الإسلاميون والعلمانيون العرب.. إشكالات حوار لم يبدأ
مهنا الحبيل
من المهم في مطلع هذا المقال أن نؤكد للقارئ الكريم، وللشاب العربي الباحث عن المخرج الفكري، أن دراسات ودعوات المراجعة لساحة الخطاب العربي والإسلامي، والتي تنشرها الجزيرة نت هي حقيبة مترادفة، تهدف إلى محاولة تعويض ما فات من سنوات الصمت أو الصراع الحزبي والأيديولوجي الذي أثر سلبا على صناعة العقل العربي. فالعقل العربي اليوم في مواجهة مشهد عاصف جديد للجغرافيا ولإنسانها العربي، الذي هو بحاجة ماسة لتنظيم أفكاره وقراره الثقافي، ولذلك ندفع نحو تتابع القراءة، ودمجها فيما قبلها وبعدها، ليتشكل الرأي الثقافي العربي الجديد، وليفهم الشاب ما يُكتب ويقبله أو ينقده نقدا منهجيا. ولذلك لن نعيد عبثية فكرة الصراع الصفري بين الإسلاميين والعلمانيين العرب، وكارثيتها ليس على التفكير العربي، والعلاقة بين التيارين فحسب، ولكن أيضا على مستقبل مشروع الإنقاذ العربي، ما بعد حرب نقض الربيع، الذي يحتاج إلى دستور ثقافي ومرحلة نضج قوية تؤسس للعهد الجديد، قبل أي ثمرة سياسية مرتجاة، فالسياسة قُطريا وقوميا، تقوم على قاعدة قناعات، لن تتغير مالم تتغير هذه القناعات. وأمامنا هنا مقدمات رئيسية نعرضها كالآتي: 2- إنه من المسلم به أن شريحة من هذا التيار وذاك قد تم استيعابها كليا في مشاريع معادية لحرية وحقوق الإنسان العربي.. كالمشروعين الصهيوني والإيراني الرديف، وبالتالي لا يمكن أن يرتجى من هذه الشرائح المساهمة الإيجابية، مالم تنفك عن الإرث القديم. 3- لم يأت فشل المؤتمر القومي الإسلامي، نتيجة للفكرة ولا لمشاريع الوحدة المقترحة، لكنه وُضع منذ البداية تحت الوصاية الإيرانية، قبل تأميم طهران للمؤتمر رسميا في سنواته الأخيرة عبر سفارة طهران فيبيروت وحزبها في لبنان.
5- غير أن الحوار العلماني الإسلامي العربي، ليس مرتهنا بالتيار القومي، فهناك أطياف ليبرالية ويسارية وإنسانية وتشكيلات علمانية جديدة، لا تخضع لهذه التوجهات الأيديولوجية، وهي اليوم تتصدر اهتمام الشباب في ساحة الجمهور العلماني، لكن كان من المهم أن نؤكد على ضرورة الخروج من خندق هذا المؤتمر البائس، الذي أضحى من ممتلكات إيران ونظام الأسد. 6- كل ذلك لا يقدح في شخصيات ولا نوايا فاضلة انتمت للمؤتمر، وحرصت على تحقيق نقلة نوعية لتفاهمات التيارات العربية، ودعم فكرة الإنسان العربي، ومقاومة العدوان على أرضه وإنسانه، قبل أن يختطف المؤتمر. أما مسؤولية العهد الجديد في هذا المضمار، فهي محتاجة إلى تفكيك قضاياه الكبيرة، والارتفاع عن حلبات الجدل والملاعنة المتبادلة، وسنلاحظ أن جزءا من أدبيات وحلقات الصراع هي قضايا غير محسومة داخل التيارين ذاتهما. ولذلك فإن التقدم نحو إنجاز معرفي مفيد للحراك الثقافي العربي، يحتاج أن يعتمد العناصر التالية كمقترح تنظيمي لهذا الحوار: 1- مفهوم تطبيق الشريعة وأين ومتى تطبق، وما هي الشريعة التي ارتضاها الإسلام، والفرق بين شرائع الجماعات المتقاتلة في أرض واحدة، وكلها تدعو لتطبيق الشريعة وفقه الإسلام الدستوري، وتلك قضية تتفاعل اليوم في الساحة الإسلامية أصوليا وفكريا، وتركها في دائرتهم أفضل من استجلابها لطاولة الحوار. 2- علاقة العرب بالإسلام، ومراجعات الأستاذ محمد عابد الجابري رحمه الله، وتخطئته لإقصاء القوميين للإسلام عن المجتمع العربي، وأنه ليس تراثا بل هو في أصل بعث الأمة العربية، تحتاج أن يتسع لها الحوار الداخلي علمانيا، وأن تُتَعاطى برحابة صدر، فالديمقراطية العلمانية اليوم، ديمقراطيات متعددة، بعضها ارتُكبت باسمه جرائم حرب، وصُنع استبداد شرس، تماما كما صنعته الثيوقراطية الدينية. 3- ولذلك فالتركيز هنا على عناصر رئيسية أهمها، الإنسان وحقوقه، وضمان حريته السياسية واعتماد قواعد المشاركة الدستورية الجامعة في إطار الديمقراطية الانتقالية العادلة للمواطن العربي، وإعادة بعثها ضمن الحراك الثقافي المشترك. 4- قاعدة تداول السلطة والمشاركة فيها، مسألة حسّاسة للغاية والدخول في الشأن القُطري لكل دولة يزيد الأمر تعقيدا، لكنّنا اليوم بحاجة إلى عرض وتشريح هادئ لأزمات استثمرت الصراع في هذه الفكرة، وقادت دولا عربية لجحيم أمنى ودموي كما في مصر.
6- إن ما يجري من حملات تفويج غربي للإسلاموفوبيا اليوم على العرب والمسلمين يَستثمر بعضه أجواء هذا الصراع الذي يتضرر منه كل العرب، وإن مناقشة ميثاق مشترك بين المثقفين العرب إسلاميين وعلمانيين يتناول علاقة الغرب بالعرب، ومواطن الاتفاق والاختلاف حوله بين المثقفين العرب أمرٌ من المهم أن يؤطر في مواجهة البغي السياسي والفكري الغربي غير الإنساني. 7- إن فكرة أن العلمانية مقابل مطلق للإسلام، أو مقتض فوري للتكفير قضية خطيرة، وينبغي على الفكر الإسلامي تحريرها شرعا، فهذا الإطلاق ليس صحيحا، ومستويات العلمانية في كل فرد تتفاوت. فبعضهم يرى أن من الدين الذي يؤمِن به، ألا يُدفع في صراعات الدستور والسياسة، وهذا الأمر بات نظرية معرفية واسعة، لا عقيدة أيديولوجية يؤطر عليها المثقف، فضلا عن أن مساحة التعبير للمثقف العربي تؤخذ بسعتها، لا بحدود يُقنّنها مخالفوه.. وتلك مسألة فكرية ممكن جدا أن توثّق في طاولة الحوار. بقي أن نؤكد على مسألتين، هما: الأولى: ألا تخضع هذه الرؤية لنزاعات الإسلاميين والعلمانيين القُطرية، بل ترتفع عن ذلك وتجمع حتى المتخاصمين، والتيارات المحافظة كالفكر السلفي وأطيافه، التي ترغب في المشاركة. والثاني: أن مثل هذا المشروع يحتاج إلى مبادرة لمؤسسة قادرة ترعاه، دون تسييس الأنظمة، وهو ما نأمل أن يتحقق في تونس اليوم، بعد أن عبرت من عين العاصفة. ونرجو أن يتم ذلك مع شراكة مراكز متخصصة نوعية كالمركز العربي للدراسات أو مركز الدراسات التابع لشبكة الجزيرة في قطر، والأفضل شراكة هذه الأطراف كلها في إدارة هذا المشروع، الذي يحتاجه الشباب العربي قبل أن يعود ربيعه، إن قدر له زمن جديد. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق