السبت، 18 أكتوبر 2014

تحطمت الطائرات عند الفجر جزء 5!

تحطمت الطائرات عند الفجر جزء 5!
غلاف الكتاب مترجم الي العربية

آيات عرابي
كتاب ( تحطَمت الطائرات عند الفجر )


نستكمل سويا عرض كتاب تحطمت الطائرات عند الفجر و هذا هو الجزء الخامس


.لم يفزعني هذا النبأ إذ كنت أعد نفسي منذ زمن لمواجهته ومع ذلك فقد شعرت أن شيئا ما بداخلي بدأ يموت, ينقضي. أن فيشل لندسبرغ ذلك النسر الكبير, ذلك الرجل الذي روحه روح طفل, وعقله عقل عالم, هل يمكن أن ينتهي دوره ويخرج من اللعبة ؟
قلت : حسنا, سأبيع للتاجر المغربي الراجمات مقابل الثمن سلفا, ولكن أنتظروا بضعة أيام بعد أن أسلم السلاح للتاجر حتى لايشك بانني أنا الذي وشيت به, خرجت الى الشارع وأنا حائر هل أفرح أم أبكي. وأخيرا قررت أن أفرح واشرت بيدي لسيارة أجرة.
عند منتصف الليل أطفئت الانوار في الظلام, ضائعون في العتمة الرجال يبحثون عن النساء. والنساء تبحث عن الرجال, وأمسكت بيدي احداهن, تلمستها فوجدتها لذيذة.
بعد يومين شكلت حكومة جديدة في فرنسا, وأشتد أوار الحرب في الجزائر, وتقلص توريد السلاح من فرنسا الى مصر يوما بعد يوم, بعدأن علمت فرنسا بأن الأسلحة تتحول الى الثوار الجزائريين.
لم يقابلني هذه المرة الملازم جيون, وانما حضر أثنان من المخابرات الفرنسية إلى غرفتي في الصباح الباكر وسلماني أمر طرد من فرنسا خلال 24ساعة. ولكن أستطعت بواسطة صديق بوزارة الخارجية أن أمدد الامر ليومين آخرين, وأنهيت جميع أعمالي في باريس وتقابلت مع الكونيل محمد مدكور أبو العز وأبلغته بانني سأنتقل الى سويسرا, ولكن الضابط المصري تطلع بي طويلا ثم قال : أنور بيك, هل تأذن لي بأن أدعوك بإسم سلاح الجو المصري لزيارة بلادي؟ وعندها سترى ماذا نفعل بالسلاح الذي أشتريناه منك. لم أجب, وأنما أحسست كأن أمراة أشتقت اليها وتلهفت عليها مدة طويلة بدون أمل, تستجيب لي الآن, تدعوني بشهوة للقائها. وسكت, وفسر أبو العز سكوتي بأنه موافقة على تلبية دعوته ثم قال : أن قائد سلاحنا الجوي الجنرال محمود سيعتبرك ضيفه الخاص, وحركت رأسي علامة الرضا, ثم أستمر أبو العز . .
كذلك فان مدير مخابراتنا يرغب منذ مدة في التعرف عليك. وهنا شعرت بعنكبوت يزحف على عمودي الفقري, شعرت بعرق بارد يكاد يتصبب من جميع خلايا جسدي, ولكن وجهي لم يتأثر.
يسرني جدا أن ألبي دعوتك, قلت لأبي العز, وأنا أحني رأسي لتخرج من فمي جملة صادقة المعنى.
القسم الحادي عشر
وجها لوجه مع مدير المخابرات المصرية
26 مارس 1956
الساعة 9:30 حتى 10:30
أمضيت طيلة ذلك الصباح أجري مشاورات – بقلبي طبعا – مع فيشل. كنت أسائل نفسي : ماذا يقول فيشل عني ؟ لقد أستدعيت الى مكتب البريجادير صلاح نصر قائد سلاح الاستخبارات المصرية, وحدد الموعد لي التاسعة تماما. فهل أذهب اليه في الوقت المحدد, أذن كيف أظهر له أستقلالي وكوني تاجر أسلحة غير غير مرتبط, يعطف الى حد ما على نظام الحكم الثوري مصر, ولكنني بنفس الوقت رجل حر, رجل همه تجارة السلاح. وبعد حوار طويل مع فيشل قررت أن أتأخر عن موعد المقابلة مع صلاح نصر بضع دقائق, ولست أشك أنه لا يوجد في بلاد النيل كلها عشرة رجال غير أعضاء مجلس الثورة أنفسهم, يتجرأون على التأخر عن موعد محدد لمقابلة صلاح نصر. ولكني أنا (آرام أنور ) تاجر سلاح تركي, دولي, أمه الأرمنية مريام نورهان الجميلة يتجرأ على التأخر. كان صباحا قاسيا علي, لم أستطع أن أركز فكري في العمل الذي سأقوم عليه, وربما هو أخطر عمل يطلب مني. وفجاة شعرت بالشوق نحو أمي المجهولة, الارمنية الجميلة التي توجد صورتها في درج الطاولة بغرفتي في فندق القاهرة.
ربما يكون سبب شعوري بالعزلة والوحدة هو النبأ الذي وصلني عشية سفري الى مصر عن وفاة فيشل, ولم يكن لدي الوقت حين ذاك ولا القوة لهضم الخبر والاستجابة له.
فقد كنت منصرفا بالكامل نحو التفكير في سفري الى مصر, ونزولي الى عرين الاسود. واليوم, وقد مرت ثلاثة أسابيع على وصولي القاهرة وطلب مدير المخابرات المصرية مقابلتي, شعرت بمدى عزلتي ووحدتي.
فأنا هنا, في البلد الذي سأقيم فيه الى ما شاء الله أشعر بأن حبل المشنقة معلق فوق رأسي, ينتظر مني أقل هفوة ليحيط بعنقي بشدة.
رفعت رأسي وأبتسمت لنفسي, أن آرام أنور لن يدع شخصاً يخدعه. آرام أنور لن يخيب ظن فيشل الطويل فيه, فيشل الذي صنعني من جديد, الذي شق لي طريقا على جثث النساء, وبأموال طائلة وعلى حساب حرمان سلاحى الجوي من المعدات العزيزةالضرورية له. غسلت شعري, وصبغته جيدا حتى جذوره التي بدأ اللون الحقيقي يظهرعليها, وحلقت ذقني وسكبت العطر على جسدي, وأرتديت أجمل ملابسي وهكذا أصبح آرام أنور جاهزا لكل شئ.
وصلت القاهرة قبل ثلاثة أسابيع مع صديقي البكباشي أبو العز, كان وصولنا بعد الظهر, ووجدنا المدينة الكبيرة القاهرة في ظلمة صفراء بسبب عاصفة رملية شديدة منعت هبوط الطائرة, مما أضطرها أن تحاول الهبوط في أحد المطارات السرية الأخرى, مطار في غرب القاهرة, مطار الماظة, أمبابة, حلوا , ولكنها عادت بالتالي الى المطار الدولي. ولما هدأت العاصفة الرملية شاهدنا على الأرض ثلاث بنايات غريبة الشكل, أحدها أكبر من الثاني, كانت هذه أهرام الجيزة شعار مصر القديم, التي تذكر الناس بالماضي الجليل لبلاد النيل, وخلف نهر النيل شاهدنا مدينة القاهرة التي بناها المحتلون المسلمون من الحجر الأبيض المنقوش والذي أخذوه من الاهرام. بين الاهرام والقاهرة كان يمتد أطوال وأغرب نهر في العالم, النهر الذي يجري شمالا والذي تفيض مياهه في أواخر الصيف فيجرف آلاف الاطنان من الطمي المخصب من جبال الحبشة, ويجعلها تستقر في قلب الصحراء وعلى ضفاف النهر تقوم منذ القدم, حتى اليوم, منذ أيام الفراعنة, أكواخ اللبن التي يقيم فيها أثنان من كل ثلاثة من سكان مصر, وهناك بعيدا الى الجنوب يقوم السد الكبير الذي يحاول المصريون الآن مضاعفة حجمه.
 وفي الشمال والشرق تمتد البلدان التي يحلم حكام بلاد النيل بها منذ وجود الاهرام. ولكن هناك أيضا على شاطئ البحر المتوسط تقوم بلادي, تنتظر مني ما أستطيع أن أفعله من أجل ان تظل قائمة هناك على شاطئ البحر المتوسط.
كان البريجادير صلاح نصر, كبقية قادة الحكم والجيش في مصر, رجلا في مقتبل العمر, في مطلع الثلاثينات. ولكنه كان يختلف عن بقية زملائه البسطاء. ولما نظرت الى الصورة التاريخية التي تضم الضباط الاحرار الذين قاموا بالثورة المصرية. وجدت أن واحدا منهم فقط غير محبوب وهو أكبرهم سنا ويجلس في وسطهم أنه الجنرال محمد نجيب.
وفي احدى المرات, وقد كنت أقف على بعد خطوات قليلة من وزير الحربية المصري المشير عبد الحكيم عامر, فهمت السبب الذي ما أجله قال لي فيشل, لا تخفه, فان وجه عبده ( لقب عبد الحكيم عامر ) تبدو عليه جميع الصفات الأيجابية بالنسبة لضابط, ولكن صفاته لاتخيف كل من يريد العمل بالسياسة أو . . التجسس, بدون مبرر, فهي لاتزيد عن كونها البساطة, والاستقامة والأخلاص, وطيبة القلب. وكلها صفات عبده فلا تخشى جانبه, وبالفعل لم أشعر تجاه هذا الرجل (عبده ) لا بالكراهية ولا بالمحبة, مع أنه يستحق الكراهية. أما صلاح نصر فكان مختلفا عنهم : فتعابير وجهه لم تكشف تقريبا عن عمره الحقيقي وربما كان منظره اليوم, هو ذاته قبل عشر سنوات. كان نحيف الجسم, لباسه العسكري متهدل على صدره وكتفيه, يلبس نظارة سوداء حتى أثناء جلوسه الى مكتبه الكبير. كان حجمه صغيرا بالنسبة للغرفة الكبيرة ذات الاثاث الفاخرالتي يجلس فيها, حتى كأنه يبدو كعنكبوت صغير يجلس في وسط شبكة كبيرة.
دخلت الى البناية الكبيرة الموجودة داخل المعسكر, وفي طرف هليوبوليس عند حدود الصحراء تماما, لاقابل صلاح نصر و كانت الساعة التاسعة وثلاث دقائق تماما.
واصطحبني ضابط شاب الى مكتب صلاح نصر, ودق الباب, وأدى التحية العسكرية وأعلمه بمقدمي. سرت الى الامام أتوقع التحية المصرية المعتادة (( سعيدة)).
السلام عليكم, قال بصوت مرتفع وهو ينظر الى تحيته غير مألوفة في مصر. وكذلك كان ردى عليها. ولكنها كانت الرد الملائم لتحيته, وقلتها فورا وبدون تردد, أجلس من فضلك وأشار صلاح نصر الى كرسي من الجلد الوثير. جلست وعلى شفتي أبتسامة بلا معنى. وقلت بلا مبالاة : تحت أمرك, ورفع نصر يده كأنه يدافع عن نفسه ويقول : من أنا حتى أصدر لك الاوامر ؟ بدأ حديثه قائلا, أن الكولونيل أبو العز يمدحك كثيرا, ويقول بأنك قمت بمساعدتنا في اللحظة الحاسمة.
عدلت من جلستي على الكرسي, وكان مكيف الهواء قد جفف العرق الذي الصق قميصي الحريري بجسدي, أذ كان الحر حتى مثل هذا الفصل شديدا في القاهرة, وفي شوارع هليوبوليس الواسعة المستقيمة وهي الحي العصري في القاهرة.
وكنت أرتدي معطفا خفيفا. وقلت أرد على كلامه : يؤسفني أن أخيب ظنك ولكن من المبالغ فيه القول بأنني جئت لمساعدتكم. وكل ما في الامر أنني عرضت عليكم بضاعة كنتم بحاجة ماسة اليها, والحقيقة أنني لم أحاول أن أستغل بذلك ظروفكم القاسية. وهنا دخل نائب يحمل طبقا عليه أكواب القهوة الساخنة والحلويات.
وعندها تذكرت القهوة التي شربتها قبل حوالي عام ونصف عام في مكتب فيشل , وقدمتها لنا يومها فتاة باسم روثي , وهي الفتاة التي الضغط جسدها عند تقديمها القهوة بين الطاولة وجسدي , وهي التي قادتني بعد ذلك الى الفراش وأستعت صديقتي نعومي لتفاجئنا بذلك الوضع المحرم .
أما هنا فالذي قدم لنا القهوة, رجل برتبة نائب, وسرعان ما أنصرف من المكتب وفجأة شعرت بأرتياح حقيقي, هنا مكاني وهنا سأضرب جذوري عميقا ولن يستطيع أحد أن يكتشف ما أخفيه وراء وجهي الاملس. قال نصر . . أننا نريد أن نشكرك لكونك لم تستغل تلك المناسبة للضغط علينا. ثم سكت مدة طويلة وبعدها أضاف : أنت تعلم يا أنور بك أن هذه البلاد تصادف كثيرا من المشاكل, حتى يقيض الله لها من يهب لمساعدتها, وعندها أبدأ أسائل نفسي, لماذا فعل فلان ذلك ؟ وأبقي السؤال معلقا في الفضاء موجها وغير موجه نحوي. وعندها تذكرت ما قاله فيشل مرة : لاتحاول مطلقا أن تذكر أية معلوما , ولكن أذا وقعت في فخ, فأدخله بمحض أختيارك. ولذلك قررت الدخول والاجابة فقلت : أنا رجل أعمال يا بريجادير, وحينما قلت لمحمد مدكور بأنني لا أريد أن أضغط على أخواتي المسلمين, ذكر لي السلاح الذي بعته لاعداء الاسلام ولكني رجل يعيش من وراء بيع السلاح ولايهمني مايفعل بذلك السلاح أو يستخدم ضد من, وهز نصر رأسه موافقا ثم واصلت : ولكن رجل الاعمال الحقيقي يجب أن يعرف كيف يضع حدا لنفسه, وهنا رمقني ذلك العنكبوت بنظرة فاحصة من وراء نظارته السوداء وقال بصوت خفيف غريب عليه, فكرنا في أن نعطيك وساما من سلاح الجوالمصري وسام شرف. وابتسمت أبتسامة سخرية, ولكني حرصت على أن لا يراني أسخر منه
وقلت : لقد أخذت منكم وسام شرف, أوسمه من النوع الذي أحبه الاخضر الازرق (يقصد هنا المال ثمن البيع ).
قال نصر . . حسنا فعلت, أنك لم تأخذ نفس الوسام من أسرائيل. والواقع أنهم يدفعون أكثر منا. فقد كانوا بحاجة الى هذا السلاح أكثر من حاجتنا اليه.
قلت . . كلا لم يكونوا بحاجة له أكثر منكم, بالرغم من أن دعايتهم تزعم العكس. وعلاوة على ذلك فإن الاسرائيليين, كبقية اليهود في العالم, لن يفهموا ما هو العمل الشريف. فهم دائما يطلبون روحك مع السلاح الذي تبيعه لهم . . وان كل من لا يسير مع الاسرائيليين حتى النهاية يعتبروه عدوا لهم وأقول لك بالمناسبة, أنه بعد أن أتت صفقة السلاح, بيني وبينكم حاول الاسرائيليون الايقاع بي في حبائل جاسوسية لهم في فرنسا.
قال نصر . . صحيح أنها مدام لاكوست.
قلت . . ولكن من أين تعلم بأمر لاكوست.
قال . . ومن أين لك آثار الدمل على ظهرك ؟
الواقع أنني دهشت لذلك, وظهرت الدهشة على وجهي : وأرتسمت على قسمات وجهي أسئلة كثيرة أولها, بالفعل كيف عرف هذا الرجل بآثار الدمل الموجود على ظهري ؟
ولكن عرفت فيما بعد السر, فخلال وجودي في سويسرا تعرفت على فتاة هناك باسم (لورا ) وكانت تلك الفتاة تفضل ونحن فى الفراش أن تلف رجليها وراء ظهري ورأت العلامة, ولما سألتني عنها يومها قلت لها : أنني كنت عشيقا لزوجة أحد الاشخاص في تركيا, وذات ليلة داهمنا الزوج في منزله في فراش واحد فاطلق علي الرصاص من مسدسه وأصابني في ظهري ونتج عن ذلك كما ترين هذا الاثر.
وسألت صلاح نصر بصوت غاضب . . وماذا تعرف عني أيضا ؟
قال . . أعرف سبب آثار ذلك الدمل, وبما أنك تحكي للنساء وهن في فراشك كل شئ فلا يجب أن تستغرب علمي بكل شئ عنك. أنا أعرف عنك أيضا بأنك مغرم مجنون بالنساء وتفاخر بذلك, وأقول لك حافظ على علاقاتك جيدا في الخارج, سنكون بحاجة لك, فالطائرات النفاثة ليست كل آخر شئ نريد الحصول عليه وفي بلادنا نقيم 200 مدرسة أبتدائية كل عام و10 مؤسسات للدراسة العالية, ويدرس لدينا اليوم مليون ونصف طالب في المدارس الابتدائية و100 ألف طالب جامعي. من خلال سنوات عند اكتمال السد العالى وتطور الصناعات الثقيلة سنكون دولة كبرى في هذه المنطقة. وكل من يمشي معنا على طول الطريق, سيكون جزاؤه محفوظا. وعند أفتراقنا قال لي بصوت ناعم : كل أنسان يدخل بلادنا يا أنور بك نفتح – عليه عيوننا ليل نهار, لئلا يحدث له مكروه.
ولذلك فنحن نقوم بمراقبتك وحمايتك من المساوئ. ولكنني أنتظر منك بالمقابل الاخلاص التام. كانت هذه هي أول مرة خلال حديثنا الطويل لم أستطع أن أفهم ما يرمي اليه من الحماية التي أن هذا النصر – على الاقل من ناحيتي مصنوع من الورق.
القسم الثاني عشر
الاستعراض . . .
29مايو 1956
الساعة 0915 حتى الساعة 1400
كان مطار الماظة يمتد على مدى البصر من النيل حتى التلال الصغيرة المنتشرة بين حقول القطن والارز. كما أنه من العسير رؤية نهاية المطار حتى من رأس برج المراقبة العالي. في ذلك المطار مباني من الاسمنت ومستودعات كبيرة للوقود, والذخيرة وقطع الغيار, وطائرات مصفوفة, وكان المطار أشبه بمعسكر جيش كبير يستعد للحركة.
وكان رجال الاعمال الارضية وصيانة الطائرات ينتشرون في المطار يؤدون مختلف الاعمال. وعلى شرفة برج المراقبة كان يقف صديقى الجديد محمد صدقي محمود قائد الاسطول الجوي. كان وجهه متجعدا في الوقت الذي لا يزيد عمره عن الثلاثين بكثير, وكان يخفي وجهه بمنظار ميدان يتطلع من خلاله الى ما يجري في أرض المطار.
والى جانبه كان يقف صديقي الذي عرفته في باريس الميجور عبد الحميد عبد السلام دغيري, وفي الجانب الآخر البكباشي جمال الدين محمود عفيفي رئيس عمليات سلاح الجو. وبينما كنت أتكئ على حاجز الشرفة, كنت أتطلع بدون أن أثير أي أنتباه الى ما يجري هناك.
ولكن تحت ستار عدم الاكتراث الذي كنت أتقنع فيه, كان عقلي يصور كل شئ بدقه, وحتى أصبحت قادرا على أن أعيدما رأيته هناك بعد عودتي الى المنزلي الجديد الواقع في بناية بطرف القاهرة على طريق هليوبوليس.
ولقد أراد أصدقائي الجدد الذين أمضيت معهم أمسيات وليالي حمراء أن أشاهد القوات التي كانوا يفاخرون بها, وهي الاسراب الجديدة من الطائرات الروسية النفاثة التي وصلت مصر مؤخرا. وقد فهمت وعلمت أن مطار الماظة الحربي كان أكبر مطار عسكري في مصر وفيه حشد حوالي نصف القاذفات النفاثة الروسية من طراز اليوشن, كما حشد فيه أيضا سرب من الطائرات البريطانية الحديثة, وهي نفس الطائرات التي ساهمت بانقاذها قبا بضعة أشهر حينما بعت لمصر قطع الغيار لها والذخيرة والمعدات الارضية بدأ رجال الاعمال الارضية يبتعدون عن أرض المطار ويدخلون المباني, وتقدمت مجموعة من طائرات الميج وأصطفت على المدرجات ومن خلفها أصطفت طائرات الداكونا والميتيور وأخيرا درة التاج قاذفات القنابل من نوع اليوشن. وأرتفعت أصوات المحركات وأنطلقت طائرات الميج بسرعة خاطفة وأرتفعت في الجو تشكل رسوما وأشكالا مختلفة.
ثم أستعدت طائرات اليوشن كأنها تقول للمشاهدين أن طائرات الميج الصغيرة لا تذكر بالنسبة لحجمها الكبير وأجنحتها الطويلة.
والتقت طائرات الميج والاليوشن في السماء توجهت كلها شرقا الى القاهرة والعودة, ثم سارت بمحاذاة نهر النيل.
وهنا وقعت الكارثة فإن طائرة ميج صغيرة خرجت فجأة عن التشكيلة الجوية وهي تتخبط بجنون في السماء وراحت تقترب من الارض ورأينا جسما صغيرا ينقذف منها. ومظلة تنفتح, ثم غاصت الطائرة في الأرض وسمعنا صوت أنفجار مدوي ومعه أرتفعت سحب من الغبار والدخان الاسود. وسمعت محمد صدقي محمود الذي الذي كان يراقب ما يجري بالمنظار الكبير يسب ويشتم ثم يأمر أحد الضباط بأجراء التحقيق ومحاكمة الطيار بأسرع وقت. وعادت التشكيلات الجوية الاخرى الى أرض المطارِ.



تحطمت الطائرات عند الفجر ! الحلقة الأولى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق