أكذوبة "إبادة الأرمن" لابتزاز تركيا المسلمة
د. عامر الهوشان
26 جمادى الثانية 1436
لا يبدو أن الغرب الصليبي يستسيغ التحول الكبير الذي حل بتركيا الحديثة بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم منذ حوالي عقد من الآن , كما لا يبدو أنه في وارد التنازل عن النتائج التي حققها في تركيا منذ التآمر على الخلافة العثمانية وإسقاطها , وحتى وصول حزب أردغان إلى السلطة .
لقد عملت الدول الغربية الصليبية على تحويل الخلافة العثمانية الإسلامية إلى دولة علمانية بامتياز , وحاربت عن طريق رجلها في تركيا "مصطفى كمال أتاتورك" وخلفائه جميع المظاهر الإسلامية في البلاد , حتى أضحت تركيا أشد علمانية من الدول الغربية نفسها ظاهريا – فالروح الإسلامية ما زالت متجذرة بالشعب التركي المسلم - وفوق كل ذلك دولة تابعة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لمطامع وأجندات الدول الغربية . فكيف يمكن أن تقبل الصليبية العالمية اليوم بتركيا الإسلامية في القارة الأوروبية النصرانية ؟! خصوصا بعد أن أعاد حزب العدالة و التنمية الكثير من المظاهر الإسلامية إلى البلاد وعلى رأسها الحجاب . وإذا تجاوزنا غضب الغرب من الصبغة الإسلامية لتركيا الحديثة , فإنه من الصعوبة بمكان أن يقبل بالتفوق التركي في الاقتصاد في ظل أزمة اقتصادية أوروبية واضحة , حيث بات معلوما أن الاقتصاد التركي أضحى واحدا من أقوى 16 اقتصادا في العالم .
فإذا أضفنا إلى كل ما سبق سعي تركيا لامتلاك الطاقة النووية السلمية , حيث أفادت صحيفة "يني شفق" بأن تركيا وضعت حجر الأساس لإنشاء محطة نووية في بلدة أكويو بولاية مرسين جنوب البلاد , ونقلت الصحيفة عن وزير الطاقة التركية قوله : إن تركيا لم تقترب فعليا من إنشاء محطة نووية كما اقتربت اليوم ....
فإن ذلك كله يعتبر سببا في اختلاق الذرائع وابتداع الأكاذيب لإيقاف التقدم التركي .
ولم تجد الصليبية العالمية أفضل من أكذوبة "مذابح الأرمن" لتلاحق به التقدم التركي في كل المجالات , وتحاول ابتزازه من خلال هذه الفرية التاريخية , وذلك من خلال ما جاء على لسان بابا الكنيسة الغربية "الفاتيكان" هذه المرة "فرنسيس الأول" خلال ترأسه قداسا احتفاليا بكاتدرائية القديس بطرس في روما , حيث قال "إن المجازر التي ارتكبت إبان السلطنة العثمانية بحق الأرمن إبادة" , لتكون المرة الأولى التي يصف فيها بابا الفاتيكان ما حدث عام 1915 بالإبادة !!
لم يتأخر الرد التركي على هذا التصريح , بل كان الرد مباشرا وقويا ومن معظم المسؤوليين السياسيين في البلاد , وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال : "إن لعب رجال الدين دور مؤرخين تكون نتيجته التحريف وعدم الواقعية". واستخدم أردوغان لهجة مشددة في الرد على كلمة فرنسيس , محذرا من مغبة "تكرار تصريحاته الخاطئة حول أحداث ما يعرف بمجزرة الأرمن" , قائلا : " إنه لن يسمح بأن تنزع الأحداث التاريخية من مجاريها وزمنها وتصبح أداة لصالح بعض الدول والشعوب. وأضاف في تصريحه كما نقلت صحيفة "ستار" : "إذا كنا نرغب في مناقشة المسألة الأرمينية فعلينا أن نطرح القضية بصورة صحيحة. وهذا من شأن المؤرخين . نحن على استعداد لفتح كافة أراشيفنا. فعندما يقوم السياسيون ورجال الدين بدور المؤرخين، ينتج هذيان. لذا أجدد ندائي بتشكيل لجنة مشتركة" . من جهة أخرى اتهم رئيس الحكومة التركية "أحمد داود أوغلو" تصريحات بابا الفاتيكان بالتحيز والتناقض حيث قال : "إن البابا لا يقول عن أحداث البوسنة ورواندا (مجازر جماعية)، على الرغم من اعتبار المحاكم الدولية أنها إبادة جماعية، في حين يعتبر أحداث عام 1915 (إبادة) مع أن هذا الوصف لم يُصطلح عليها قانونيًّا ، مشيرًا إلى وجود تناقض وتمييز في هذا الموقف ؟! كما نقلت صحيفة "مليت" في خبر لها رد وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"على تصريحات البابا : "إن تصريحات بابا الفاتيكان "فرانسيس" الداعمة للادعاءات الأرمنية حول أحداث عام 1915، تتناقض مع تصريحاته التي أدلى بها في تركيا , مؤكدا أنّ التصريحات لا تستند إلى أي مرجعية قانونية , ولا يوجد أي قرار أممي يؤكّد صحّة تصريحات البابا في هذا الشّأن" . ومع وضوح هدف الغرب الابتزازي من وراء الترويج لهذه الفرية , إلا أنه لا بد من توضيح حقيقة ما يشاع عن "مذبحة الأرمن" ولو بشيء من الاختصار الشديد , وذلك لتوضيح الصورة الصحيحة لهذه الشائعة , وبيان الحقيقة التي ربما تكون غائبة عن بعض المسلمين . بدأ بعض الأرمن تاريخيا بالانحياز والتحالف مع روسيا المعادية للخلافة العثمانية منذ مطلع القرن الثامن عشر , وكمثال على ذلك التحالف والانحياز : كانت المدينة العثمانية دربند تحت الحصار الروسي عام 1796م ، فأرسل سكانها الأرمن إلى الغزاة الروس معلومات عن مصادر الإمداد المائي للمدينة، مما أتاح للروس أن يهزموا حاكم المدينة العثماني . وساعد الأرمن الأناضوليون الجيوش الروسية الغازية في عام 1827م , كما مهَّد المرشدون – الجواسيس - من الأرمن الطريق للغزاة الروس في عام 1877 , وشاعت تمردات الأرمن على الحكومة العثمانية في كل أنحاء الشرق بعد عام 1890، وشكّل الأرمن عصابات لقتال المسلمين بمساعدة روسيا القيصرية , ومارست هذه العصابات إرهاباً منظماً ضد رعايا الدولة العثمانية , حيث كانت تبيد مدائن وقرى كاملة كانت عامرة بالمسلمين ، وتجبر من تبقى على قيد الحياة منهم على النزوح القسري , ليستولوا بعد ذلك على كل ممتلكاتهم . ويكفي أن نشير إلى تقرير النقيب "إموري نيلز" و "آرثر سذرلاند" اللذين أمرتهما حكومة الولايات المتحدة الأمريكية باستقصاء الوضع في شرقي الأناضول , فقدما تقريرا يؤكد المجازر الأرمنية بحق المسلمين , وإن كانا متعصبين للأرمن على كل حال . وقد جاء في تقريرهما إحصائية تعداد القرى والبيوت المسلمة الناجية من جحيم الحرب حول مدينتي (وان) و (بتليس) فقط , حيث أثبت التقرير أن الأرمن دمروا أكثر بيوت المسلمين ولم يبق أي أثر لجميع المباني والمنشآت الدينية الإسلامية , ومن تلك الإحصائية : أن عدد بيوت المسلمين في مدينة "وان" قبل الحرب كان 3400 منزل لم يبق منها بعد الحرب إلا 3 بيوت فقط !! وفي عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى وأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية ، في الوقت الذي كان فيه العثمانيون منهكين بتمرد الأرمن في كل مناطق شرقي الأناضول ، وفي بداية من عام 1915م ازدادت وحشية وجرائم الأرمن بحق المسلمين , سعيًا منهم للاستقلال عن الدولة العثمانية ، مستغلين انشغال العثمانيين بالحرب العالمية الأولى . وحين أدركت تركيا أن المتمردين الأرمن يتلقون دعمًا مطلقًا من أرمن المدن الشرقية التي كانت موطنًا لزعماء المتمردين منهم ، جاء القرر باتخاذ إجراء نقل وإعادة توطين الأرمن سلميًّا . ويؤكد كتاب "الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين" للكاتب الأمريكي جستن مكارثي وترجمة فريد الغزي , الذي يعتبر من أفضل ما كتب في الموضوع مع بعض التحفظات : بأن الوثائق العثمانية الوحيدة التي يمكن التحقق منها بهذا الشأن , تدل على اهتمام رسمي على الأقل بالنازحين الأرمن ، فقد كُتبت الإجراءات المفصلة في إسطنبول وأُرسلت إلى الأقاليم ، وشملت بيع بضائع اللاجئين ، وتوطين اللاجئين في مواقع اقتصادية مشابهة لتلك التي تركوها ، وتعليمات بشأن الصحة وتطبيق القوانين الصحي ة، وما شابه ذلك. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن تلك الأحداث قد جرت في عام 1915 , أي بعد سنوات من حكم الاتحاديين العلمانيين على الحقيقة عام 1908م , وجعل الخلافة العثمانية مجرد سلطة روحية , فإن المسؤولية عن تلك الأحداث - بالإضافة إلى الأرمن والروس – تقع على العلمانية الطارئة على تركيا . فهل يمكن لمنصف - بعد كل ذلك - أن يشك بأن ما يسمى"الإبادة الأرمنية" ما هي إلا فرية غربية صليبية لابتزاز تركيا المسلمة ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق