الخميس، 8 يناير 2015

حلم الخلافة منذ الشريف حسين

حلم الخلافة منذ الشريف حسين

عادل سليمان

قبيل فجر اليوم الثاني من يونيو/ حزيران من العام 1916، وقف شريف مكة، الشريف الحسين بن علي، في شرفة منزله، وأطلق طلقة من بندقيته، معلناً الثورة العربية الكبرى، بهدف خلع طاعة دولة الخلافة العثمانية، وإقامة الخلافة العربية!
لم يبدأ ثورته من فراغ، ولكن سبقها اتصال وتنسيق مع بريطانيا العظمى، فقد أوفد ابنه الأمير عبد الله في فبراير/ شباط 1914 إلى القاهرة، لمقابلة المندوب السامي البريطاني، اللورد كيتشنر، ثم كانت المراسلات الشهيرة بينه وبين المعتمد البريطاني في القاهرة، السير هنري مكماهون، خلال عامي 1916 و1917، وكان مضمونها بشأن دعم الشريف حسين وجيشه العربي الحلفاء ضد دولة الخلافة العثمانية، في مقابل تعهد بريطانيا الاعتراف بالاستقلال والخلافة العربية للشريف حسين! 
ولكن، ما لم ينتبه إليه الشريف حسين أن بريطانيا العظمى كانت، في الوقت نفسه، تدعم ابن سعود، وحركته الهادفة إلى توحيد شبه الجزيرة، تحت سيطرته وإقامة مملكة عربية سعودية بعيداً عن فكرة الخلافة!
والأهم أنه مع مراسلات الحسين ـ مكماهون، كان يتم وضع الخريطة الجديدة للمنطقة، عبر اتفاقية سايكس ـ بيكو. غير أن الشريف حسين استمر يعيش في وهم الخلافة، واتخذ لقب أمير المؤمنين. وكان على بريطانيا أن تنهى فكرة الخلافة العربية الإسلامية نهائياً، بانتصار حاسم لابن سعود في الجزيرة العربية وإقامة دولته، بعيداً عن فكرة الخلافة، وأمّنت بريطانيا خروج الشريف حسين من جدة إلى قبرص، ليعيش فيها ست سنوات، ثم يعود إلى عمان ليموت فيها، ويدفن في القدس، وينتهي حلمه بدولة الخلافة العربية إلى إمارة شرق الاْردن التي أصبحت المملكة الأردنية الهاشمية.
وتم فرض خريطة سايكس ـ بيكو على المنطقة، في إعلان واضح، لا مجال لعودة دولة الخلافة من جديد بأي شكل أو مسمى.
ولكن، بقي الحلم يداعب بعض الملوك والحكام، ثم زعماء أفرزتهم حركات التحرر التي قادتها النخب العسكرية في حقبة الخمسينيات. داعب الحلم الملك فاروق تارة، وانتهى بالدعوة إلى إنشاء جامعة الدول العربية، ثم داعب جمال عبد الناصر، في ثوب قومي وليس إسلامياً، تحت شعار الوحدة العربية، وانتهى الحلم بنكسة 1967 الكارثية، واستمر الحلم بعباءته القومية يحمله "زعماء" مثل صدام حسين، وانتهى، أيضاً بكوارث حروب الخليج المتتالية، حتى غزو العراق في 2003.
على الرغم من ذلك كله، بقي حلم الخلافة الاسلامية العربية في وجدان جماعات عديدة، جعلت منها هدفاً سامياً تعمل من أجله، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وهي لا تنكر ذلك في أدبياتها، وتعتبر أن هدفها هو بناء الإنسان المسلم، لبناء الأسرة المسلمة، لبناء المجتمع المسلم، لبناء الدولة المسلمة التي تقود العالم الإسلامي على نهج الخلافة. ولكنها، أيضاً، في أدبياتها، تعتمد الأسلوب الدعوي السلمي، وليس الأسلوب الجهادي، ما دفع القوى الدولية الكبرى المهيمنة على النظام العالمي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، إلى الاهتمام بتلك التيارات

الإسلامية، ووضعها تحت الدراسة، باعتبارها بديلاً محتملاً للنُظُم السياسية التي أصابها العجز والتكلّس، في إطار خطط إعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط الجديد على أنقاض تقسيمات سايكس ـ بيكو التي أصابها الوهن! 
التقطت الجماعات الإسلامية المنظمة، وفي مقدمتها، أيضاً، الإخوان المسلمين، الخيط، وقدمت نفسها باعتبارها تمثل الإسلام الديمقراطي المعتدل، وأرجأت الحديث عن حلم الخلافة. وجاء يناير/ كانون الثاني 2011 يحمل رياح الربيع العربي، ولاحت الفرصة للجماعات الإسلامية الأكثر تنظيماً والأكثر جاهزية وقدرة على الحركة، لتتصدّر المشهد في زخم الحراك الشعبي وارتفاع سقف الطموحات، بما يتجاوز القدرات الحقيقية. وبالفعل، وصلت تلك الجماعات إلى السلطة، عبر الانتخابات الأولى التي يجب أن نعترف أنها جرت بنزاهة، ولكن وسط زخم عاطفي حماسي، فاز الإخوان المسلمين في مصر، وحركة النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، ووقف العالم على كل المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية، يترقّب ويتحفّز.
 وهنا تباينت المواقف، في المغرب، بادر زعيم "العدالة والتنمية"، عبد الإله بنكيران، إلى إعلان أنه لم يأت للانتقاص من سلطات العاهل المغربي، ولا الانفراد بالسلطة، ولا يحمل مشروعاً إسلامياً خاصاً، وشكل حكومة ائتلافية، رافعاً شعار الديمقراطية واحترام الدستور، فمرت الأمور بسلاسة وقبول إقليمي ودولي.
 وفي تونس، استجاب زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، للضغوط والمطالب التي جاءت من قوى المجتمع المدني، وامتثل لطاولة الحوار الوطني التي انتهت بتغيير الحكومة التي كانت تقودها الحركة، وتم تشكيل حكومة غير حزبية مؤقتة، والاتفاق والتوافق على دستور ارتضته كل القوى، ثم الدخول في انتخابات برلمانية نزيهة، والقبول بنتيجتها، حيث جاءت "النهضة" في المركز الثاني، والتزموا بوعدهم بعدم تقديم مرشح للرئاسة، وعدم دعم أي مرشح، ثم قبلوا بنتائج الصندوق التي دفعت بحركة نداء تونس المحافظة إلى صدارة المشهد، احتراماً لإرادة الناس.
كان الوضع في مصر مختلفاً، فالإخوان المسلمون الذين فازوا بالأكثرية في أول انتخابات برلمانية جرت سريعاً في العام 2011، ثم فاز مرشحهم للرئاسة، رئيس حزب الحرية والعدالة، الدكتور محمد مرسي، برئاسة الجمهورية في 2012، وتم إقرار دستور جديد بعد تحصين اللجنة التي وضعته وعبر استفتاء شعبي، ولم يكن باقياً لاستكمال النظام سوى انتخابات برلمانية طبقاً للدستور. وقد جددوا الدعوة لحلم الخلافة من جديد، في إطار مشروع إسلامي متكامل. وتلك في واقع الأمر، كانت الصخرة الحقيقية التي تحطم عليها مشروع الإخوان المسلمين في مصر.
أما باقي دول الربيع العربي، ليبيا وسورية واليمن، فقد سقطت في مستنقع الصراعات العسكرية والاضطرابات الحادة.
وجاءت المفاجأة المدوية، في التاسع والعشرين من يونيو/ حزيران 2014، وبعد 98 عاماً من طلقة الشريف حسين في مكة التي أعلن فيها انطلاق الثورة العربية الكبرى لإقامة الخلافة الإسلامية العربية، أيقظ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف باسم "داعش"، حلم الخلافة الاسلامية العربية، فتم الإعلان، وأيضاً تحت راية السلاح، من الموصل في العراق، عن إقامة الخلافة الاسلامية باسم الدولة الإسلامية، واختيار أبو بكر البغدادي أول أمير للمؤمنين لها.
وفي هذه المرة، ليس لدى القوى التي تحكم العالم الوقت لإدارة المناورات والمؤامرات، فبادرت، فوراً، إلى الدعوة لتكوين تحالف إقليمي دولي لمحاربة حلم تنظيم الدولة الذي رفع شعار "الخلافة" وبقوة السلاح، باعتباره تنظيماً إرهابياً يهدد السلم والأمن في المنطقة والعالم، ويعيق، في الأساس، إعادة هيكلة المنطقة، بعد انتهاء صلاحية خريطة سايكس ـ بيكو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق