الخميس، 9 أبريل 2015

الموت في صيدنايا


الموت في صيدنايا


قبل سنوات، كان الحديث عن سجون سوريا وكشف أي تفاصيل عنها يعد ضربا من الخيال، فما بالك إذا ارتبط هذا السجن بمجزرة تم التعتيم عليها من النظام، وتغاضت عنها وسائل الإعلام وقتها، وعدتها أحداثا اعتيادية داخل السجن، لكن الثورة أتت لتعطي الفرصة لكشف المسكوت عنه من قبل، وتروي تفاصيل كان يظن الكثيرون أنها دفنت مع الأيام.

فتح برنامج "الصندوق الأسود" في حلقة (2/4/2015) ملف مجزرة وقعت عام 2008 في سجن صيدنايا العسكري، الواقع في إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق.

كان السجن يضم وقتها مئات المعتقلين السياسيين، وأغلبهم من الإسلاميين، وشهد سلسلة أحداث أقرب إلى الانتفاضة ضد إجراءات قمعية مورست ضد السجناء من قبل أجهزة الأمن.

مع نهايات عام 2005، وصل عدد المعتقلين في السجن على إثر حملة أمنية كبيرة إلى حوالي 1200 معتقل، جلهم من الإسلاميين، إضافة إلى عشرات المعتقلين المتبقين من فترة الثمانينيات.


"علي خير بيك اسم لن ينساه معتقلو صيدنايا، وكان من الإجراءات التي اتخذها مدير السجن منع الزيارات والمبالغة في الإجراءات العقابية وأساليب التعذيب بحق السجناء، وكان آخرها قطع التيار الكهربائي عن السجن بالكامل لعدة أشهر"
علي خير بيك

علي خير بيك اسم لن ينساه معتقلو صيدنايا. وكان من الإجراءات التي اتخذها مدير السجن منع الزيارات والمبالغة في الإجراءات العقابية وأساليب التعذيب بحق السجناء، وكان آخر إجراء قام به قطع التيار الكهربائي عن السجن بالكامل لعدة أشهر.
في 27/3/2008، كان السجن يمر بمرحلة صعبة للغاية، الأمر الذي رفع من موجة الاحتقان يوما بعد يوم بين السجناء وإدارة السجن، وبعد مداهمة قوى الأمن السجن في جولة تأديبية فوجئ السجانون بخروج الأمور عن السيطرة، ولم يتوقع علي خير بيك ما حدث، بل ربما لم يتخيل أحد بسوريا أن يحدث هذا في يوم من الأيام.

هرب علي خير، وبدا أن حاجز الخوف ينكسر لدى السجناء، فقد قرروا أنه لا شيء يخسرونه سوى قيودهم.

يقول قيادي بالتيار الإسلامي داخل صيدنايا إنهم طلبوا لقاء بشار الأسد، معولين على أن اللقاء سيلبي مطالبهم، وسرعان ما توصل السجناء إلى اتفاق مع الدولة لإنهاء التمرد، شمل إنهاء الإجراءات التعسفية، وفتح الزيارات، وتحسين ظروف الاعتقال، وإعادة النظر في المحاكمات. وافقت الدولة على مطالب السجناء، الأمر الذي شكّل صفعة شخصية لعلي خير بيك.

الانتقام
الشهور التالية لشهر مارس/آذار 2008 شهدت ما وُصف أحيانا بالفوضى أو التساهل الزائد بحركة السجناء لتنقل الصورة لقيادة البلاد بأن السجن لم يعد سجنا، ولا بد من الانتقام، بحسب أحد المعتقلين.

جاء يوم الحسم في الخامس من يوليو/تموز 2008، باقتحام الشرطة العسكرية سجن صيدنايا فجرا، لكن الهجوم فشل، وسرعان ما سيطر السجناء على أفراد الشرطة العسكرية من جنود وضباط. وفورا استنفرت الدولة وضربت طوقا أمنيا وعسكريا حول السجن، ليبدأ إطلاق الرصاص والغاز المدمع بشكل عشوائي، ثم تلا ذلك إشعال النار في السجن.

مع ساعات الظهيرة، وما إن انقشع الغبار، حتى بانت الكارثة، قتلى وجرحى في صفوف السجناء وأفراد الشرطة العسكرية الذين ما زالوا في قبضة السجناء، كانت أعداد القتلى من السجناء في ذلك الهجوم تقدر بحوالي ثلاثين إضافة إلى عشرات الجرحى.

في اليوم نفسه، عُزل علي خير بيك وعين مكانه العميد طلعت محفوض مدير سجن تدمر سابقا.

تم الاتفاق على تسليم دفعات من الشرطة العسكرية والضباط المحتجزين مقابل إخلاء الجرحى والمصابين من السجناء إلى مستشفى تشرين العسكري. وهنا ظهرت أزمة جديدة، ففي مستشفى تشرين تعرض السجناء الجرحى لجولات من التعذيب والاضطهاد، حتى إن عددا منهم قتل تحت التعذيب.

بدأ صبر الدولة ينفد أمام صمود السجناء، فاتخذت إجراءات تصعيدية شيئا فشيئا، إذ أطبقت حصارا كليا على السجن، وقطعت المواد الغذائية التي كانت قد أبقتها بشكل متقطع، ثم قامت بقطع الكهرباء والماء.

منعطف أخير
استمر الحصار عدة أسابيع، لدرجة أنه أنهك السجناء. وفي 6/12/2008، دخل التمرد منعطفا جديدا حين جلبت الدولة وقتها عددا من الرافعات وسيارات الإطفاء وأحاطت بالسجن، ثم اعتلى القناصة تلك الرافعات وبدؤوا استهداف السجناء واحدا تلو الآخر.
"بعد عدة سنوات على المجزرة، لا يوجد رقم دقيق للقتلى بسبب وجود عشرات المفقودين. وبحسب تقديرات منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وحتى وثائق ويكيليكس، فإن عدد القتلى يتراوح بين ستين ومائة قتيل تقريبا"
استمرت هذه المرحلة حتى تاريخ 21/12/2008، وهو اليوم الذي حضر فيه رئيس شعبة المخابرات العسكرية وصهر بشار الأسد اللواء آصف شوكت ليبلغهم قرارات الدولة بإخلاء سجن صيدنايا إلى سجن عدرا المدني.

خرج السجناء على دفعات، وأخلي السجن بالكامل، عدا عشرين شخصا رفضوا الخروج لكن الدولة اقتحمت السجن بعد ذلك لتمشيطه تماما، فقتلت عددا منهم واعتقلت الآخرين، عندها انتهى التمرد في سجن صيدنايا، بعد أن استمر تسعة أشهر متواصلة.

بعد مرور عدة سنوات على المجزرة، لا يوجد رقم دقيق للقتلى بسبب وجود عشرات المفقودين. وبحسب تقديرات منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وحتى وثائق ويكيليكس فإن عدد القتلى يتراوح بين ستين ومائة قتيل تقريبا.

الأمر اللافت هنا أنه حتى يومنا هذا لم تسجل أي قضية أو دعوى ضد النظام السوري لملاحقته قضائيا، بل لم يوجه أي اتهام لأي مسؤول عن هذه المجزرة التي ما زالت تفاصيلها حاضرة في ذاكرة السوريين حتى الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق