورة السورية منذ نحو ثلاث سنوات، وتباطؤ إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في اتخاذ إية إجراءات حاسمة ضد انتهاكات نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" التي تسببت في سقوط آلاف المدنيين السوريين قتلى وجرحى ونزوح ملايين اللاجئين.
وألقت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية بالضوء على بعض نقاط التشابه بين الموقفين التركي والأمريكي؛ معتبرة أن الولايات المتحدة ليست في مكانة تسمح لها بإصدار الأحكام وإلقاء اللوم على غيرها.
ونعرض فيما يلي نص المقال الذي جاء في افتتاحية الصحيفة تحت عنوان "الولايات المتحدة متواطئة بينما تلقي باللوم على تركيا في كارثة كوباني":
يبدو أن إدارة أوباما قد استقرت على تبني وسيلة دفاع تتمثل في إلقاء اللوم على تركيا في كارثة إنسانية وشيكة بمدينة عين العرب "كوباني" السورية". وإن كان هذا أمر مريح وليس خطأ برمته إلا أنه يترك جزءًا كبيرًا من القصة مفقودًا.
ولا يوجد ما يثير الإعجاب في رد فعل تركيا إزاء القتال الدائر بين تنظيم "الدولة الإسلامية" والأكراد السوريين على الحدود السورية التركية. ناهيك عن تردد تركيا في نشر قوات عسكرية على الأرض؛ وهو أمر ينبغي على السياسيين الأمريكيين تفهمه. فقد منعت تركيا التعزيزات الكردية من العبور جنوبًا للمساعدة في القتال البئيس.
كما أن اللاجئين الأكراد من كوباني لا يستشعرون بأنهم موضع ترحيب في تركيا؛ كما سبق وأعلنت ذلك "وكالة الامم المتحدة للاجئين" في تقرير لها.
وفي حال وقعت بلدة كوباني في أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن النتيجة المتوقعة ستكون مذابح للأسرى من الرجال واستعباد للأسيرات من النساء.
بيد أن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بإصدار الأحكام، لاسيما وقد نأت بنفسها جانبًا على مدى أكثر من ثلاث سنوات لقي خلالها 20.000 سوري مصرعهم؛ معظمهم على أيدي نظام بشار الأسد، فيما أصبح ثلاثة ملايين آخرين لاجئين من بينهم مليون شخص توجهوا إلى تركيا؛ والتي- مع أخد التعداد السكاني في الاعتبار- ستكون مكافئًا للولايات المتحدة التي يندفق إليها أكثر من أربعة ملايين مكسيكيًا عبر الحدود.
وعلى عكس الصراع في كوباني؛ فليس هناك سوى لقطات تليفزيونية قليلة التي تعرض مشاهد لأطفال سوريين تمزقهم "القنابل البرميلية" التي تلقي بها قوات الأسد على المباني السكنية والمدارس والمخابز. فقد أصبح من الخطير للغاية بالنسبة للصحفيين تغطية الحرب المندلعة هناك. غير أن بشاعة المذبحة لا تقل فداحة؛ فهذه قنابل تمتليء بالبراغي والمسامير والشظايا المعدنية المراد منها التشويه والقتل المؤلم.
إن الإستراتيجية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية بشأن استهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" في الوقت الذي تمنح فيه جواز مرور للرئيس الأسد قد تسببت فعليًا في زيادة الأوضاع سوءًا بالنسبة لضحاياه في المدن التي يسيطر عليها الثوار السوريون المعتدلون الذين من المفترض أنهم يتمتعون، من الناحية النظرية فقط، بدعم الولايات المتحدة.
وتفتقر الإستراتيجية الأمريكية إلى التماسك فضلاً عن أنها محل تساؤل من الناحية الأخلاقية. فالولايات المتحدة تتوقع أن يصبح هؤلاء الثوار المعتدلون أنفسهم جنودًا لها في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" الأكثر تطرفًا. إلا أنها ترفض استهداف نظام الأسد ؛ الذي يراه الثوارعدوهم الرئيسي الذي يفعل كل ما في وسعه من أجل القضاء عليهم في الوقت الذي تطالب فيه الولايات المتحدة الأطراف بالتحلي بالصبر وضبط النفس.
يقع ذلك في صميم خلاف الرئيس أوباما مع الرئيس التركي "رجب طيب إردوغان"، الذي يحث الولايات المتحدة على إنشاء منطقة حظر جوي فوق الشمال السوري. فمثل ذلك التحرك لن يتعارض مع الحملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بل من شأنه أن يمنح الثوار المعتدلين في سوريا شيء من الراحة من الهجمات وبعض الأراضي لإعادة ترتيب صفوفهم.
بعبارة أخرى، فإن ذلك من شأنه أن يخدم المصالح التي ادعى الرئيس أوباما فيما مضى أنها أهداف أمريكية وهي: مساعدة الثوار المعتدلين وخلع الأسد. وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" يقول أن المقترح "جدير بالبحث فيه عن كثب."
غير أنه يبدو أن البيت الأبيض لا يكترث بتقديم مساعدة حقيقية للثوار كما هو الحال دومًا. وأن الأسهل هو فقط إلقاء اللوم على الأتراك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق