رمضان بين أمة مسلمة وسلطة علمانية
محمد إلهامي
ليس التناقض بين الإسلام والعلمانية يسيرا ولا هو مما يمكن تجاوزه، ذلك أن نظام الإسلام متناقض في كل باب مع نظام العلمانية، ولربما استطاع العلماني أن يزوِّر معنى العلمانية فيسوق لها باعتبارها "حيادا ووقوفا على مسافة واحدة بين الأديان"، مثلما يحاول "مسلم متعلمن" أن يُزَوِّر معنى الإسلام فيدعي أنه لا يتناقض مع الحداثة ومتطلبات الدولة الحديثة!
إلا أن محاولات التزوير هذه لن تصمد إلا قليلا، إذ قضايا الواقع ستحمل كلا منهما على رأي فيه تنازل عن الإسلام أو تنازل عن العلمانية!
هذا شهر رمضان.. مثال على قضية واقعية عظيمة تمثل مساحة للمعركة الإسلامية العلمانية.
أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى ترفض اعتبار المجاهرة بالإفطار في رمضان حرية شخصية بل تجعل ذلك من الاعتداء على قدسية الدين، وهو مما يستوجب المحاسبة والمعاقبة. وقد فجرت الفتوى جدلاً كبيراً، إذ اعتبرها البعض – لا سيما من غير المسلمين ومن العلمانيين -دعوة للتحريض على المُفطرين في نهار رمضان، وكان أهم ما وُجِّه للفتوى من انتقادات أنها مصادرة على الحرية الشخصية، إذ الدين علاقة بين الإنسان وربه ليس للسلطة أن تتدخل فيها، ومن ثم فمن حق كل فرد أن يفطر أو يجاهر بالإفطار، وأنه إذا لم يفعل فإنما يكون هذا من باب الذوق والمجاملة للصائمين لا أكثر.
هكذا إذن اصطدم نظام الإسلام بنظام العلمانية، وليس ثمة حل لفض هذا الاشتباك إلا بالميل نحو أحد الأمرين: إما أن نحذف من الإسلام أي إدانة أو عقوبة للمجاهرة بالإفطار، وإما أن تتخلى السلطة "العلمانية" عن حيادها بين الأديان لتقترب من الإسلام وتعاقب من ينتهك حرماته، وإن كان ذلك بتصرف – هو في الثقافة العلمانية -شديد الخصوصية ويمثل التزاما تعبديا كاختيار الصوم أو الإفطار في رمضان!
تبدو الأزمة أمام السلطة معقدة، بل هي على الحقيقة مستحيلة، ذلك أن الإسلام محفوظ في نص معصوم خالد، محفوظ في الصدور والسطور، لا يمكن لأحد تغييره أو تبديله أو تحريفه، ثم إن العلماء الموكلين بفهم النص وتفسيره ليسوا تنظيما هرميا ولا هم مندرجون في مراتب كهنوتية، بل هم تيار واسع ممتد، ولذلك لا يملك أحدهم – على غرار المسيحية - أن يُحرم ما كان بالأمس حلالا أو يُحرم ما كان بالأمس حراماً، ولا قيمة لشيخ الأزهر ولا لمفتي الجمهورية ولا لأي رتبة علمية في نظام إداري، إن هذا لا يعطيهم حصانة من الانحراف ولا هو يسمح لهم بالإتيان بشيء جديد فيه مخالفة للنصوص الثابتة من القرآن والسنة وإجماع جماهير العلماء عبر خمسة عشر قرنا!
كذلك فإن الإسلام قد أقام دولة استمرت لأكثر من ألف سنة، ونموذجها المثالي استمر لأربعين سنة (العهد النبوي في المدينة + الخلافة الراشدة)، مما يعني أن مسألة سياسة الدولة وعلاقتها تجاه الأحكام الدينية مسطورة ومكتوبة ومبحوثه فقهياً في مئات الآلاف من الكتب، فهي ليست نازلة جديدة تحتاج فتوى جديدة يُمكن الدخول منها إلى تغيير علاقة السلطة بالدين أو إعادة تعريف لمساحة ونفوذ كل منهما!
إن معركة الفتوى والنظام تمثل مشهداً ملفتا للنظر، فبقدر ما تبدو السلطة العلمانية متغولة بالإمكانيات قاهرة بالقوة، بقدر ما تبدو بائسة قليلة الحيلة أمام إدخال العلمانية إلى صميم حياة الناس، وهي إذا عجزت عن هذا فإنها في الوقت نفسه مهددة بأن يتمدد أثر الإسلام العميق في حياة الناس إلى مساحتها التي اغتصبتها بالقوة والقهر. لذلك لن تجد أبدا في بلادنا علاقة سوية ومفهومة بين مؤسسة الفتوى والنظام، بل هي كما يصف الله تعالى المنافقين {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 143]
للسلطة منذ القدم أثرها الواضح في إنتاج الثقافة وترويج الأفكار، حتى قيل "الناس على دين ملوكهم"، وقيل "إذا تغير السلطان تغير الزمان"، وقيل "التاريخ يكتبه المنتصرون"... إلى آخره! أما في العصور الحديثة فقد اختلف الأمر كثيرا، لقد أصبحت السلطة وحشاً أسطورياً رهيباً بما وفرته له التطورات التقنية الحديثة من وسائل، فصارت السلطة تمتلك وسائل إنتاج الثقافة والأفكار وتُسيطر عليها، وذلك منذ ظهرت المطبعة، ثم الإذاعة والتليفزيون. لقد تحكمت الدولة المركزية في سائر الأنشطة التي تجري فيها، بدءا من الإعلام والتعليم وحتى التصاريح بالخطابة أو بإلقاء الدروس في المساجد! وهكذا لم يقتصر الأمر على ما أُتيح للسلطة من وسائل ترويج ضخمة لأفكارها وثقافتها، بل لم يعد بالإمكان تقديم أفكار أصلاً إلا بإذن من السلطة!
ويعدُّ رمضان مثالاً على هذه الحالة أيضا، حالة التنازع بين الأمة المسلمة والسلطة العلمانية في بلادنا، ففيما قبل عصر الدولة المركزية كانت ملامح رمضان ترسمها الأمة أساسا، ثم صارت ملامح رمضان ترسمها السلطة!
وقبل عصر الدولة المركزية كانت الأمة تحيي رمضان بالعديد من التقاليد الخاصة التي تكثر فيها خطب العلماء ودروسهم وقراءة القرآن في المساجد أو الساحات أو فعاليات الإفطار الجماعي وتقديم العون للمحتاجين وتوزيع الأموال والصدقات وإدخال السرور على الأطفال، فإذا حلَّ الليل تحولت بيوت العائلات الكبيرة إلى مجالس يُقرأ فيها القرآن وتُنْشد فيها المدائح النبوية، وكان الأغنياء يوقفون من أراضيهم وأملاكهم على هذه المجالس كي تستمر بعد وفاتهم، ولذا استمرت المجالس بما يُنفق عليها من ريع هذه الأوقاف إلى وقت قريب!
وما إن دخلت الإذاعة والتلفاز إلى البيوت حتى انتزعت السلطة مساحة رمضان من الأمة، وصارت صناعة رمضان بيد السلطة التي صنعت تقاليد جديدة: الفوازير وألف ليلة وليلة والمسلسلات الدرامية والمسابقات الرمضانية وأنماط من البرامج المثيرة: الكاميرا الخفية وبرامج الاعترافات وبرامج الربح السهل للأموال... إلخ!
وبهذا صار رمضان في وجدان الأجداد غير رمضان في وجدان هذا الجيل تماما، بل صار مناقضا له.. فهذا رمضان كل شعائره اقتراب من الله، وهذا رمضان كل شعائره ابتعاد عن الله واقتراب من التغريب والانحلال!
وهكذا يثبت رمضان –كمثال-أن العلمانية لا يمكن لها على الحقيقة أن تكون مجرد "حياد بين الأديان أو وقوف على مسافة واحدة منها"، بل هي فكرة وثقافة ورؤية وتصور كوني، وهي تعمل على إنتاج ونشر وترويج هذه الثقافة من خلال وسائل الإعلام ونظام التعليم وسائر منافذ التأثير في المجال العام.
ليست السلطة العلمانية محايدة إذن، ولا يمكنها أن تكون.. إنما هي صاحبة موقف لأنها صاحبة رؤية وتوجه، وهذا التوجه إما أن يكون إسلاميا منسجما مع الأمة وإما أن يكون ضد الأمة، وفي الحالتيْن: لن يكون للعلمانية معنى!
الخلاصة
لذلك لم تفرض العلمانية في البلاد الإسلامية إلا بعنف السلطة وقهرها وبعد كمٍّ هائل من المذابح، فإما كان هذا بيد الاحتلال الأجنبي، أو كان بيد ممثليه في بلادنا كمحمد علي في مصر وأتاتورك في تركيا. ولذلك أيضا لم يُسمح في بلادنا بسلطة حقيقة معبرة عن الشعب، إذ ما إن يُطرح اختبار السلطة في البلاد الإسلامية إلا ويصعد الإسلاميون، فتأتيهم الانقلابات العسكرية المدعومة بالقوى الإقليمية والخارجية!
ولذلك أيضا لن يمكن تغيير هذه الأحوال إلا بثورة وكفاح، ليس فقط لأن كافة الطرق قد جُرِّبت ولم تفلح، بل لأن المعركة لا يمكن تجاوزها ولا نسيانها، السلطة العلمانية لا بد لها أن تهيمن على مساحات هي من صميم الإسلام، والإسلام متغلغل في أدق الأمور الشخصية وفي أوسع القضايا الكبرى، لذلك تبحث السلطة العلمانية بإصرار في تغيير هذا الدين بعناوين مثل "التجديد" و"إصلاح الخطاب الديني" والبحث عن النسخة "الوسطية المعتدلة" من الإسلام، وهي لا تبحث في تنفيذ هذا بمجرد الحوار والإقناع بل بسلطة النفوذ والتأثير وبسوط السجون والمعتقلات كذلك.. إنها في الحقيقة الصورة التي أخبرنا الله تعالى عنها منذ قديم في آية من كتابه، آية يغفل عنها البعض، ويريد البعض الآخر أن يتجنبها، قال تعالى {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]
(1)
معركة الفتوى والنظام
أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى ترفض اعتبار المجاهرة بالإفطار في رمضان حرية شخصية بل تجعل ذلك من الاعتداء على قدسية الدين، وهو مما يستوجب المحاسبة والمعاقبة. وقد فجرت الفتوى جدلاً كبيراً، إذ اعتبرها البعض – لا سيما من غير المسلمين ومن العلمانيين -دعوة للتحريض على المُفطرين في نهار رمضان، وكان أهم ما وُجِّه للفتوى من انتقادات أنها مصادرة على الحرية الشخصية، إذ الدين علاقة بين الإنسان وربه ليس للسلطة أن تتدخل فيها، ومن ثم فمن حق كل فرد أن يفطر أو يجاهر بالإفطار، وأنه إذا لم يفعل فإنما يكون هذا من باب الذوق والمجاملة للصائمين لا أكثر.
هكذا إذن اصطدم نظام الإسلام بنظام العلمانية، وليس ثمة حل لفض هذا الاشتباك إلا بالميل نحو أحد الأمرين: إما أن نحذف من الإسلام أي إدانة أو عقوبة للمجاهرة بالإفطار، وإما أن تتخلى السلطة "العلمانية" عن حيادها بين الأديان لتقترب من الإسلام وتعاقب من ينتهك حرماته، وإن كان ذلك بتصرف – هو في الثقافة العلمانية -شديد الخصوصية ويمثل التزاما تعبديا كاختيار الصوم أو الإفطار في رمضان!
تبدو الأزمة أمام السلطة معقدة، بل هي على الحقيقة مستحيلة، ذلك أن الإسلام محفوظ في نص معصوم خالد، محفوظ في الصدور والسطور، لا يمكن لأحد تغييره أو تبديله أو تحريفه، ثم إن العلماء الموكلين بفهم النص وتفسيره ليسوا تنظيما هرميا ولا هم مندرجون في مراتب كهنوتية، بل هم تيار واسع ممتد، ولذلك لا يملك أحدهم – على غرار المسيحية - أن يُحرم ما كان بالأمس حلالا أو يُحرم ما كان بالأمس حراماً، ولا قيمة لشيخ الأزهر ولا لمفتي الجمهورية ولا لأي رتبة علمية في نظام إداري، إن هذا لا يعطيهم حصانة من الانحراف ولا هو يسمح لهم بالإتيان بشيء جديد فيه مخالفة للنصوص الثابتة من القرآن والسنة وإجماع جماهير العلماء عبر خمسة عشر قرنا!
كذلك فإن الإسلام قد أقام دولة استمرت لأكثر من ألف سنة، ونموذجها المثالي استمر لأربعين سنة (العهد النبوي في المدينة + الخلافة الراشدة)، مما يعني أن مسألة سياسة الدولة وعلاقتها تجاه الأحكام الدينية مسطورة ومكتوبة ومبحوثه فقهياً في مئات الآلاف من الكتب، فهي ليست نازلة جديدة تحتاج فتوى جديدة يُمكن الدخول منها إلى تغيير علاقة السلطة بالدين أو إعادة تعريف لمساحة ونفوذ كل منهما!
إن معركة الفتوى والنظام تمثل مشهداً ملفتا للنظر، فبقدر ما تبدو السلطة العلمانية متغولة بالإمكانيات قاهرة بالقوة، بقدر ما تبدو بائسة قليلة الحيلة أمام إدخال العلمانية إلى صميم حياة الناس، وهي إذا عجزت عن هذا فإنها في الوقت نفسه مهددة بأن يتمدد أثر الإسلام العميق في حياة الناس إلى مساحتها التي اغتصبتها بالقوة والقهر. لذلك لن تجد أبدا في بلادنا علاقة سوية ومفهومة بين مؤسسة الفتوى والنظام، بل هي كما يصف الله تعالى المنافقين {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 143]
(2)
معركة إنتاج الثقافة
للسلطة منذ القدم أثرها الواضح في إنتاج الثقافة وترويج الأفكار، حتى قيل "الناس على دين ملوكهم"، وقيل "إذا تغير السلطان تغير الزمان"، وقيل "التاريخ يكتبه المنتصرون"... إلى آخره! أما في العصور الحديثة فقد اختلف الأمر كثيرا، لقد أصبحت السلطة وحشاً أسطورياً رهيباً بما وفرته له التطورات التقنية الحديثة من وسائل، فصارت السلطة تمتلك وسائل إنتاج الثقافة والأفكار وتُسيطر عليها، وذلك منذ ظهرت المطبعة، ثم الإذاعة والتليفزيون. لقد تحكمت الدولة المركزية في سائر الأنشطة التي تجري فيها، بدءا من الإعلام والتعليم وحتى التصاريح بالخطابة أو بإلقاء الدروس في المساجد! وهكذا لم يقتصر الأمر على ما أُتيح للسلطة من وسائل ترويج ضخمة لأفكارها وثقافتها، بل لم يعد بالإمكان تقديم أفكار أصلاً إلا بإذن من السلطة!
ويعدُّ رمضان مثالاً على هذه الحالة أيضا، حالة التنازع بين الأمة المسلمة والسلطة العلمانية في بلادنا، ففيما قبل عصر الدولة المركزية كانت ملامح رمضان ترسمها الأمة أساسا، ثم صارت ملامح رمضان ترسمها السلطة!
وقبل عصر الدولة المركزية كانت الأمة تحيي رمضان بالعديد من التقاليد الخاصة التي تكثر فيها خطب العلماء ودروسهم وقراءة القرآن في المساجد أو الساحات أو فعاليات الإفطار الجماعي وتقديم العون للمحتاجين وتوزيع الأموال والصدقات وإدخال السرور على الأطفال، فإذا حلَّ الليل تحولت بيوت العائلات الكبيرة إلى مجالس يُقرأ فيها القرآن وتُنْشد فيها المدائح النبوية، وكان الأغنياء يوقفون من أراضيهم وأملاكهم على هذه المجالس كي تستمر بعد وفاتهم، ولذا استمرت المجالس بما يُنفق عليها من ريع هذه الأوقاف إلى وقت قريب!
وما إن دخلت الإذاعة والتلفاز إلى البيوت حتى انتزعت السلطة مساحة رمضان من الأمة، وصارت صناعة رمضان بيد السلطة التي صنعت تقاليد جديدة: الفوازير وألف ليلة وليلة والمسلسلات الدرامية والمسابقات الرمضانية وأنماط من البرامج المثيرة: الكاميرا الخفية وبرامج الاعترافات وبرامج الربح السهل للأموال... إلخ!
وبهذا صار رمضان في وجدان الأجداد غير رمضان في وجدان هذا الجيل تماما، بل صار مناقضا له.. فهذا رمضان كل شعائره اقتراب من الله، وهذا رمضان كل شعائره ابتعاد عن الله واقتراب من التغريب والانحلال!
وهكذا يثبت رمضان –كمثال-أن العلمانية لا يمكن لها على الحقيقة أن تكون مجرد "حياد بين الأديان أو وقوف على مسافة واحدة منها"، بل هي فكرة وثقافة ورؤية وتصور كوني، وهي تعمل على إنتاج ونشر وترويج هذه الثقافة من خلال وسائل الإعلام ونظام التعليم وسائر منافذ التأثير في المجال العام.
ليست السلطة العلمانية محايدة إذن، ولا يمكنها أن تكون.. إنما هي صاحبة موقف لأنها صاحبة رؤية وتوجه، وهذا التوجه إما أن يكون إسلاميا منسجما مع الأمة وإما أن يكون ضد الأمة، وفي الحالتيْن: لن يكون للعلمانية معنى!
الخلاصة
لذلك لم تفرض العلمانية في البلاد الإسلامية إلا بعنف السلطة وقهرها وبعد كمٍّ هائل من المذابح، فإما كان هذا بيد الاحتلال الأجنبي، أو كان بيد ممثليه في بلادنا كمحمد علي في مصر وأتاتورك في تركيا. ولذلك أيضا لم يُسمح في بلادنا بسلطة حقيقة معبرة عن الشعب، إذ ما إن يُطرح اختبار السلطة في البلاد الإسلامية إلا ويصعد الإسلاميون، فتأتيهم الانقلابات العسكرية المدعومة بالقوى الإقليمية والخارجية!
ولذلك أيضا لن يمكن تغيير هذه الأحوال إلا بثورة وكفاح، ليس فقط لأن كافة الطرق قد جُرِّبت ولم تفلح، بل لأن المعركة لا يمكن تجاوزها ولا نسيانها، السلطة العلمانية لا بد لها أن تهيمن على مساحات هي من صميم الإسلام، والإسلام متغلغل في أدق الأمور الشخصية وفي أوسع القضايا الكبرى، لذلك تبحث السلطة العلمانية بإصرار في تغيير هذا الدين بعناوين مثل "التجديد" و"إصلاح الخطاب الديني" والبحث عن النسخة "الوسطية المعتدلة" من الإسلام، وهي لا تبحث في تنفيذ هذا بمجرد الحوار والإقناع بل بسلطة النفوذ والتأثير وبسوط السجون والمعتقلات كذلك.. إنها في الحقيقة الصورة التي أخبرنا الله تعالى عنها منذ قديم في آية من كتابه، آية يغفل عنها البعض، ويريد البعض الآخر أن يتجنبها، قال تعالى {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق